يقرأ الإماراتيون بشكل دائم، في وسائل الإعلام الحكومية عن جلسات الخلوة والعصف الذهني لاستشراف المستقبل، يحضرها حكام وشيوخ ومسؤولون في الدولة، وتناقش مواضيع استراتيجية مهمة ، لكن يظل مستوى التطبيق هو التحدي الرئيسي.
لكن الإماراتيون يستائلون لماذا لا تعالج جلسات العصف الذهني تفاقم المشكلات في الدولة، ولماذا لا يتم استشراف المستقبل بناءا على المعطيات المطروحة. “الطوباوية” لا تبني بلداً بل تهدم مستقبله.
فعلى المستوى السياسة الداخلية، لم تتحسن سياسة الدولة تجاه مواطنيها، فالاعتقالات والمحاكمات السياسية والانتهاكات لا تتوقف، على العكس من ذلك تعود الدولة إلى الوراء أكثر وأكثر بالقوانين سيئة السمعة، وأفعال جهاز الأمن المشينة.
تقول منظمات حقوقية إن السلطات الإماراتية تتجه لوقف مرتبات التقاعد عن “أحرار الإمارات” المعتقلين في سجون جهاز الأمن، في إساءة بالغة ومشينة للحكومة ولشيوخ الدولة وكل موظف حكومي، حيث يقوم جهاز الأمن باستخدام حقوقهم الأساسية ونهاية خدمتهم من أجل رفعة بلادهم الإمارات كأدوات لإجبارهم على التنازل عن حقوق شعبهم بالحرية والكرامة والمواطنة المتساوية. هذه معركة خاسرة مع المجتمع ودائماً ما ينتصر المجتمع ضد الجلادين.
وعلى المستوى الاقتصادي، تستمر الدولة في التراجع، حيث ذكرت الأرقام الحديثة أن النمو في إمارة دبي نما بنسبة 1.94 بالمئة في 2018، وهي أبطأ وتيرة منذ الانكماش الذي شهده عام 2009 حين تعثر الاقتصاد بفعل أزمة ديون.
وكان نمو الناتج المحلي خلال العام الماضي دون مستوى التوقعات فبدلاً من نمو كان متوقعاً 2.9%، كان الناتج المحلي 1.7%. وتغادر كثير من الشركات البلاد بسبب المخاوف الاقتصادية ومن حالات الإفلاس
على مستوى السياسة الخارجية، تفشل الدولة دائماً في سياستها الخارجية وللتأكد من ذلك يمكن متابعة سمعة الدولة في الخارج كيف تبدو؟! فمن الواضح أن الدبلوماسية الإماراتية تم عسكرتها وصنعت الكثير من الخصوم من دول وكيانات وجمعيات وأحزاب ومجتمعات. مستخدمة مؤسسات البلاد في تلك الحملات الخارجية التي ينفق عليها الإماراتيون من مال الدولة العام.
إذ تصر الأسرة الحاكمة في دولة الإمارات خاصة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد على تكريس سياسة التدخلات الخارجية للدولة بشكل يهددها بالمستقبل المجهول.
وتأتي السياسة الخارجية للإمارات على حساب السياسة الداخلية، واستخدم أراضي الدولة كمنطلق لتحسين السمعة أو لتأزيم العلاقات مع دول العالم العربي بل والعالم.
وهذه القرارات لا تلتهم موارد الدولة فحسب، بل تلتهم أبناء الدولة ورجالها وجنودها الأبطال، نتيجة هذه القرارات التي يدفع الجنود والشعب ثمنها، دون معرفة العائد والمنافع على البلاد من إراقة دم الإماراتيين خارج حدود بلادهم في تناقض مع دستور الدولة وعقيدة المؤسسة العسكرية القتالية.
