ضرب الركود معرض دبي للطيران الذي تستمر فعالياته منذ أول أمس الأحد، في وقت حاولت شركات الإمارات للطيران إنقاذ سمعتها والتغطية على خسائرها عبر إعلان صفقات جديدة.
وأطلق معرض دبي للطيران أعماله وسط ركود في المبيعات والطلبيات على الطائرات، فيما تكافح إيرباص وبوينغ لإنقاذ صفقات طائرات بمليارات الدولارات اتفقت عليها مع طيران الإمارات لكنها تعثرت.
ولم يشهد المعرض الذي سيستمر حتى يوم الخميس حتى الآن سوى طلب شراء طائرتين لصالح خطوط طيران بيمان بنغلادش.
وأعلنت طيران الإمارات أنها قدمت طلبا مؤكداً لشراء 50 طائرة إيرباص إيه 350، في صفقة تبلغ قيمتها 16 مليار دولار بالأسعار الرسمية.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة الإماراتية، أحمد بن سعيد آل مكتوم “إلى جانب إيه 380، ستمنحنا الطائرة إيه 350 سعة ومرونة أكبر. سنتمكن من التوسع في أسواق جديدة مع هذه الطائرات”.
ويمثل الاتفاق الذي جرى توقيعه في معرض دبي الجوي نسخة نهائية ومعدلة من اتفاق أولي لشراء 40 طائرة إيه 330 نيو و30 طائرة إيه 350، في صفقة كانت معلقة منذ بداية العام.
وذكر أن “الطائرات الجديدة أقل ضوضاء وتمنحنا بصمة كربونية أقل”، مضيفاً أنه يتوقع تسليم أول طائرة إيه 350 في 2023.
وتحاول كبرى شركات صناعة الطائرات في العالم نيل موافقة نهائية على طلبيات شراء تتجاوز قيمتها 30 مليار دولار من طيران الإمارات، بعد تعليقها لما يصل إلى عامين، في ظل شكوى شركة الطيران من تأخر التصنيع ومشاكل في الأداء وتكبد الشركة خسائر كبيرة.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة إيرباص، جيوم فوري “هذه الطلبية دعم قوي جدا للطائرات إيه 350 المزودة بأحدث التكنولوجيا”. لكن طيران الإمارات قالت، من ناحية أخرى، إن الطائرة إيه 330 نيو لم تعد محل دراسة.
وأضاف فوري “لا أعلم ما يعنيه هذا بالنسبة للطائرة إيه 330 نيو، فيما يخص طيران الإمارات. لكن إيه 330 نيو تظل مهمة لآخرين. هناك عملاء من مناطق مختلفة يدعمون طلبيات جديدة للطائرة”.
وقالت طيران الإمارات إنها ما زالت في مفاوضات مع بوينغ بشأن طلبية أولية لشراء 40 طائرة 787 دريملاينر.
وتشمل الصفقات المحتملة ما إجماليه 110 طائرات من طرز بوينغ 787 وإيرباص إيه 330 نيو وإيه 350. لكن مندوبين قالوا إنه ما زال من غير الواضح ما إذا كان هناك مكان لها جميعاً في أسطول طيران الإمارات بعد المراجعة.
ولدى طيران الإمارات أيضاً طلبات شراء معلّقة بما إجماليه 70 طائرة من طرازَي إيه 330 نيو وإيه 350، في إطار صفقة دفع إليها قرار إيرباص الحديث وقف الطائرة إيه 380 بطيئة البيع، والتي كانت طيران الإمارات أكبر داعميها.
وتتضمن الخطط إعادة تشكيل الأسطول للتكيف مع الطلب على رحلات إقليمية أقصر، لكن المندوبين قالوا إنه ليس بمقدورهم استبعاد تكرار ما حدث في 2017 عندما تقرر تأجيل صفقة أثناء معرض الطيران.
وقال مصدر كبير بالصناعة “إنه الشعور نفسه قبل عامين. من الصعب التنبؤ”.
وتملك المجموعة الإماراتية 113 طائرة ايرباص “ايه 380″، وتنتظر استلام 10 طائرات من نفس الطراز خلال الأشهر المقبلة. كما تملك 158 طائرة بوينغ 777، على أن تستلم 150 طائرة أخرى من هذا الطراز خلال السنوات القادمة.
