موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

وثائق سرية تفضح تحريض إماراتي عابر للقارات استهدف ألف أوروبي

550

فضحت وثائق مسربة بعنوان أسرار أبوظبي (Abu Dhabi Secrets) نهج تحريض إماراتي عابر للقارات استهدف تشويه نحو ألف شخصية أوروبية بزعم ربطها ب”الإسلام المتطرف”.

وبدأ موقع (درج) الالكتروني نشر سلسلة تحقيقات عن نشاط شركة الاستخبارات السويسريّة ALP، استناداً إلى وثائق سرية حصلنا عليها عبر اختراق لـ Alp Services.

وقد وصلت الوثائق المسربة إلى موقع Mediapart الذي شاركها مع أعضاء الـ European Investigative Collaborations وشركاء آخرين، من بينهم موقع “درج”.

وكان برز عام 2018 قصة انسحاب الفرنسية من أصل سوري، منال ابتسام، من برنامج “ذا فويس” في نسخته الفرنسيّة، إثر حملة تعرضت لها على وسائل التواصل الاجتماعيّ تستهدف حجابها.

لكن لم يكن معروف حينها من يقف وراء هذه الحملة، ليتم الكشف اليوم، أن اسم منال أُدرج حينها على لائحة “أهداف” أعدتها شركة Alp السويسرية لمصلحة الإمارات “أهداف” ينبغي القضاء على أنشطتها في أوروبا، بسبب مزاعم عن ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين.

أرسلت وكالة الخدمات السويسرية  ALP Services أسماء أكثر من 1000 أوروبي، من بينهم  أكثر من  200 فرنسي، إلى استخبارات أبو ظبي، مع تصنيفهم، في كثير من الأحيان على نحو مضلل، بأنهم إسلاميون مقربون من تنظيم  الإخوان المسلمين.

بين ضحايا هذه الإجراءات العبثية، أسماء مثل بينوا هامون، سامية غالي، والـCNRS وهي الهيئة العامة التي تشرف على البحث العلمي في فرنسا.

“شبكة مافوية عابرة للقارات”، هذا العنوان المروّع لخريطة تم إرسالها إلى أجهزة الاستخبارات في دولة الإمارات، يستعرض المستند مئات الأفراد المنتشرين في جميع أنحاء أوروبا، مرتبطين ببعضهم البعض بأسهم، ومن المفترض أنهم يشكلون شبكة من الإسلاميين المتطرفين.

هذه الخريطة المرعبة من عمل شركة الاستخبارات الخاصة السويسرية Alp Services. وكانت  Mediapart وثم New Yorker قد كشفتا سابقاً عن بعض الحيل التي قامت بها هذه الوكالة نيابةً عن أبو ظبي، ولكننا اليوم أمام صدمة أكبر.

توضح الوثائق أنه بين عامي 2017 و2020، قدمت Alp Services أسماء ومعلومات عن أكثر من 1000 شخص وأكثر من 400 منظمة، يفترض أنها على ارتباط بجماعة الإخوان المسلمين، في ثمانية عشر بلداً أوروبياً، حوت الأسماء أكثر من 200 فرد و120 منظمة في فرنسا.

هذا التصنيف وُضع خارج أي إطار قانوني، وعدد كبير من الأسماء التي تضمّنها لا علاقة لها بالإسلام المتطرف.

من بين هؤلاء مثلاً، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية بينوا هامون (Benoît Hamon) ، ومساعد رئيس بلدية مرسيليا وعضوة مجلس الشيوخ السابقة سامية غالي (Samia Ghal) ، والكاتبة والمخرجة روخايا ديالو (Rokhaya Diallo)، وصحافي من Mediapart.

بالإضافة إلى Bondy Blog وحزب La France insoumise الذي يرأسه جان لوك ميلونشون (Jean-Luc Mélenchon)، وحتى الـ CNRS، وهي الهيئة العامة التي تشرف على البحث العلمي في فرنسا.

بعض الأسماء تم وضعها إلى جانب إرهابيين محكوم عليهم بتهمة الارتباط بتنظيم “القاعدة”. وفي بعض الأحيان،  تم ذكر أرقام هواتفهم وتفاصيل شخصية.

كل من ذُكر اسمه اعتُبر مقرباً أو داعماً لجماعة الإخوان المسلمين، المصنفة كتنظيم إرهابي من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة الخليجية ذات النظام الاستبدادي الذي يضطهد أي معارض.

تراوحت ردود فعل ضحايا هذا التصنيف بين الذهول والغضب والخوف.  علق بينوا هامون قائلاً “إنه أمر مريع”، بينما قالت سامية غالي غاضبةً :”لن أمرر هذه القضية، يجب أن تقوم العدالة والسلطات الفرنسية بالتحقيق، ويجب أن تشرح الأمر لنا”، بينما قال أحد الباحثين في الـ CNRS  فضل عدم ذكر اسمه: “سأفكر ملياً قبل السفر إلى الإمارات”.

