في محاولة لتوظيف السخط الشعبي من انهيار الريال اليمني بهدف تنفيذ انقلاب جديد ضد الشرعية في محافظات جنوب اليمن، وبشكل خاص العاصمة المؤقتة عدن، دعا ما يُعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” الانفصالي المدعوم من الإمارات، إلى “انتفاضة شعبية” ضد الشرعية اليمنية والحكومة و”السيطرة الشعبية على كل المؤسسات الإيرادية”.
وأعلن المجلس أن هذا التحرك سيكون مدعوماً بعمل عسكري، موجّهاً دعوة صريحة إلى التحالف لدعمه، ما ولّد حالة من الانقسام حيال هذه الدعوة في الشارع الجنوبي، لا سيما في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يمر فيها اليمن، والتي يحاول حلفاء الإمارات استغلالها، في موازاة ارتفاع الغضب ضد حلفاء أبوظبي أيضاً.
وكان لافتاً أن دعوة حلفاء الإمارات أتت قبل ساعات من اجتماع “المجلس الانتقالي” المقرر مع المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، في أبوظبي، فيما رأت مصادر في الشرعية في تصعيد المجلس ومحاولة تفجير الأوضاع في المناطق المحررة عبر استغلال معاناة الناس، “ابتزازاً من الإمارات وحلفائها للحكومة الشرعية”، معتبرة أن هذا الابتزاز هو “على حساب اللُحمة الجنوبية والقضية الجنوبية، وهو رهان خاسر”.
وقال بيان صادر عن المجلس الانتقالي إن “محافظات الجنوب كافة مناطق منكوبة”، نتيجة لما وصفها بـ”السياسات الكارثية التي تنتهجها ما تسمى بالشرعية وحكومتها”، حسب تعبيره.
وأعلن “أننا في حل من أي التزام يربطنا بهما (أي الحكومة والشرعية)”، قائلاً “إننا ندعم انتفاضة شعبية تزيل كل هذا العناء، ونشدد على أبناء شعبنا أن تكون الانتفاضة سلمية وأن يحافظوا على الممتلكات العامة والخاصة ويمنعوا المندسين الذين سيسعون إلى إثارة الفوضى والتخريب”.
كذلك توجّه المجلس الانفصالي المدعوم إماراتياً بالدعوة إلى من سمّاها “قوات المقاومة الجنوبية”، إلى “الاستنفار والجاهزية” استعداداً لمواجهة من وصفهم بـ”مثيري العبث والإفساد”.
كذلك دعا “القطاعات العسكرية والأمنية كافة في كل محافظات الجنوب للوقوف” إلى جانبه. وقال “ندعوكم إلى السيطرة الشعبية على كل المؤسسات الإيرادية التي تقوم عصابات الفساد بنهبها وطرد مسؤوليها الفاسدين بكافة الوسائل السلمية”، وفقاً للبيان.
وأضاف: “لقد ثرنا في يناير الماضي ووُعدنا حينها بتغيير الحكومة، وهو الأمر الذي لم يتم حتى الآن، مما أدى الى استمراء هذه الحكومة في عبثها وإفسادها وفجورها”، داعياً “الأشقاء في دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات إلى اتخاذ مواقف مساندة لانتفاضة شعبنا”.
وبدأ التمهيد منذ أيام من قبل مسؤولي “المجلس الانتقالي” للتصعيد الجديد، خصوصاً بعدما هدد نائب رئيس المجلس، هاني بن بريك، الذي يوصف بأنه أبرز رجالات الإمارات في عدن، باقتحام قصر المعاشيق الرئاسي في المدينة.
وقال في تغريدة عبر حسابه الرسمي على “تويتر”: “لن يطول الصبر، هذا كافٍ، وحينها لن نتوقف عند الأسوار”، في إشارة إلى اضطرار المليشيات المدعومة من المجلس، بما في ذلك “الحزام الأمني” الذي أسسته الإمارات، للتوقف عند أسوار قصر المعاشيق، بعد أن حاولت اقتحامه في إطار المحاولة الانقلابية التي نفذتها في المدينة.
وفي تغريدة ثانية، قال بن بريك إن ما سماها “قوات المقاومة الجنوبية هي الدرع الحصين لحماية أي تحرك للشعب وسنكون عند ثقة شعبنا. والمسألة لا تقبل القسمة على ثلاثة، هي على اثنين فقط. إما تكون مع الشعب ومطالبه وتوجّهه، وإما تكون ضد الشعب، لا ثالث أبداً ولا قبول للذين سيقفون في المنطقة الضبابية، على الكل أن يفهم هذا”، في تهديد صريح يهدف إلى ترهيب كل الأصوات التي ترتفع في عدن منتقدة سياسات المجلس وتبعيته للإمارات.