وخلال عام 2018 برزت الإمارات في عديد من القضايا والملفات الإقليميّة والدولية: الحرب في اليمن، الأزمة الخليجية، الوجود في شرق أفريقيا، والوجود في ليبيا، العلاقة مع نظام الأسد والنظام السوري، التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، العلاقة مع مصر، العلاقة مع بريطانيا.
ويبدو أن الدولة ستستمر في التدخل في الصراعات حديث قال وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش بكلمة في مؤسسة (بوليسي إكستشينج) للأبحاث في لندن، إن الدولة مستعدة لنشر مزيد من القوات في أنحاء الشرق الأوسط لمواجهة خصومها.
وتستمر الإمارات بسباق التسلح الذي يتزايد الإنفاق عليه كل عام وحسب صدر تقرير شهر يناير/كانون الثاني2018 عن “مؤسسة أبحاث السوق” فإن متوسط النفقات الدفاعية للدولة بين عامي 2013 و2017 يصل 23.4 مليار دولار سنوياً، وتوقعت المؤسسة البحثية أن يرتفع هذا المعدل إلى 35 مليار دولار أمريكي خلال الفترة بين (2018-2022).
وخلال عام 2018 استمرت الدولة في الإنفاق على القواعد العسكرية مستمرة في تجاهل دراسة المخاطر من السياسة الخارجية الخشنة التي تقودها في القارتين الأسيوية والإفريقية، تتركز معظمها قرب مضيق باب المندب وبحر العرب حيث أصبحت تلك المنطقة جالبة للتوترات الدّولية.
وتتواجد في الدولة قواعد عسكرية “أمريكية وبريطانية وفرنسية وإيطالية”، لحمايتها من هجمات غير معروفة في ظل أن الدولة تقوم ببناء قواعد عسكرية خارج البلاد يتواجد فيها آلاف الجنود الإماراتيين، وهذه القواعد السبع في ثلاث مناطق “اليمن، وشرق أفريقيا، وليبيا” ففي اليمن توجد قاعدة عسكرية في “سقطرى، والمخا، وعدن” وفي أفريقيا توجد قاعدتين عسكريتين للدولة في “أرتيريا، وأرض الصومال” وفي ليبيا توجد قاعدتين: “الخروبة”، و”الخادم” الجويتين.
وفي يناير/كانون الثاني 2018: بدأت النيابة العامة الكورية الجنوبية في سيئول في إجراء تحقيق بشأن دعوى رفعتها منظمة مدنية حول شكوك بوجود اتفاق عسكري سري بين كوريا الجنوبية والإمارات. ولفتت الوكالة إلى أن وزير الدفاع الكوري الجنوبي الأسبق كيم تيه يونغ، كان اعترف “بوجود الاتفاق العسكري السري غير المعلن الذي يضمن تدخل القوات الكورية الجنوبية تلقائيا في أية حالة طوارئ في الإمارات”. وتوجد في الإمارات قوة عسكرية كورية تحمل اسم “الأخ2”.
في هذه الأثناء يبدو أن اليمن أصبحت حفرة القطران التي تلتهم الإمارات ورجالها وأموالها وقواتها، إلى جانب سمعتها وسمعة حلفاءها السعوديين.
فظهرت الإمارات في اليمن تقوم بإنشاء السجون السرية، لتعذب رجال المقاومة الشعبية الذين قاتلوا معها لتحرير عدن وبقية المحافظات. وتستهدف حكومة اليمن وتحاول الانتقاص من شرعيتها. في وقت تدعم الانفصاليين الجنوبيين الذي يحاولون تشطير البلاد وتقسيمها. وتلقت الدولة اتهامات بدعم التنظيمات الإرهابية في جنوب اليمن وفي محافظة تعز، مثل “تنظيم القاعدة” و”الدولة الإسلامية”.
وخلال 2018 زادت التظاهرات المطالبة برحيل الإمارات من اليمن حاملين شعارات أن “الإمارات دولة احتلال” في بلادهم. ونشرت تقارير عن تعذيب مئات المعتقلين اليمنيين في سجون تابعة للدولة جنوب البلاد.
