موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

دراسة بحثية: علاقة معقدة وتنافسية متزايدة بين الإمارات والسعودية

318

أبرزت دراسة بحثية نشرها معهد الشرق الأوسط الأمريكي، واقع الخلافات المتزايدة بين الإمارات والسعودية في ظل حالة علاقة معقدة وتنافسية متزايدة تجمعهما.

وتناولت الدراسة تطور العلاقات السعودية الإماراتية، وما حملته لها الأيام من تغيرات جعلتها تتأرجح بين الصداقة والتوافق تارة، والمنافسة والاختلاف تارة أخرى.

وأشارت إلى أنه في أعقاب ثورات الربيع العربي كوَّنت الرياض وأبوظبي تحالفًا استراتيجيًّا يقوم على المصلحة المشتركة في ضمان الاستقرار المحلي، والاحتفاظ بكرسي الحكم، وتطويق التوسع الإيراني، وتعويض تراجع الولايات المتحدة عن دورها المُتصوَّر باعتبارها ضامنًا للأمن في المنطقة.

وأنشأ البلدان مجلس التنسيق السعودي الإماراتي عام 2016، الذي عبَّد الطريق لصياغة “إستراتيجية العزم”، وهي رؤية مشتركة لتعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري.

 

بيد أن عددًا من الخلافات السياسية بين السعودية والإمارات قد طفى على السطح مؤخرًا، الأمر الذي أثار تساؤلات حول الشكل المستقبلي للعلاقة بين البلدين واتجاهها.

وكان البيان المشترك الذي صدر في ختام زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى أبوظبي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي قد أكد على الصداقة العميقة والدائمة بين البلدين.

ولكن استحضار الرؤى المشتركة يخفي وراءه علاقة معقدة وتنافسية متزايدة؛ إذ تسعى السعودية والإمارات إلى تنويع اقتصادها، والاستفادة من قدرات الصين المتنامية وانخراطها الواسع في الخليج والشرق الأوسط وشرق أفريقيا.

تعاون وثيق في الثورة المضادة

إن التعديلات في السياسة الخليجية التي أعقبت عام 2011 بقيادة الرياض وأبوظبي قد ركزت على التقليل من تأثير احتجاجات الربيع العربي على دول الخليج وحلفائها في المنطقة (مثل مصر، والأردن، والمغرب)، وإحباط مساعي إيران لاستغلال الاضطرابات التي تشهدها المنطقة من أجل بسط هيمنتها على الإقليم.

وهكذا برزت السعودية والإمارات في طليعة المحاولات التي هدفت إلى “السيطرة على اتجاهات التغيير التي تجري في العالم العربي وتشكيلها”. وتميزت السياسات التالية التي سعَت لتحقيق هذه الأهداف بالتدخل الاستباقي واستعراض القوة.

اعتمادًا على العلاقة الشخصية القوية بين الحاكمَيْن الفعليَيْن، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، نسَّقت السعودية والإمارات استخدامهما للقوة المالية والعسكرية في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي.

وقدَّمت الدولتان مساعداتٍ اقتصادية للأردن ومساعداتٍ اقتصادية وعسكرية للبحرين لضمان ولائهما. وتضمنت المبادرات الأخرى أيضًا دعم انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر، وفرض حصار على قطر عام 2017، والضغط ضد الاتفاق النووي الإيراني، وشن حملة عسكرية في اليمن، وتبني موقف عدائي تجاه تركيا، والتعاون للتوسط في اتفاق سلام بين إثيوبيا وإريتيريا، وتقديم مساعدات واستثمارات إلى السودان.

لكن ظهرت تصدعات في محور الرياض – أبوظبي خلال العامين الماضيين، وهذا ليس مستغربًا. فمن الطبيعي أن يختلف النهج والأولويات لدى حتى أقرب الحلفاء.

ومع ذلك من المهم أن نؤكد على أن ما شهدته الفترة الأخيرة من “الصداقة المتسقة والمتينة” بين البلدين هي فترة شاذة. إذ لطالما نظرت الإمارات إلى السعودية على أنها من أكبر التهديدات الأمنية لها.

ودائمًا ما شهدت العلاقات بين البلدين، التي تبدو ودية في الظاهر، توترات مستترة. ولا تزال معاهدة جدة، التي كان من المقرر أن تحل الخلاف الحدودي بين البلدين، محل جدال.

وفي منتصف العقد الأول من القرن العشرين، تدخلت السعودية لإحباط مشروع الجسر البحري الذي يربط بين الإمارات وقطر ومشروع خطوط الأنابيب.

وبعد أقل من شهر على موافقة مجلس التعاون الخليجي على خطط لإنشاء اتحاد نقدي مع بنك مركزي مشترك يكون مقره الرياض (وليس دبي) عام 2009، أعلنت الإمارات انسحابها فجأة، وردت السعودية بإغلاق مؤقت للحدود.

وحتى عندما اتَّبعت الدولتان سياساتٍ إقليمية متوافقة، اختلفت تصورات كل من الرياض وأبوظبي للتهديدات المحيطة، كما اختلف كذلك فهم كل منهما للصراعات الإقليمية.