في المقابل، قالت مصادر في الحكومة اليمنية إن محاولة “الانتقالي” تفجير الأوضاع في المناطق المحررة هو استغلال لمعاناة الناس، وهو ابتزاز من الإمارات وحلفائها للحكومة الشرعية، لكنه ابتزاز على حساب اللُحمة الجنوبية والقضية الجنوبية، ويدفع للانقسام، مضيفة “هذا رهان خاسر لأن الناس لن تنجرّ إلى صراع داخلي بين الجنوبيين أنفسهم، خصوصاً أن من يدير الجنوب هم جنوبيون ينتمون لمحافظات جنوبية عدة، وهذا ما لم يدركه ويعيه الانتقالي”.
مصادر الشرعية، وهي جنوبية في الوقت نفسه، قالت “إذا كان هؤلاء فعلاً يسعون للمساعدة في حل معاناة الشعب في اليمن أو حتى في مناطق جنوب اليمن، عليهم أن يساعدوا في حل هذا الإشكال وإقناع حلفائهم الإماراتيين بفتح الموانئ وتشغيلها، لأن الأزمة الإنسانية هي في إيقاف الموانئ والمطارات، ومنع استخدام الثروات اليمنية، بما فيها تصدير الغاز المسال في منطقة وميناء بلحاف في شبوة، والتي تسيطر عليها القوات الإماراتية، ويتخذها الإماراتيون مقراً لهم”.
من جهته، قال أحد ناشطي “المجلس الانتقالي” إن “طريقة المجلس غير موفقة في التصعيد، نظراً لوجود أطراف بات لها وجود على الأرض وتسعى لإيقاع الانتقالي في الفخ مرة أخرى، فتحرك اليوم يختلف عن التحركات السابقة، التي كان الانتقالي خلالها يحظى بدعم الشعب، وحينها لم يتم اختباره، لكن تحركه اليوم يأتي بعد فشل مرات عدة”.
فيما رأى آخرون أن هناك تناقضاً في بيان حلفاء الإمارات، ففي الوقت الذي دعوا فيه إلى ما سموه هبّة شعبية لطرد الحكومة بطرق سلمية، فهم في الوقت نفسه دعوا قواتهم إلى المشاركة بحجة الحماية، في تكرار لتجربة الحوثيين، وفي الوقت نفسه طالبوا الوحدات العسكرية الموجودة في مختلف مناطق الجنوب غير الموالية لهم بتحديد موقفها من تحركهم، وهو بمثابة تهديد، ما يشير إلى أنهم يسعون لتفجير الوضع عسكرياً، وهذا هو أخطر ما قد يشهده الجنوبيون.
كما أنهم طالبوا بالسيطرة على المؤسسات الإيرادية، مع أن قواتهم، وبإشراف إماراتي، هي صاحبة الحكم وفق الأمر الواقع، وتوجد في كل المؤسسات والمرافق الإيرادية، وسيطرت عليها منذ البدايات الأولى، وساعدتها في ذلك أبوظبي بقوة السلاح، وصل حينها إلى استخدام الطيران الإماراتي لاستهداف قوات الحماية الرئاسية الموالية للشرعية، التي كانت تسيطر على بعض هذه المؤسسات الإيرادية.
أما الدعوة الجديدة، فيفسرها البعض بسعي حلفاء الإمارات لسحب آخر مؤسسة لا تزال تحت سيطرة الحكومة الشرعية، وهي البنك المركزي اليمني، حتى تتحول كل الإيرادات إلى تصرفهم، لا سيما أن المؤسسات الإيرادية كالاتصالات والكهرباء والضرائب وغيرها ما زالت تورد إلى البنك المركزي، وبالتالي هي محاولة لاستكمال الانقلاب والسيطرة على عدن.
ويرى البعض أن “الانتقالي” يضع نفسه في موقف محرج، من خلال محاولاته استغلال الأوضاع، وإثبات أن له دوراً في ما يحدث في عدن، عبر استخدام القوات الموالية التابعة له لتحقيق أهدافه، وهذه القوات متهمة بالحوادث الأمنية التي تشهدها عدن، والوقوف وراء تعثّر مشاريع الحكومة في إصلاح الكهرباء وتوفير الوقود.
