موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

فيديو: معتقلو الرأي في الإمارات.. قهر بعد الموت

552

لا تكتفي السلطات في الإمارات بسجن معتقلي الرأي وتعذيبهم ولكنها تصعد من أشكال التعذيب النفسي بحرمان السجان من حضور جنازات أقاربهم وإلقاء نظرة الوداع عليهم في مخالفة لقواعد نيلسون مانديلا الأممية.

 

وأبرز مركز مناصرة معتقلي الإمارات تعسف السلطات في أبو ظبي بمنع معتقلي الرأي من المشاركة في جنازات أقاربهم، في تكريس لواقع يقوم على تسامح مفقود وإنسانية غير موجودة.

وقال المركز في بيان تلقت “إمارات ليكس” نسخة منه، إنه رغم أن الإمارات من أكثر الدول في الشرق الأوسط وربما العالم حديثاً عن التسامح والإنسانية، لكن ممارسات سلطاتها وقوانينها هي الأكثر افتقاراً لذلك حتى مقارنة مع جيرانها.

فوفقاً لورقة نشرتها شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) بالتعاون مع مؤسسة “فريدريش ناومان من أجل الحرية” في عام 2019، فإن قانون الجرائم الإلكترونية الإماراتي هو الأكثر تشدداً في المنطقة العربية من حيث عقوبات السجن الطويلة والغرامات الباهظة.

وهذا التشدد لا ينعكس فقط على العقوبات في القوانين الجزائية بل حتى في معاملة السجناء، فالقانون الإماراتي هو الوحيد في المنطقة الذي لا يحتوي على نص يسمح بالإفراج مؤقتاً عن السجناء من أجل دفن أقاربهم من الدرجة الأولى أو حضور عزائهم.

والغريب هنا أنه حتى الدول التي تصنف على أنها غير متسامحة مثل إسرائيل والسعودية والبحرين تحتوي قوانينها على نصوص تسمح للسجين بأخذ إجازة قد تصل إلى 3 أيام من أجل المشاركة في دفن أقاربه واستقبال المعزين.

لكن الإمارات التي تصنف نفسها كدولة متسامحة وإنسانية لا تسمح للسجناء بذلك، ولا يوجد فيها حتى نصوص نظرية.

علماً أن السماح للسجناء بالمشاركة في دفن أقاربهم يعد أحد حقوقهم وفقاً للقانون الدولي، وليس مجرد صلاحية تقديرية للدولة حتى تسمح به أو ترفضه، حيث تنص القاعدة 70 من قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء المعروفة باسم (قواعد نيسلون مانديلا) على أنه:

” تُخطِر إدارةُ السجن السجينَ فوراً إذا أصيب أحد أقاربه المقرَّبين أو أيُّ شخص آخر يهمه شأنه بمرض خطير أو توفِّي. وينبغي السماح للسجين، كلَّما سمحت الظروف بذلك، بالذهاب تحت الحراسة أو وحده لعيادة ذلك القريب أو الشخص إذا كانت حالته الصحية حرجةً أو لحضور جنازته في حالة الوفاة”.

وهو ما يعني ببساطة أن حق السجين في زيارة والده المريض أو حضور جنازته، يعد من الحقوق الأساسية التي يجب أن تمنح للسجين، وقد تمت تسمية هذه القواعد بـ”القواعد الدنيا” لأنها تمثل الحد الأدنى للحقوق الممنوحة للسجين من وجهة نظر إنسانية.

رغم ذلك، فإن القوانين الإماراتية لا تكفل للسجناء حتى حقوقهم الدنيا، وتنتهك القانون الدولي، وهي حقوق تلتزم بها حتى أشد الدول قمعاً واضطهاداً لحقوق الإنسان ثم يأتي وفد الإمارات أمام لجان الأمم المتحدة ليتحدث عن معاملة مميزة للسجناء وعن تسامح فريد تنتهجه حكومة أبوظبي.

في الواقع، فإن عدم وجود نص يسمح للسجناء بالمشاركة في دفن أقاربهم من الدرجة الأولى ليست فقط انتهاكاً قانونياً، بل هي أيضاً انتهاك إنساني، فأكثر لحظات الحياة صعوبةً هي لحظات الوداع الأبدي للأحبة، وإلقاء النظرة الأخيرة لها معنى فريد في ذاكرة الإنسان وضميره، وهي التي تبرد من حرقة الفؤاد، وتخفّف من الحزن وألم الفراق.

فضلاً عن أن الإنسان أكثر ما يؤنسه في هذه اللحظات الاستثنائية هو جلوسه في مجلس العزاء، وحوله لفيفٌ من الأحبة والأصدقاء والأقارب يقومون معه بواجب العزاء والمواساة.

وليس سراً أن السجون الإماراتية تشهد اكتظاظاً بشرياً مهولاً، وهؤلاء السجناء في مختلف القضايا لهم آباء وأمهات، وأبناء وبنات، وإخوة وأخوات، وبعضهم لهم أجداد وجدات، وأقارب على مختلف المستويات، ويمكن أن يفارق أحد هؤلاء الأقارب الحياة، في أي وقت، ومن أدنى حقوقهم أن يمتلكوا الحق في وادعهم.

والسلطات الإماراتية لها سوابق كثيرة في منع المعتقلين من حضور جنازات أقاربهم ففي مارس 2021، منعت الأكاديمي المعتقل ناصر بن غيث من حضور جنازة والدته أو المشاركة في الصلاة عليها.

وفي يونيو من نفس العام، حرمت السلطات معتقل الرأي محمد عبدالرزاق الصديق من المشاركة في جنازة ابنته آلاء رغم نداءات المنظمات الحقوقية التي وجهت مناشدة عاجلة لرئيس الدولة من أجل والسماح له بالمشاركة في جنازة ابنته والنظر للأمر كحالة إنسانية والسماح له بتوديعها، وهي التي لم يرها منذ أكثر من 9 سنوات بسبب السجن.

كما أنها منعت سابقا المعتقل سالم ساحوه من تشييع جثمان ابنته، ومنعت المعتقل عبد الرحمن الحديدي من تشييع جثمان والده.

ومؤخرا منعت معتقل الرأي جمعة الفلاسي من حضور جنازة والده، كما منعت نجيب الأميري من توديع والدته بالرغم من انتهاء محكومياتهما في انتهاك خطير للقيم للإنسانية.

وكثيرون من هم على شاكلة الصديق وبن غيث وساحوه، يسمعون بنبأ وفاة أحد أقاربهم ويتحسرون على عدم المشاركة في توديعه.

هذه قضيةٌ إنسانيةٌ لا يجوز غض الطرف عنها، ويجب أن تكون آلية التعامل معها واضحة لا لبس فيها.

لابد من مراجعة شاملة للقوانين الإماراتية لتصبح أكثر إنسانية بدلاً من استنزاف الأموال في دعايات التسامح، فالمعتقل يتألم للفقد، وذووه يتوجّعون مرتين، مرة لفَقد ميّتهم، واخرى لعدم مشاركة ابنهم الغائب في هذه المحنة.. إنه الوداع الأخير الذي لا يضاهي حضوره شيئاً آخر.. فهل من مستمعٍ لصوت الإنسانية؟