فالرياض مؤيدة بشدة للسنة بينما أبوظبي موالية للعلمانية، وهذا الاختلاف في التوجهات تُرجم إلى مقاربات متباينة للتعامل مع الأزمات الإقليمية عقب ثورات الربيع العربي عام 2011.

ومن وجهة نظر قادة الإمارات، كانت جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات التابعة لها التي تتبنى الإسلام السياسي هي أكبر تهديد لبقاء الممالك الخليجية، وهو ما لم يكن يراه نظراؤهم في السعودية، بل اعتبروا إيران هي التهديد الأكبر.

ونتيجةً لذلك كانت الإمارات أكثر عدوانية في توجهها لسحق الإخوان المسلمين، وأكثر حذرًا من تطويق إيران، والحد من توسعها في المنطقة.

وفي ليبيا أدَّى القلق من صعود الإسلام السياسي إلى أداء أبوظبي دورًا عملياتيًّا أكثر نشاطًا من الرياض، دعمًا للقائد العسكري الليبي خليفة حفتر.

وكانت الاختلافات السياسية ملحوظة في حالات أخرى أيضًا، فيما يتعلق في اليمن مثلًا، ومع أن البلدين دخلتا الصراع باتفاق كامل، ولكن سرعان ما ظهرت الاختلافات حول مسار الحرب، التي دعم خلالها الحليفان جماعات محلية مختلفة.

وفي يوليو (تموز) عام 2019 قللت الإمارات من حجم قواتها في اليمن، وهو الأمر الذي تلقاه الملك سلمان “بغضب شديد”. ومنذ ذلك الحين ركَّز البلدان على تعزيز مواقفهما في المناطق الإستراتيجية في اليمن بحسب ما يقول الكاتب.

وعلى مدى العامين الماضيين خفَت بريق “الحقبة الجديدة من العمل المشترك الحاسم”؛ إذ غيرت كل من الرياض وأبوظبي مسارهما عندما تصادمت سياساتهما التدخلية الحازمة مع الحقائق الصعبة المتمثلة في المأزق المكلِّف في اليمن، ونجاح موسكو في إبقاء الأسد في السلطة، وتنامي خطر المواجهة العسكرية مع إيران.

وتطور على إثر ذلك نمط سلوكي جديد يهدف إلى خفض الصراع الإقليمي واللجوء للحوار، ومن هنا دخلت العلاقات السعودية الإماراتية مرحلةً جديدة.

خطوات غير متزامنة

أظهرت أبوظبي والرياض واقعية متماثلة عندما شرعتا في تعديل علاقاتهما الإقليمية، إلا أن تحركاتهما الأخيرة لم تبدو متَّسقة بل ظهرت وكأنها غير متزامنة في بعض الحالات.

ففي سبتمبر (أيلول) عام 2020، وفي خضم توقيع اتفاقيات إبراهيم، تقدمت الإمارات على السعودية في سباق التطبيع مع إسرائيل. ولم تحذُ الرياض حذوها بعد. وهذا النمط كان معكوسًا في يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما فتحت السعودية مجالها الجوي وحدودها البرية والبحرية مع قطر أولًا.

ومع أن الإمارات وقعت على بيان العلا، الذي أنهى الانقسام بين دول مجلس التعاون الخليجي رسميًّا، إلا أنه لا يزال هناك خلافات أيديولوجية شديدة بين الإمارات وقطر. وعلى صعيد آخر، بدأت السعودية جولات من الحوار مع إيران في بغداد في أبريل (نيسان) الماضي، وأجرت جولات نقاش ثنائية عديدة منذ ذلك الحين.

فيما اتخذت أبوظبي خطواتها الخاصة نحو خفض التصعيد مع إيران، وتقدمت بمبادرات دبلوماسية خاصة بها فيما يخص تركيا وسوريا.

ومن هنا فإن الدبلوماسية الإقليمية لكل من السعودية والإمارات وإن كانت تتجه في الاتجاه العام نفسه، إلا أنها تشهد ضعفًا في التنسيق السياسي المحكم الذي كان قائمًا قبل سنوات قليلة.

ويُظهر هذا الاختلاف أيضًا رغبة الإمارات في الحفاظ على درجة من الاستقلالية عن الرياض فيما يخص العلاقات الإقليمية المتشابكة. وهو أمر غير مفاجئ إذ لم تكن الإمارات يومًا مجرد تابع للسعودية.

وهكذا في حين تقلَّصت المغامرة العسكرية للإمارات، وأُعطيت الأولوية للدبلوماسية، بقيت سمات سياستها الخارجية الحازمة والمعتمدة على ذاتها تامة دون أي مساس بها.

ونتيجةً لذلك، تبلور “وضع طبيعي جديد” في العلاقة السعودية الإماراتية، وهي علاقة برزت فيها خلافات البلدين الجيوسياسية وتطلعاتهما للقيادة الإقليمية والنفوذ. ويبدو أن الإمارات مصممة على سكِّ علامتها الخاصة في هذه العلاقة الجديدة.