ويظهر التعذيب مشابهاً لتلك الروايات التي كان المعتقلون السياسيون داخل الدولة يتحدثون عنها، واتفق تقريران لـ وكالة اسوشيتد برس الأمريكية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، على أن الضباط الإماراتيين يشاركون في عمليات تعذيب وإذلال المعتقلين في تلك السجون.
وقتل عدد من الإماراتيين في اليمن خلال العام، من بينهم أربعة شهداء سقطوا دفعة واحدة في يونيو/حزيران 2018 مع بدء عملية عسكرية في مدينة الحديدة غربي البلاد.
وتنفق الإمارات قرابة 1.3 مليار دولار شهرياً (على أقل تقدير) في اليمن، في العمليات البرية والجوية ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ما يصل إلى (16 مليار دولار) سنوياً.
وعلى الرغم من التكلفة الباهظة في الإنفاق تدفع الدولة جنودها إلى الحرب إلى جانب مرتزقة وعشرات الآلاف من اليمنيين، دون خطوط واضحة للحرب والسلم، إلى جانب بناء قواعد عسكرية دائمة في تلك البلاد، وهو ما انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي والتي أدت إلى مجموعة من الإجراءات التي تتزايد كل يوم بحق الإماراتيين.
وتركز الإمارات في اليمن على جدول أعمالها لتحقيق أهداف خاصة ما أدى بطبيعة الحال إلى إطالة أمد الصراع في البلاد.
وقال تقرير لجنة الخبراء الصادر عن الأمم المتحدة وتقرير أخر صادر عن فريق من المحققين في مجال حقوق الإنسان إن القوات الإماراتية والميليشيات التي تسلحها في اليمن تشكل تهديدا لأمنه واستقراره ومتورطة في انتهاكات. ووفق التقارير فإن الاستمرار في إنكار دور الإمارات في الانتهاكات باليمن يوفر الحماية للمنتهكين.
وبتدخلاتها المستمرة وتجاهل الحكومات المركزية، تفقد الإمارات نفوذها في القارة الأفريقية، خاصة بعد صفعات متكرّرة تلقّتها السياسية الخارجية لأبوظبي على نحو متكرر من الصومال وجيبوتي.
وبات اسم الإمارات، في الفترة الأخيرة، متداولا بكثرة كقوة تسعى إلى لعب دور مؤثر ليس في منطقة الخليج العربي فحسب، وإنما في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا أيضا، من خلال البروز اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
ففي الصومال تستمر الأزمة السياسية والتي أخذت أبعادا جديدة، وفي ابريل/نيسان2018 قرر الصومال إنهاء الوجود العسكري الإماراتي على أرضه ومصادرة أموال ومعدات عسكرية إماراتية. والدولة الهشة التي خرجت من حروب أهلية استمرت عقود تخشى أن تدعم أبوظبي إشعال حرب جديدة من خلال الدعم الذي تقدمه الدولة للانفصاليين في والأقاليم في “بلاد البنط” و”أرض الصومال”.
وطوال عام 2018 تنفق الدولة ملايين الدولارات في ميناء بربرة المرفأ القديم ب”أرض الصومال” الولاية الصومالية الانفصالية، رغم رفض الحكومة المركزية لاتفاق وقعته الدولة مع الحكومة الانفصالية في أرض الصومال. ويبدو أن هذه الأزمة دفعت أبوظبي للاعتراف بأرض الصومال كدولة والتي رفضت كل دول العالم الاعتراف بها منذ التسعينات، وسمحت الدولة بوجود تمثيل دبلوماسي لها على أراضي البلاد.
وبالقرب من الصومال اتهمت جيبوتي، دولة الإمارات بالاستمرار في محاولة التأثير على مصالحها العليا، من خلال التأثير على الشركات العالمية الراغبة في الاستثمار بميناء “دوراليه”. بعد أن ألغت جيبوتي اتفاق تشغيل للميناء كانت تقوم به شركة “موانئ دبي العالمية”.
