موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الصومال يواجه خطر تكريس الانقسام بفعل تدخلات الإمارات

211

يتعقد الوضع السياسي في الصومال الذي يواجه خطر تكريس الانقسام الداخلي بسبب دخول نظام إقليم “أرض الصومال” المتمرد في شراكة اقتصادية مع الإمارات.

ولم تعد الإشكالات السياسية والديموغرافية تعيق تقدم جمهورية أرض الصومال سياسياً، فقد برزت إلى العلن مشكلات عديدة، وهي تعقيداتٌ ربما ستنسف جهود السياسيين في أرض الصومال قديماً وحديثاً، لنيل الاعتراف أو الحصول على حكم ذاتي، يتمتع بتأييد إقليمي قبل الأسرة الدولية، وأول تلك الأزمات توقف قطار المفاوضات بين كيان أرض الصومال والحكومة الفيدرالية، من أجل تمهيد أفضل لطلاق سياسي آمن لا رجعة له.

فمنذ عامين وصلت المفاوضات بين الطرفين إلى طريقٍ مسدود، على الرغم من التصريحات التي يطلقها الجانبان، عبر وسائل الإعلام، لبدء جولة جديدة من المفاوضات، إلا أن تلك التصريحات تبقى مجرد دعاية رخيصة لتضليل رأي المجتمع المحلي.

كانت سياسة الحكومة الفيدرالية السابقة برئاسة الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، تتسم بالمرونة والهدوء في التعاطي مع “أرض الصومال”، من أجل كسب ود ساستها، لعدم الذهاب كاملاً إلى طلاق بائن، أو عقدة سياسية تدفعهم إلى تبنّي سياسات جديدة، تقوّض جهود المفاوضات السياسية التى رعتها تركيا، واستضافتها إسطنبول مرات، فقد حرص الرئيس السابق، حسن شيخ محمود، على سياسة مهادنة الأشقاء، وأعطى لهم قدراً من الاستقلالية، والتوصل مع الخارج، من دون أن تضيق سلطته الخناق على شعب “أرض الصومال” وساستها، وقد مكّنت سياسة الانفتاح واللين التي اتسمت تلك الفترة من استمرار المفاوضات بين “أرض الصومال” وحكومة مقديشو، حتى انتهت مع انتهاء فترة رئاسة حسن شيخ محمود (2012 – 2017).

ومع وصول السلطة المنتخبة الجديدة إلى سدة الحكم في فبراير/ شباط عام 2017، بات خيار عودة المفاوضات مع “أرض الصومال” مجرد شعاراتٍ لا تعقبها نيات صادقة وجادّة لدى  الأطراف السياسية الصومالية من الطرفين، فمع وصول الرئيس الجديد ل “أرض الصومال” العسكري السابق في الجيش الصومالي، موسى بيحي، تعقدت الأمور بين الأطراف الصومالية، كأن السياسات الجديدة حالياً تجُب ما قبل المفاوضات وما بعدها، فاستكمال ما اتفق عليه سابقاً بين الجانبين في إسطنبول لم يعد له مكان حالياً، ما يعني أن المفاوضات الجديدة، حتى وإن انطلق مسارها، ستبدأ من نقطة الصفر، مع وصول كيانات سياسية جديدة، وشخصيات أخرى، إلى السلطة وطاولة المفاوضات.

ومما سيعقد الوضع السياسي أن نظام “أرض الصومال” دخل في شراكة اقتصادية مع الإمارات، عبر منح امتيازات لشركة موانئ دبي الإماراتية في إدارة ميناء بربرة وتشغيله، على الرغم من معارضة حكومة مقديشو هذا التوجه، لكن “أرض الصومال” اعتبرت مقاطعة مقديشو توجهها السياسي الاقتصادي أمراً لا يغيّر شيئاً في الواقع، بحكم أن الميناء يقع تحت إدارتها، وليس بيد السلطات الفيدرالية في الجنوب، لكن تلك الاتفاقيات مع الإمارات جلبت لـ”أرض الصومال” قطيعة سياسية محلية وإقليمية، فقد قرّرت حليفتها طوال عقدين (إثيوبيا) تغيير سياساتها تجاه “أرض الصومال”، فسحبت ممثلها من هرجيسا، وأغلقت مكتبها هناك، ما يعني أن “أرض الصومال” مقبلة على توجه سياسي جديد من إثيوبيا التي قاطعت، أيضاً، حفل تشغيل ميناء بربرة، والذي حضره كبار مسؤولي شركة موانئ دبي الإماراتي الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، وفُسر غياب إثيوبيا، كونها شريكا ثالثا للاتفاقية بحصة 19% من عائدات ميناء بربرة، ضربةً داخلية جديدة لهذا الاتفاق الثلاثي بين “أرض الصومال” وإثيوبيا وموانئ دبي.