وتحلّ اتفاقية الشراء هذه البالغة قيمتها 16 مليار دولار، محل اتفاقية نوايا وُقّعت في شباط/فبراير الماضي بقيمة 21,4 مليار دولار، حيث أعلنت مجموعة “طيران الإمارات” حينها عن عزمها شراء 30 طائرة “ايه 350” و40 طائرة “ايه 330”.
وفي صفقة أخرى، أعلنت شركة “العربية للطيران” الإماراتية منخفضة التكلفة أنّها ستشتري 120 طائرة ايرباص من طراز “إيه 320” بقيمة 14 مليار دولار، في خطوة توسعية للمجموعة التي تعرضت لخسائر مالية كبرى العام الماضي.
وقال عادل العلي الرئيس التنفيذي للشركة ومقرها الشارقة “سيتم تسليم أول طائرة من الطلبية في عام 2024”.
وتشمل الطلبية الجديدة 73 طائرة من طراز “ايه 320 نيو”، و27 طائرة من طراز “ايه 321 نيو”، و20 طائرة من طراز “ايه 321 اكس أل آر”، علما أن الأسطول الحالي للشركة يتكوّن حاليا من 54 طائرة ايرباص من طرازي “ايه 320” “ايه 321 نيو أل آر”.
واعتبر العلي أنّ الطائرات الجديدة “تستكمل أسطولنا الحالي وتتيح لنا توسيع نطاق خدماتنا لتشمل وجهات جديدة مع المحافظة على نموذج أعمالنا الاقتصادي”.
وجاء الاعلان عن الصفقة الجديدة رغم أنّ الشركة تكبّدت خسائر بأكثر من 160 مليون دولار في العام 2018.
بالمقابل، اكتفت بوينغ بصفقة مع “صن اكسبرس” التركية للنقل الجوي لتزويدها بعشر طائرات من طراز “737 ماكس 8” بقيمة 1,2 مليار دولار، تضاف إلى طلبية أخرى تشمل 32 طائرة من طراز “ماكس”.
ومنذ آذار/مارس الماضي، مُنعت كل الطائرات من نوع “بوينغ 737 ماكس” من التحليق بعد تحطّم طائرة من النوع نفسه تابعة لشركة الطيران الإثيوبية في رحلة بين أديس أبابا ونيروبي، ما أدى إلى مقتل 157 شخصا.
ويتسم سجل استثمارات الإمارات في أسهم شركات الطيران، سواء المحلية أو العالمية، بالفشل المالي والتعرض لخسائر متواصلة، خاصة وأنه يغلب على هذه الاستثمارات، خاصة الخارجية، الطابع السياسي.
فقد تكبدت الدولة خسائر فادحة تقدر بمليارات الدولارات خلال السنوات الأخيرة، إما بسبب انهيار أو تعثر شركات طيران عالمية كبرى تساهم فيها الإمارات بحصص رئيسية كما حدث مع شركات ألمانية وهندية وإيطالية، أو بسبب الخسائر المتواصلة التي تتعرض لها شركات الطيران المحلية وفي المقدمة “الاتحاد للطيران” المملوكة لحكومة أبوظبي، أو بسبب التراجع الحاد في أرباح “طيران الإمارات” المملوكة لحكومة دبي، كما تمتد الخسائر إلى شركة طيران خاصة مثل فلاي دبي.
وقبل أيام تم الإعلان عن قرب انهيار شركة الطيران الهندية المتعثرة “جِت إيروايز” Jet Airways التي تستحوذ شركة الاتحاد للطيران الإماراتية على حصة رئيسية بها تصل إلى 24% وذلك بعد تخلي الحكومة والمستثمرين عنها، كما تكبد سهم الشركة المتعثرة خسائر فادحة بلغت نحو 70% خلال سنة واحدة، كما قرّرت الشركة قبل شهرين تقريبا وقف جميع عملياتها للحد من الخسائر المتراكمة.
والملفت هنا أن الانهيار السريع للشركة الهندية جاء بسبب تراجع الشركة الإماراتية عن ضخ أموال واستثمارات جديدة بها كما عرضت في وقت سابق، وهو ما أدى إلى انهيارها.
وفي أغسطس 2017 استيقظ العالم على خبر صادم هو إعلان “إير برلين”، ثاني أكبر شركة طيران ألمانية بعد شركة لوفتهانزا، عن تقدمها بطلب للسلطات لإعلان إفلاسها بعد أن دخلت في دوامة تعثر مالي، ولم تفلح محاولات الحكومة الألمانية في إنقاذ إير برلين التي لم تسجل أرباحاً منذ عام 2008.