الرجل الذي قاد هذه العملية يدعى ماريو بريرو (Mario Brero)، يبلغ من العمر 71 عاماً، وهو خبير في التحقيقات الخاصة، ورئيس وكالة Alp Services التي أسسها في جنيف منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

رفض بريرو الرد على أسئلتنا بشأن الموضوع، ورأى محامياه، كريستيان لوشر (Christian Lüscher ) ويوان لامبيرت (Yoann Lambert)، أن وثائقنا “مزورة جزئياً”، وأن “معظم الحقائق التي تشكل أساس أسئلتنا تستند إلى افتراضات خاطئة و/أو وهمية”.

كما عبروا عن أسفهم لاستخدامنا “بيانات مسروقة”، وهددوا بمقاضاتنا في سويسرا للمطالبة بتعويض مالي عن “الضرر” الذي قد يلحق بهم.

كيف بدأت القصة؟

بدأ كل شيء في 7 آب/ أغسطس 2017 في فندق فخم في أبو ظبي، حيث حلّ ماريو بريرو وأحد مساعديه في ضيافة عميل مخابرات إماراتي اسمه “مطر”.

أرسل بريرو، رئيس ALP حين وصل رسالة نصيّة إلى مطر، جاء فيها :”عزيزي مطر، نحن في أبو ظبي، في أجنحة Fairmont الرائعة. شكراً لك على حسن الضيافة. نحن تحت تصرفك تماماً”.

بالنسبة الى الرجل، يفضل البقاء بعيداً من الأضواء، فإن مبريرو بدا غير حذر على الإطلاق، إذ التقط صوراً يظهر فيها وهو يتناول مشروباً على حافة المسبح، كما التقط صورة لوكيله، رجل في الأربعينات من العمر، بلحية محددة بدقة، ويرتدي الدشداشة الخليجية.

أثناء عشاء في مطعم الفندق تلك الليلة، قدّم بريرو لمطر الخطة التي وضعتها وكالته قبل أسبوعين، عملية واسعة النطاق تهدف إلى “رسم خريطة” ثم “تشويه سمعة” أعداء الإمارات، “عن طريق نشر معلومات مُسيئة بطريقة سرية وواسعة النطاق”.

تخلل العام 2017 الكثير من الرحلات إلى أبو ظبي، عرّف خلالها مطر المحققين السويسريين إلى رئيسه، علي سعيد النيادي، صاحب القرار الحقيقيّ، مهمة الرجل المعلنة، قيادة فريق محليّ مسؤول عن إدارة الأزمات والكوارث الطبيعيّة.

لكن في الواقع، مجموعته مرتبطة مباشرة بالمجلس الأعلى للأمن الوطني، الجناح المسلح للعمليات الخاصة الإماراتيّة.

عمل بريرو على إقناع رجال المخابرات الإماراتيين، قائلاً إن Alp Services تعمل لصالح “شخصيات ثرية وحكومات وزعماء دول وشركات متعددة الجنسيات ومكاتب محاماة”، واعداً بالاستعانة بشبكة من الصحافيين والاستشاريين والمحققين.

حجج بريرو كانت فعّالة: تم توقيع أول عقد في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، ووفقاً للوثائق التي اطلعنا عليها، حصلت Alp Services على ما لا يقل عن 5.7 مليون يورو بين 2017 و2020، تم دفعها عبر مركز أبحاث إماراتي يُدعى “الأرياف”، الذي يستخدم كغطاء لأجهزة المخابرات الإماراتية.

سُميت العمليات “أرنيكا” أو “كروكوس”، نسبة إلى زهور جبال سويسرا الشهيرة. أما الأهداف فهي قطر وجماعة الإخوان المسلمين، هاجسا أبو ظبي الأساسيان، اللذان أجاد بريرو استغلال مشاعر عميله تجاههما، من خلال عروض مهام ملونة بالنظريات المبسطة للقضاء على شبكات الإخوان، التي يقترح “كشفها” و”تدميرها”، عبر التأثير على الرأي العام وعلى صناع القرار من السياسيين.

تأسست منظمة الإخوان المسلمين عام 1928 في مصر على يد حسن البنا، رداً على الاستعمار البريطاني، ودعت إلى إسلام سياسي وخطاب معادٍ للغرب، وعودة الى القيم والأخلاقيات تقليدية، تتعلق بدور المرأة وفرض ارتداء الحجاب، لكن الإمارات لا تكره الإخوان المسلمين لأسباب أيديولوجيّة.

أدى تولي رؤساء منتخبين من الجماعة في تونس ومصر بعد الثورات العربية عام 2011، إلى خوف بعض الأمراء في الخليج من أن يطاح بهم. وزاد الدعم الذي قدمته قطر للإخوان من التوتر، وتصاعد الصراع فبلغ ذروته بين عامي 2017 و2021، عندما فرض تحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات حصاراً على قطر.