ومع أن العلاقات بين الإمارات والصومال تعرف فترة هدوء، منذ أوقفت الإمارات مشاريعها الإنسانية، ودعمها العسكري الحكومة الفيدرالية في مقديشو، إلا أن الوضع، بحسب خبراء، من غير المتوقع أن يستمر على ما هو عليه، نظراً إلى حجم العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فمهما ساءت الأوضاع، لا تريد مقديشو دخول مغامرة سياسية أخرى مع أبوظبي، بينما لا تود الأخيرة استمرار هذه القطيعة، ولذلك حرصت على إبقاء سفارتها في مقديشو، حتى لا تخلو سلتها من البيوض كلها دفعة واحدة، وتصبح وجهاً منبوذا في القرن الأفريقي.

أياً كانت مبرّرات الحكومة الفيدرالية لتضيق الخناق على “أرض الصومال”، ومهما ازداد حجم التنمر الذي تمارسه السلطات في هرجيسا، إلا أنه من الحكمة التريث في عدم اتخاذ قرارات سياسية أو اقتصادية ستؤثر سلباً على الشعب الصومالي هناك، فقد استضافت هرجسيا، على مدى عقود، الهاربين والفارين من لعنة الحرب الدائرة في الجنوب، وتلقوا ترحيباً واسعاً من أطياف الشعب، كما أن الساسة في “أرض الصومال” كانوا اللبنة الأولى لوحدة الصومال في فترة الستينيات، قبل أن تعصف بهم الكوارث السياسية والعسكرية بين الإقليمين، ويعلن الشماليون طلاقاً من طرف واحد، لم ينل بعد شهوداً إقليميين ودوليين.

مثّل كيان أرض الصومال وجها آخر مغايراً عن الصومال المحترق في الجنوب، وتنامى اقتصاده والقطاعات الحيوية الأخرى، مثل التعليم، فلم يكن ينقصه شيء سوى وقفة إقليمية أو دولية لمنحه صك الاعتراف، ولكن هذا لم يكن خياراً لدى الأسرة الدولية، فبدل ذلك، كان المجتمع الدولي يدفع الإقليمين إلى دخول مفاوضات سياسية، من أجل الانفصال أو العودة إلى الوحدة مجدّداً، وانطلقت تلك المفاوضات في أجواء مفعمة بالهدوء، قبل أن تتوقف وتصبح نسياً منسياً.

على الرغم من أن جمهورية أرض الصومال لم تجد من يناصرها في قضيتها، حسبما يروجها الخطاب السياسي لقادتها، إلا أن مكاتب الأمم المتحدة والهيئات الأممية والمنظمات الإنسانية  كانت تتدفق على هذه المنطقة منذ عقود، فنتيجة الهدوء النسبي فيها، كانت بعض الهيئات الخيرية العربية تفضل أن تشتغل فيها بدلاً من الجنوب المحترق، فنفذت تلك الجمعيات العربية مشاريع خيرية تنموية في “أرض الصومال”، وهي مشاريع لم تنفذها تلك الهيئات في مقديشو، حتى أن بعضا من تلك المؤسسات العربية الخيرية لا يوجد لها مكاتب في الجنوب، بسبب الوضع الأمني المتردي والاقتصادي، فهمّ الأيدي الخيرية العربية كان مساعدة الشعب الصومالي مهما كان وأين سيكون، فلم تكن الجغرافيا السياسية بين الشعبين تحدّد مسار دعمها الصوماليين.

والمفاوضات هي الطريق الأمثل بين الصوماليين (الشمال أو الجنوب)، لكن توقف تلك المفاوضات لا يعنى بالضرورة بمكان انتهاء صلة الدم والرحم بين الجانبين، فينبغي للساسة في الجنوب أن يجنحوا إلى لين الجانب في الخصم، وأن لا يشددوا الشعرة من طرفهم، حتى لا ينهار جدار العلاقات بين الجانبين، فما لا يتحقق في الود والوئام السياسي لا يتحقق في الجفاء ولغة التهديد، فتصريحات رئيس “أرض الصومال”، قبل أيام، عن عدم دخول مفاوضات مع الحكومة الفيدرالية، لن يحقق لهرجيسا من مآربها السياسي، انفصالاً أو وحدة مع الجنوب، على الرغم من معارضة أطراف أخرى في “أرض الصومال” هذا التصريح.

لكن الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو كرّر، في أكثر من مناسبة، مناشداته لبدء جولة مفاوضات جديدة مع “أرض الصومال”، إلا أن بين هذين الخطابين المتعارضين أفقياً وعمودياً يبقى مستقبل أرض الصومال السياسي عالقاً، إما وحدة هشة مع الجنوب أو انفصال جزئي لا يتمتع بالركن الخامس من الدولة الحديثة في عالمنا المعاصر، وهي أوراق “الاعتراف ” الإقليمية أو الدولية.