وتفاقم وضع الشركة الألمانية المتعثرة عقب إخفاقها في سداد دين مستحق عليها بقيمة تبلغ نحو مليار يورو، وتكبدها خسارة تاريخية في العام 2016 بلغت 782 مليون يورو.
والملفت هنا أن شركة الاتحاد الإماراتية، المساهم الرئيسي في “إير برلين”، أغلقت وبشكل مفاجئ صنبور الدعم المالي لشركة الطيران الألمانية. وهو الأمر الذي دفعها إلى إشهار إفلاسها، وترك مصير موظفيها البلغ عددهم 8500 شخص طي المجهول.
ساعتها أثار موقف شركة الاتحاد بالتوقف المفاجئ عن مساندة “إير برلين” الاستغراب ليس في ألمانيا بل وفي العالم، خاصة وأن الإماراتيين وعدوا أثناء زيارة المستشارة أنجيلا ميركل للإمارات باستمرار تقديم الدعم المالي للشركة حتى خريف 2018.
وقيل وقتها إن حكومة أبوظبي أرادت بسحب موقفها الداعم لشركة الطيران الألمانية معاقبة حكومة أنجيلا ميركل، بسبب وقوفها إلى جانب قطر في وجه الحصار المفروض عليها ورفض المستشارة قرارات دول الحصار التي تم اتخاذها بحق قطر.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2017 وضعت شركة طيران “أليتاليا” الإيطالية المتعثرة تحت إدارة خاصة، بعد أن بلغت ديونها نحو ثلاثة مليارات يورو والتزاماتها نحو 2.3 مليار يورو وأصولها 921 مليون يورو فقط.
وكانت أليتاليا تعاني من مشاكل مالية وقامت شركة الاتحاد الإماراتية بشراء حصص فيها تصل إلى 49% من أسهمها، غير أنّها لم تلتزم بالسداد وتركت الشركة تواجه المجهول.
والخسائر التي تتكبدها الإمارات في شركات الطيران العالمية امتدت أيضا للشركات المحلية، فشركة فلاي دبي، سجلت خسائر بلغت قيمتها 159.8 مليون درهم (43.54 مليون دولار) في العام 2018، علما بأن فلاي دبي، تعمل بنظام الطيران منخفض التكلفة، وأنشأتها حكومة الإمارة في 19 مارس/آذار 2008.
وقبل أيام كشفت شركة “طيران الإمارات” المملوكة لحكومة دبي عن انخفاض حاد في أرباحها السنوية الصافية في السنة المالية 2018-2019 التي وصفتها الشركة نفسها بـ”الصعبة”.
وحسب الأرقام فقد تراجع صافي أرباح الشركة بنسبة 69 في المائة في السنة المالية الماضية، المنتهية في 31 مارس/ آذار الماضي.
أما الخسائر الأكبر فكانت من نصيب شركة الاتحاد للطيران، المملوكة لحكومة أبو ظبي، والتي بلغت خسائرها المتراكمة نحو 3.5 مليارات دولار في العامين السابقين. كما أعلنت الشركة عن تكبدها خسارة صافية بلغت 1.87 مليار دولار في العام 2016. وللحد من هذه الخسائر تخطط الشركة للاستغناء عن عشرات الطيارين وإلغاء طلبيات شراء طائرات جديدة،
وبسبب الخسائر وتراجع الأرباح المتواصلة لأكبر شركتي طيران إماراتيين تحدثت مصادر إعلامية غربية، منها صحيفة التلغراف البريطانية، عن أن “طيران الإمارات” تسعى للاستحواذ على ” الاتحاد للطيران” في محاولة لإيقاف نزيف الخسائر، لكن السلطات المسؤولة نفت ذلك أكثر من مرة.
وفي العام 2016 أصيبت شركات الطيران الإماراتية بنكسة كبيرة مع التراجع الكبير في أسعار النفط ووقوع هجمات إرهابية في أوروبا.
والسؤال هنا: هل تعد استثمارات الإمارات في شركات الطيران العالمية المتعثرة سياسية بالدرجة الأولى، وبالتالي لا يهمها المكسب المالي والعائد الاقتصادي، أم تخضع هذه الاستثمارات لعوامل اقتصادية بحتة، وبالتالي فإن انسحابها من الشركات المتعثرة هو لتفادي تكبد مزيداً من الخسائر التي تقدر هنا بمليارات الدولارات؟