موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

سجن الرزين الإماراتي: من مركز لعلاج الإدمان لمعتقل للانتقام من المعارضين

359

حولت السلطات الإماراتية سجن الرزين سيء السمعة منذ سنوات من مركز لعلاج الإدمان إلى معتقل للانتقام من المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان.

وفي قلب صحراء العاصمة الإماراتية أبوظبي، وعلى بُعد نحو 110 كيلو مترات منها، وخلف أبراجها المتلألئة، يقع سجن الرزين الذي يصنف كأسوأ السجون سمعة في العالم العربي، وفقاً لتصنيف المركز الدولي لدراسات السجون.

الرزين الذي اكتسب إعلامياً لقب “غوانتامو الإمارات”، بدأ بناؤه في عهد الشيخ زايد آل النهيان ليكون مركز احتجاز لمدمني المخدرات، لكنه منذ عام 2011 تحول إلى مركز للانتقام من المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وأحد رموز انتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي.

استغرق بناؤه نحو 18 عاماً، إذ بدأ التخطيط والعمل والبناء له وفقاً لصور الأقمار الصناعية عام 1992، وانتهت أعمال البناء كاملة عام 2010، وسرعان ما أصبح معروفًا داخل الإمارات وخارجها بعدما زجّ جهاز أمن الدولة بأعداد كبيرة من المعتقلين السياسيين داخل هذا السجن الصحراوي.

ورغم أن الرزين كمنشأة عقابية وفقاً للقانون الإماراتي يجب أن يتبع إدارياً للمؤسسة العقابية والإصلاحية في إمارة أبوظبي، التي يديرها العقيد محمد سيف الزعابي، إلا أن جهاز أمن الدولة يملك مكتبًا داخل السجن، وهو من يديره فعلياً، بينما ينحصر دور إدارة السجون على الاشراف الشكلي.

وحسب ما ذكر معتقلون سابقون لمركز مناصرة معتقلي الإمارات، فإن إدارة السجون التابعة لوزارة الداخلية تشرف شكلياً على الرزين، حيث يزور شخص السجن شهرياً، للتأكد من عدد السجناء، وعندما يشتكون له من الانتهاكات، يرد: “بأنهم يستحقون ما يحصل لهم وهو نتيجة طبيعية لخيانتهم”.

ونظراً لهذه الحقائق التاريخية، فإن السجن ليس مصمماً لاحتجاز المعتقلين لفترات طويلة، وزنازينه فردية، أي أنه عبارة عن سجون انفرادية، لا إصلاحية، وهو ما يجعله ليس “أسوأ السجون سمعة في العالم العربي”، فحسب، بل “أكبر سجن انفرادي في المنطقة كلها”.

الزيارة والاستقبال

يعد سجن الرزين شديد المراقبة والتحصين، وتم تصميمه بشكل يجعله أقرب لثكنة عسكرية. يتم الدخول إليه من بوابة حديدية ضخمة، تسبقها حواجز اسمنتية ونقاط تفتيش، ثم تتبعها نقطة تفتيش أخرى للأفراد أو ما يسمى بعنبر الاستقبال.

العنبر هو مكتب تفتيش، يضم حراسًا وحارسات من الجنسية النيبالية، يرتدون زيًا أسودًا، وبحسب وصف العديد من الأهالي الذين زاروا أقاربهم في السجن، فإن المكان يفتقد لأدنى معايير النظافة، وتملؤه الحشرات صيفًا وشتاءً.

في هذا السجن، الزيارة مسموحة لمرة واحدة أسبوعيًا، وهو على النقيض تمامًا من البروتوكول المسموح به في السجون الأخرى، التي تسمح بالزيارة مرتين أو 3 مرات أسبوعيًا، كما أن الزيارة ممنوعة منذ تفشي وباء كورونا، وهو ما يعني أن أهالي المعتقلين لم يتمكنوا من زيارة أقاربهم منذ نحو عامين.

المسافة تعد بعيدة لأقارب المعتقلين القاطنين خارج أبوظبي، لأن السجن يبعد مئات الكيلومترات عن مدن مثل الشارقة، ولذلك فعلى الأهالي الراغبين بزيارة أبنائهم، تكبد عناء السفر لفترات تتجاوز 4 أو 5 ساعات أحياناً، وعليهم الخروج باكرًا، حتى لا يفوتهم موعد الزيارة.