هذا السياق الجيوسياسي، على الرغم من أنه يبدو بعيداً، فقد استُهدف بسببه مئات الأوروبيين الذين أصبحوا ضحايا لثأر أبو ظبي. لهذه الغاية، أنجزت ALP عشرات التقارير التي كرستها لأشخاص وشبكة علاقات في كل بلد. العرض المقدم يتماهى مع رغبات العميل: بقع دماء، وخريطة ملونة لأوروبا تحمل شعار الإخوان المسلمين وإشارات إلى “المافيا”.

بعد الاطلاع على اللائحة الكاملة، صار بإمكان أبو ظبي أن تطلب خدمات إضافية لمهاجمة الأهداف التي تختارها، مقابل 20,000 إلى 50,000 يورو لكل فرد، عبر استخدام وسائل عدوانيّة، مثل الحملات الصحافيّة، والمقالات التي يتم نشرها عبر حسابات مزيفة، وتعديل صفحات ويكيبيديا، وحتى عمليات تهدف إلى إقناع المصارف بإغلاق حسابات.

هذا ما حدث لحازم ندى، وهو رجل أعمال مقيم في سويسرا ورئيس شركة تجارة النفط، الذي أفلس بسبب عملية خاصة من شركة ALP.

فرنسا واحدة من الدول التي كانت الوكالة السويسرية الأكثر نشاطاً فيها، تحتوي خريطة بعنوان “الإخوان المسلمون في فرنسا ديسمبر 2020” وحدها على 191 اسماً و125 منظمة. ومع ذلك، يكفي تكبير الرسم البياني قليلاً لاكتشاف ركاكة المعلومات التي تحتويها الخريطة.

في الواقع، هي تجميع عشوائي لأسماء ومنظمات من دون أي علاقة منطقية واضحة، تم ربطها ببعضها البعض بطريقة مصطنعة وبشخصيات عامة.

مثلاً، ربطت شخصيات دينية وناشطون في جمعيات دينية بناشطين معادين للعنصرية مثل روكايا ديالو (Rokhaya Diallo)، أو بثلاثة مسؤولين في جمعية Coexister التي تهتم بالشباب والتسامح وحوار الأديان، والتي حصلت في عام 2016 على الجائزة العلمانية للجمهورية الفرنسية.

توجد أيضاً نائبة عمدة مرسيليا والعضوة السابقة في الحزب الاشتراكي سامية غالي، بالإضافة إلى طه بوعفص (Taha Bouhafs)، وهو صحافي وناشط في حركة “La France Insoumise “.

يوجد أيضاً اسم حكيم القراوي (Hakim El Karoui)، المعروف باسم Monsieur Islam من معهد مونتاني، الى جانب منال إبتسام (Mennel Ibtissem)، المرشحة السابقة في برنامج “The Voice”.

ومن بين الأسماء، اثنان من الباحثين في المدرسة العليا للدراسات الاجتماعية (EHESS) المرموقة، وثلاثة من المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS)، وأعضاء المركز الوطني للبحوث العلمية، في مجملهم مدرجون أيضاً في هذه الخريطة.

في ما يتعلق بوسائل الإعلام، يشمل الأعضاء المزعومون في التنظيم الغامض صحافية من Mediapart ومدوّنة Bondy ومنصة Orient XXI مع مؤسسها آلان غريش (Alain Gresh)، الذي كان رئيس تحرير مجلة “Le Monde Diplomatique”.

يعلق غريش قائلاً: “الإمارات هي واحدة من أسوأ الدكتاتوريات، وليس من المستغرب أن يكونوا زبائن لمن يملكون رؤية مؤامراتية عن الإسلام، وأن يكون أصحاب هذه الرؤيا المؤامراتية قد نجحوا باختراق كل شيء، بما في ذلك الأعلام”.

إنه الـ Je Suis Partout (أنا في كل مكان) الخاص في عصرنا الحديث، يقول غريش مستعيداً تجربة الجريدة الفرنسية التي ارتبطت بالأنظمة الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية (الجريدة صدرت بين 1939 و1944).

من بين السياسيين، يظهر اسم  المرشح السابق للحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية بنوا هامون، كما حزب La France Insoumise بزعامة جان لوك ميلونشون، الذي يقدّم على أنه من الـ”داعمين سياسياً” لجماعة الإخوان المسلمين من خلال عرض تقديمي يصف الشبكة الأوروبية المزعومة بأنها “نوع من العصابات الإجرامية”.

في بلجيكا، تم تضمين اسم وزيرة المناخ زكية خطابي (Zakia Khattabi) في خريطة الإسلاميين المحليين. حزبها Écolo اعتبر العملية “مشينة”، مضيفاً أن “المعلومات غير منطقية وسخيفة، الى درجة أنها لا تستحق أي تعليق أو اهتمام”.

في المملكة المتحدة، تم إدراج  الزعيم السابق لحزب العمال جيريمي كوربن (Jeremy Corbyn)   في التقرير بصفته من الداعمين للإخوان المسلمين، بينما وضعت Alp Services شخصيات سويدية ودنماركية على الخريطة ذاتها.