المنافسة الاقتصادية

إن النمط الحالي للعلاقات السعودية الإماراتية، الذي يتميز بمقاربات دبلوماسية منفصلة وإن لم تكن بالضرورة متضاربة، يتألف أيضًا من منافسة اقتصادية متزايدة.

فقد أبرزت جائحة كوفيد-19، إلى جانب انخفاض أسعار النفط العالمية، مخاطر الاعتماد المفرط على النفط لتحقيق النمو، وكثَّفت الضغط على الحكومات الخليجية لتسريع النمو الاقتصادي. وأصبحت السعودية والإمارات ودول الخليج الأخرى تسعى جاهدة لوضع الأساس لمستقبل ما بعد النفط.

وتعكس المنافسة الاقتصادية بين السعودية والإمارات الضغط المتزايد الذي تواجهه الدولتان، والإستراتيجيات المتداخلة للتنويع بعيدًا عن النفط.

وكشفت المواجهة بين السعودية والإمارات حول سرعة زيادة مستويات إنتاج النفط أثناء التعافي من جائحة كورونا تنافسًا اقتصاديًّا متزايدًا.

واستعدادًا لمستقبل ما بعد النفط، تسعى السعودية والإمارات إلى تطوير القطاعات نفسها مثل السياحة والخدمات المالية والبتروكيماويات والتكنولوجيا.

وكانت الإمارات قد اتخذت الخطوة الأولى وحظيت بميزة الفاعل الأول؛ إذ حولت نفسها إلى مركزٍ للأعمال والتجارة والسياحة.

ولكن في الآونة الأخيرة رَفعَت السعودية سقف التحدي؛ إذ تحركت لتوسيع قطاع السياحة الخاص بها، وقدمت سوقًا أكبر، وخففت القيود التي كانت تميز نمط الحياة فيها لجذب المستثمرين والشركات الدولية والمواهب الأجنبية.

وطبق طيران الإمارات تدابير مضادة مثل سن قواعد جديدة لإصدار التأشيرة وتحويل أيام العمل لتصبح من الاثنين إلى الجمعة.

ومن الجهود الأخرى التي بذلتها الرياض لتحويل المملكة لتصبح الوجهة الرائدة في شبه الجزيرة العربية للأعمال والاستثمار كان الإعلان في فبراير العام الماضي بأن الشركات ستخاطر بخسارة العقود الحكومية المربحة إذا لم تنقل مقارَّها الإقليمية إلى السعودية بحلول عام 2024، وهي الخطوة التي فُسرت بأنها استهدافًا واضحًا لدبي.

تراجع التنسيق الإقليمي

يتَّسم “الوضع الطبيعي الجديد” في العلاقات السعودية الإماراتية بتراجع التنسيق في السياسات الإقليمية وزيادة المنافسة الاقتصادية؛ إذ يتنافس البلدان على النفوذ وعلى التنويع الاقتصادي والاستفادة من الصين بصفتها قوة عالمية.

وينظر كلا البلدين إلى القطاع البحري على أنه عامل رئيس في التنوع الاقتصادي. ولكونهما نقطة الالتقاء بين الشرق والغرب، تسعى السعودية والإمارات لأن تصبحا مركزين تجاريين عالميين مزدهرين، وهي أهداف تتماشى مع طموح الصين لإنشاء طريق الحرير البحري.

وأدَّى هذا التوافق بين الصين وشركائها الخليجيين إلى مشاركة فعلية في مجال الشحن والخدمات اللوجستية.

وفي الوقت الحالي، يبلغ حجم حركة الحاويات التي تتعامل معها الموانئ الإماراتية ضعف مثيلتها في السعودية، وهي هيمنة لن تتراجع عنها الإمارات.

ولكن مع مضي السعودية قدمًا في تنفيذ أجندتها البحرية، ربما تتضاءل ميزة الإمارات من حيث قدراتها وحصص السوق والاستثمارات الدولية والعلاقات التجارية، ومن المرجح أن تؤدي المشاركة الصينية دورًا رئيسًا في كيفية تطور هذا السباق.

وربما ما يحجِّم إغراء الصين في استغلال هذا التنافس هو رغبتها في تجنب الوقوع في الديناميكية الصفرية. ولكن الأمر يحتاج إلى أكثر من مجرد إدارة ماهرة لتحقيق معادلة الربح للأطراف الثلاثة كلها.

كما أن الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون على أبوظبي ومقاتلي “داعش” في العراق وسوريا، فضلًا عن حالة الجمود في المفاوضات لإحياء خطة العمل المشتركة، تمثل تحذيرًا صارخًا مفاده أن المقاربات الدبلوماسية للعلاقات في المنطقة، التي اتَّبعتها الرياض وأبوظبي منفصلتين، قد لا تنجح في تعزيز الاستقرار اللازم للازدهار المشترك في حقبة ما بعد النفط أكثر من النجاح الذي حققه التدخل الذي قررته الدولتان سويًّا في السابق.