الزيارة تتم من خلف حاجز زجاجي عبر الهاتف لنصف ساعة، ولا يسمح لأكثر من أربعة أشخاص بالدخول -من ضمنهم الأطفال- في نفس الوقت، وفي كثير من الأحيان يتم إلغاء الزيارات ومنع أهالي المعتقلين من الدخول دون إبلاغهم بذلك مسبقًا، أو تقليص الزيارة إلى 3 أو 4 دقائق فقط، وطردهم، كما يتعمد الحراس تفتيش الأهالي بشكل مهين، ومصادرة المياه والمناديل بحجة أنها ممنوعة.

يجتهد الحراس في مضايقة الأهالي أثناء الزيارات بشتى الوسائل الممكنة، وقد أبلغ العديد منهم عن سرقة الملابس والأمتعة الشخصية التي تم إحضارها للمعتقلين، كما منعت إدارة السجن الأهالي في إحدى المرات، من إحضار ملابس شتوية تقي المعتقلين البرد الشديد الذي يميز تلك المنطقة الصحراوية.

أماكن الاحتجاز

يوجد في السجن 10 عنابر مخصصة لاحتجاز المعتقلين، كل عنبر منها هو عبارة عن مبنى مستقل، يتكون من 10 زنازين انفرادية تتسع لشخص واحد فقط، وهو ما يعني أن السجن يتسع لـ 100 معتقل، معظمهم من المعتقلين السياسيين.

كل عنبر يضم مصلى وغرفة طعام وغرفة للتفتيش، ومزود بـ 32 كاميرة للمراقبة، وكل زنزانة يوجد بداخلها كاميرة مراقبة ليلية.

الزنزانة الواحدة تحتوي على سرير اسمنتي عليه وسادة للنوم، وتضم رفوفًا اسمنتية لوضع الملابس، ومكتبًا اسمنتياً أيضاً، ويوجد داخل كل زنزانة حمام خاص.

يمكن للمعتقلين في كل عنبر الالتقاء ببعضهم، وأداء الصلاة والأكل معاً، لكن مركز مناصرة معتقلي الإمارات علم مؤخراً أن إدارة السجن تمنع معتقلي الرأي الإماراتيين من الحديث مع بعضهم أو الاختلاط.

كما أنه رغم وجود ملاعب رياضية كبيرة وساحات لممارسة الرياضة وكافيتريا داخل السجن، إلا أن إدارة السجن لا تسمح للمعتقلين بكل ذلك، ولا تسمح لهم بإدخال أوراق أو أقلام أو كتب أو جرائد من أي نوع.

الانتهاكات داخل السجن

بشكل عام فإن سجن الرزين لا يخضع لأية قيود أو رقابة قانونية، وهو مسرح لكل أنواع الانتهاكات ضد المعتقلين، وقد دأبت إدارته على معاملة معتقلي الرأي بشكل سيء، والتنكيل بهم بتسليط أشد العقوبات عليهم لأقل الأسباب.

مثل الحبس الانفرادي والتفتيش المهين والتجويع ومنع الزيارات والإهمال الصحي وتعريضهم لدرجات حرارة مرتفعة أو منخفضة، دون توفير الحد الأدنى من متطلباتهم، والكثير من ضروب سوء المعاملة التي يتعرض لها المعتقلون، خاصة معتقلي قضية “إمارات94″، كشكل من أشكال التنكيل والحط من الكرامة.

في هذا السجن، تم توثيق كل انتهاكات حقوق الإنسان الممكنة، وقد أضرب السجناء عن الطعام بشكل فردي أو جماعي عدة مرات احتجاجًا على ظروف احتجازهم غير الإنسانية، والمعاملة المهينة للكرامة التي يتعرض لها المعتقلون.

أشهر الإضرابات عن الطعام كان في 15 يونيو 2017، إذ خاض العديد من المعتقلين وأغلبهم من معتقلي “إمارات94″، إضراباً عن الطعام، بسبب هجوم الحراس عليهم ليلًا في غرفهم، حيث تم تجريدهم من ملابسهم الداخلية بغرض تفتيشهم، وقد تعرض بعض المعتقلين للتحرش الجنسي من حراس السجن.