تحرك “المجلس الانتقالي” رافقته دعوات من قوى جنوبية أخرى للمشاركة في فعاليات ذكرى ثورة 14 أكتوبر، ومع تنامي الرفض لـ”المجلس الانتقالي” في مناطق الجنوب، فضلاً عن تنامي الأصوات المعادية للتحالف السعودي – الإماراتي نفسه، ما قد يدفع نحو تكرار ما تشهده محافظة المهرة ضد القوات السعودية. كما أن أي تصعيد في عدن قد يزيد من تأزيم الوضع الإنساني، في ظل عاصفة جوع تضرب البلاد.
” وترافقت دعوة “المجلس الانتقالي” مع بروز ملامح تواطؤ من قبل التحالف بهدف إسقاط الحكومة أو فرض تغييرات كبيرة فيها، على الأقل، بعد ما شهده النصف الأول من عام 2018، من أزمة وصراع علني بين الحكومة اليمنية والتحالف بواجهته الإماراتية، في المناطق الجنوبية والشرقية للبلاد.
هذا الأمر أكده وزراء، ومنهم وزير النقل صالح الجبواني، الذي أشار قبل أيام إلى أن ما يجري محاولة جديدة لإسقاط الحكومة، بعد أن فشلت المحاولة الانقلابية التي قادها المجلس في يناير/ كانون الثاني الماضي، حين تحرك حلفاء الإمارات عسكرياً بمهاجمة مقرات قوات الشرعية والزحف نحو القصر الرئاسي.
وعلى الرغم من عاصفة الانتقادات في الأوساط اليمنية المتعددة التي تطاول مسؤولي الحكومة وقيادة الدولة الشرعية، على إثر عجزها عن وقف أزمة انهيار الريال اليمني، ووجودها خارج البلاد، فهي فشلت في الوجود مجدداً في مدينة عدن، التي تصفها بـ”العاصمة المؤقتة”، في ظل الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد، ممثلاً بأزمة مرتبطة مباشرة بحياة المواطنين على امتداد البلاد.
وكان رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر قد غادر عدن في يوليو/ تموز الماضي، متوجهاً إلى الرياض، لإجراء لقاءات مع المبعوث الأممي مارتن غريفيث وفريقه، للتباحث بشأن مقترحات التسوية، غير أنه لم يتمكن من العودة.
وعوضاً عن ذلك، لحق به الرئيس عبدربه منصور هادي، في أغسطس/ آب الماضي، واستقر المقام مجدداً بالرجلين في العاصمة السعودية، في أغلب الفترة الماضية، بعد أن كان وجودهما خارج البلاد محور الانتقادات الموجّهة للشرعية بشقيها الحكومي والرئاسي.
وخلافاً لفترات سابقة، فإن وجود الرئيس ورئيس الحكومة وأغلب مسؤولي البلاد في الرياض، بعد أكثر من ثلاث سنوات على إعلان التحالف عن انتزاع السيطرة على عدن من الحوثيين، يحمل أبعاداً مختلفة، إذ يأتي هذه المرة بعد الأزمة الكبيرة التي شهدتها الأشهر الأولى من العام الحالي، وظهرت خلالها “لا” من قبل الشرعية في وجه الممارسات الإماراتية في المناطق الجنوبية والشرقية للبلاد، وهي الأزمة التي وصلت أوجّها مع إرسال أبوظبي قوات عسكرية لاحتلال منافذ جزيرة سقطرى، بالتزامن مع وجود بن دغر في مايو/ أيار الماضي.
وإثر ذلك، صعّدت الشرعية من رفضها وسلّمت مجلس الأمن الدولي احتجاجاً رسمياً ضد ممارسات الإمارات.
وبعد شهور من الأزمة، يبدو أن التحالف عاقب الشرعية، بالحد من وجود مسؤوليها داخل البلاد مجدداً وسحب البساط منها لتبدو عاجزة أكثر من أي وقتٍ مضى، عن تنفيذ قرارتها في قضية مصيرية مرتبطة مباشرة بحياة اليمنيين كافة، كأزمة انهيار العملة. وعلى عكس الدعوات التي طالبت التحالف بالتدخّل لوقف الانهيار الاقتصادي، فهو اتخذ موقفاً ضبابياً عبر السماح للتدهور بالوصول إلى مستويات قياسية تنذر بمجاعة حقيقية وشاملة في البلاد، وتجلّى ذلك بإعلان السعودية عن منحة بمبلغ 200 مليون دولار، تلبية لطلب هادي، وهو مبلغ بدا كإعلان التنصّل من الدعم أقرب من التجاوب.