وظهرت الإمارات خلال أغسطس/آب2018 صاحبة دور كبير في القرن الأفريقي، وتستخدم التوافقات والمشاكل لمصالحها. وتواجد الزعيمان الإرتيري والإثيوبي في الإمارات، لهدف رئيس يتمثل في تمويل الدولة اتفاق سلام بين الدولتين ورعايته مادياً، والإخلال باتفاقيات ومشاريع بين جيبوتي وأثيوبيا.
وسمح اتفاق سلام أعلن عنه بين الدولتين بإيجاد ممر لأثيوبيا إلى البحر عبر أرتيريا. وكانت أديس أبابا تعتمد على ميناء جيبوتي بنسبة 90% في تجاراتها الخارجية، مع الحرب التي دارت مع أرتيريا، ويمثل هذا مخرجاً سليماً لأديس أبابا، كما أنه قد يؤثر على مشروع سكك الحديد الذي يربط جيبوتي بأثيوبيا وتموله “الصين” بما يفوق 3مليار دولار.
أما دورية ” أفريكان إنتليجنس” الاستخباراتية الفرنسية فقد اعتبرت أن الإمارات تعاقب جيبوتي عبر تطوير علاقاتها مع إثيوبيا.
أما في موريتانيا فرأي مراقبون في الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطات الموريتانية ضد تيار الإسلام السياسي في موريتانيا استجابة لإملاءات إماراتية ضمن حربها العبثية ضد حركات الإسلام السياسي في المنطقة، وضمن مساعي أبوظبي لبسط نفوذها في أفريقيا. واتخذت الحكومة الموريتانية، إجراءات لفتح مركز لتأهيل وتكوين العلماء تابع لوزارة الشؤون الإسلامية وسط حديث رسمي عن دعم تأسيس المركز الجديد من جانب السعودية والإمارات.
ومن شرق أفريقيا إلى شماله حيث اتهمت “مجموعة العمل الدولية من أجل ليبيا” الإمارات بتقويض جهود المصالحة في ليبيا وإفشال مهمة بعثة الأمم المتحدة فيها عبر تقديم رشاوي لموظفيها بهدف دعم طرف سياسي دون آخر وإثارة الفوضى في البلاد.
وتستمر الإمارات في دعم الجنرال خليفة حفتر، وتقوم بتسليحه، وقيادة عمليات هجومية ضمن قواته عبر قاعدتين عسكريتين إماراتيتين في الخروبة والخادم.
وتسير العلاقات الإماراتية التونسية نحو التوتر، ما دفع سفير الدولة في تونس للخروج على الصحفيين والتحذير من ضرب العلاقات. وفي يونيو/حزيران2018 خرجت تظاهرات في تونس تطالب بطرد سفير الإمارات من البلاد، ورفعت شعارات منددة بالتدخل الإماراتي في بلادهم.
وتُتهم الإمارات بمحاولة تنفيذ انقلاب ضد السلطة التونسية المنتخبة. ونشر موقع (موند أفريك) الفرنسي تقريرا قال فيه إن اجتماعا سرّيا جمع بين وزير الداخلية التونسي المُقال لطفي براهم ورئيس المخابرات الإماراتي في جزيرة جربة جنوب شرق تونس في نهاية شهر أيار/مايو 2018 لبحث انقلاب أمنيّ يستولي على السلطة في تونس ويزيح حكومتها الديمقراطية المنتخبة.
أشار التقرير إلى أن السيناريو الذي وضعته الإمارات كان شبيها بعزل الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبه، وأن الهدف منه كان إبعاد حركة النهضة عن الحياة السياسية، لافتا إلى أن جهات فرنسية وجزائرية وألمانية كشفت المخطط وأبلغت به السلطات.