كما أن إدارة السجن تتعمد تعريض معتقلي الرأي لدرجات شديدة من الحرارة أو البرودة، ففي فصل الصيف تتعمد إطفاء أجهزة التبريد، وفي الشتاء تشغلها بشكل مستمر، وتحرم المعتقلين من الحصول على أغطية مناسبة.

وهذه الممارسات، تعد ضربًا من ضروب المعاملة اللاإنسانية وانتهاكًا لكرامة السجناء وآدميتهم، ولحقّهم في ملابس مناسبة، فطبقا للمادة 17 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء المؤرخة في 13 مايو 1977: “كل سجين لا يسمح له بارتداء ملابسه الخاصة يجب أن يزود بمجموعة ثياب مناسبة للمناخ، وكافية للحفاظ على عافيته، ولا يجوز في أي حال أن تكون هذه الثياب مهينة أو مُحطّة للكرامة”.

إضافة لذلك، فإن الإهمال الطبي هو جزء لا يتجزأ من أساليب إدارة السجن في الانتقام من المعتقلين، فالأكاديمي الإماراتي ناصر بن غيث، خاض إضراباً عن الطعام عدة مرات احتجاجاً على حرمانه من الحصول على أدوية ارتفاع ضغط الدم، وهو ما أدى إلى تدهور حالته الصحية بشكل ملحوظ.

في هذا السجن، يتم استخدام العديد من وسائل التعذيب التي مورست في سجن “غوانتامو” الأمريكي، مثل الحرمان من النوم باستخدام إضاءة عالية أو تشغيل موسيقى عالية ليلاً ونهاراً، وأثناء نوم المعتقلين، وقد استخدمت هذه الطريقة ضد د.محمد الركن، مما أدى لإصابته بالهلع والإغماء، ونقله إلى عيادة السجن معصوب العينين، ليتبين أنه يعاني من التهاب في الأذن وارتفاع في ضغط الدم نتيجة لذلك.

كما أن إدارة السجن تستخدم أيضًا أسلوب الحبس الانفرادي لفترات طويلة من أجل عقاب المعتقلين، ودفعهم للانهيار العصبي، حيث يوضع المعتقل في زنزانة انفرادية ضيقة، لا تكفي مساحتها للنوم، وتكون معتمة لا يصلها ضوء الشمس.

وبانتظام، تعزل إدارة السجن المعتقلين عن العالم الخارجي من خلال حرمانهم لفترات طويلة من الاتصال الهاتفي أو الزيارات أو التواصل، ويشمل ذلك حرمانهم من أداء صلاتي الجمعة أو العيد.

خاتمة

أغلب معتقلي الرأي في سجن الرزين لم يتلقوا أي زيارة منذ 2020 تحت ذريعة تفشي وباء كورونا، وكثير منهم يتم منعه من الاتصال مع عائلته لأشهر طويلة، أو حبسه في زنزانة انفرادية لا يصلها ضوء الشمس.

الأمر هنا لا يتمثل بانتهاك حقوق المعتقلين أو تعذيبهم فقط، بل بوجود سياسة ممنهجة هدفها إذلال معتقلي الرأي وأهاليهم ودفعهم إلى الانهيار العصبي، فالسياسات العقابية التي تقلل من عدد الزيارات أو جودتها تجعل من مدة عقوبة السجن فترة لا تطاق، وتعرض السجين لاضطرابات عقلية، وتحد من قدرته على التكيُّف مع الحياة في المجتمع بعد إطلاق سراحه.

كما أن سياسات التفتيش المهين والتعذيب، وحرمان المعتقلين من النوم أو تعريضهم لدرجات حرارة شديدة البرودة لا تؤثر فقط على صحتهم الجسدية، وليست مجرد انتهاكات يتم توثيقها أو تسجيلها، بل هي إذلال ممنهج يهدف لكسر المعتقلين نفسيًا.

سجن الرزين ليس منشأة عقابية تجري فيها انتهاكات حقوق الإنسان، بل هو أداة إذلال استغرق تصميمها وتطويرها سنوات طويلة من أجل كسر الأصوات الحرة في الإمارات، وهي منشار السلطات الإماراتية الذي يحصد أرواح الأكاديميين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان من أجل رميهم قِطعاً غير قادرة على الإصلاح مجددا.