سجّل الريال اليمني انهياراً قياسياً – هو الأكبر منذ عامين – وذلك في أعقاب الخطوات الانقلابية التي قام بها “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم إماراتياً، وسيطرته على إيرادات الدولة وسرقة مليارات البنك المركزي في عدن.
وأعلن المجلس الانتقالي، أواخر إبريل/نيسان الماضي، ما يسمى بـ”الإدارة الذاتية” للجنوب، وبموجبها قام بالاستيلاء على أكثر من 17 مليار ريال يمني من خزانة البنك المركزي.
واعتبرت حكومة عبد ربه هادي المعترف بها من دوليا، خطوة “الإدارة الذاتية” انقلاب، ودعت المملكة للضغط على الإمارات من أجل إجبار ميليشياتها بالعدول عن ذلك.
وبحسب مصرفيين، انخفضت أسعار صرف الريال إلى 650 ريالا أمام الدولار أواخر فيما وصل إلى 185 ريالاً أمام الريال السعودي الواحد.
وحافظت أسعار الصرف في تعز على استقرارها منذ أيام، عند 680 ريالاً أمام الدولار الواحد، فيما تشهد العاصمة صنعاء الخاضعة للحوثيين استقراراً شبه تام منذ أشهر، وذلك بواقع 600 ريال أمام الدولار.
ويقول صيارفة إن الإجراءات الانقلابية في عدن تسببت في اضطراب سعر الريال، حتى في المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية، والتي ظلت موحدة في تعاملاتها منذ بدء النزاع قبل 6 سنوات، خلافا للمناطق الخاضعة للحوثيين والتي تشهد أسعاراً مختلفة.
وكانت تحذيرات أطلقها البنك الدولي، أواخر إبريل الماضي، من مخاطر كبيرة سيتعرّض لها الاقتصاد اليمني، وسيكون الريال عرضة لمزيد من التدهور، في حال عدم وجود مصادر مستقرة للعملات الأجنبية.
وأقدمت مليشيات “المجلس الانتقالي” المدعوم من دولة الإمارات، قبل أيام، على سرقة 10 مليار ونصف ريال يمني من البنك المركزي اليمني، تحت تهديد السلاح.
وأوضحت الدائرة المالية في البنك المركزي، في بيان، أن القيادي في “الانتقالي” المدعو قاسم الثوباني قدم إلى البنك يوم الأربعاء الماضي بعدد من الأطقم العسكرية حاملاً توجيهات خطية من “قيادة المجلس” تتضمن أمراً بصرف عشرة مليار ونصف المليار ريال على أنها رواتب لإدارة أمن عدن وألوية المقاومة الجنوبية.
وأشارت الدائرة المالية إلى أنها أوضحت للمدعو الثوباني أنه لا يمكن ـ وفق القانون المحاسبي والمستندي للبنك المركزي ـ صرف مبلغ كهذا لشخص لا يحمل أي صفة قانونية، إلى جانب أن رواتب إدارة أمن عدن لا تتجاوز النصف مليار ريال وتُصرف بانتظام فيما لا وجود لبند اعتماد لألوية المقاومة الجنوبية في الضالع التابعة لشلال شائع.
ورفض الثوباني، رد الدائرة المالية في البنك، وهدد باستخدام القوة المسلحة ضد البنك المركزي وإدارته، الأمر الذي اضطرها للقيام بصرف عشرة مليار ونصف تحت تهديد السلاح.
وقالت الدائرة المالية في البنك إن عملية الصرف البالغة عشرة مليار ونصف حدثت بصورة غير قانونية، معتبرة بيانها بمثابة إخلاء مسؤولية.
وأكدت إدارة البنك المركزي اليمني أن ما جرى يُهدد بإيقاف نشاط البنك المركزي بشكل كامل، سيما أن عملية الصرف دفعت من احتياطات النقد العام وليس من الإيرادات الخاصة في البنك.
وأشارت إلى أن وقف تحصيل الإيرادات إلى البنك المركزي اليمني قد يقوض نشاط البنك ويهدد بانهيار العملة المحلية.
وكان “المجلس الانتقالي” وجه مسؤولي الهيئات والمرافق الايرادية بإيداع الإيرادات في حسابات البنك الأهلي اليمني تحت إشراف المجلس بعيدًا عن الحكومة الشرعية والبنك المركزي اليمني.
موكب من الاطقم لحظة نقل 10 مليار من البنك المركزي كريتر الى جولدمور التواهي من قبل الانتقالي
والبنك المركزي يحذر من انهيار مفاجئ للعملة الوطنية بعد نهب ميليشيا الانتقالي ١٠مليار ريال من خزينته بتهديد السلاح وبدعم أماراتي #الجيش_الوطني_يسحق_الانتقالي pic.twitter.com/zaxQ8SpN4g
— الصحفي/ أنيس منصور (@anesyeme) May 15, 2020
واليمن مقسم بين مناطق تابعة للحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في الجنوب ومناطق تحت سيطرة جماعة الحوثي في الشمال منذ أن أطاح الحوثيون بالحكومة من صنعاء في أواخر عام 2014.
وأثار تصريح وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، مؤخرا، حول خفض المصروفات والاستدانة لتغطية العجز السعودي الناتج عن أزمة “كورونا”، قلق الحكومة اليمنية التي تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة، إذ ينبئ التصريح بتأجيل تجديد الوديعة السعودية في البنك المركزي اليمني، والتي تشكل مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة لتغطية اعتمادات الاستيراد، مما قد يؤدي إلى انحدار جديد في سعر الريال اليمني، حسب مراقبين.
وتعاني الحكومة التي يرأسها عبد ربه هادي من عجز كبير في مواردها المالية بسبب تأثر إيراداتها النفطية وغير النفطية نتيجة أزمة “كورونا”، وتعطيل دولة الإمارات للموانئ، بالإضافة إلى الانخفاض الحاد في تحويلات المغتربين إلى اليمن لتأثر أعمال أغلبيتهم في دول الاغتراب، مما سيجعل اليمن يواجه “كورونا” بدون عملة صعبة.
وقالت مصادر حكومية: إن التحركات التي قامت بها الحكومة اليمنية لتجديد الوديعة السعودية، أو رفع يد الإمارات عن ميناء بلحاف الاستراتيجي في شبوة (جنوب شرق) وميناء الضبة النفطي في حضرموت (شرق) لإعادة التصدير وتوفير موارد مالية لتلافي تبعات فيروس “كورونا” الاقتصادية، باءت حتى الآن بالفشل، بسبب موقف السعودية المالي الصعب وتعنت أبوظبي.
وذكر مصدر مسؤول في البنك المركزي اليمني أن البنك يعاني عجزا كبيرا في العملة الصعبة من الدولار، الأمر الذي يجعله غير قادر على مواجهة المتطلبات المتعلقة بتوفير العملة الصعبة للتجار للاستيراد، خصوصاً والأسواق اليمنية تعاني من أزمة سلعية وانخفاض كبير في معروض عدد من السلع الغذائية المدعومة من الوديعة السعودية.