كشفت مصادر دبلوماسية عن عرض رسمي قدمته دولة الإمارات من أجل الاستثمار في شركة “إن إس أو” الإسرائيلية المطورة لبرنامج بيغاسوس التجسسي سيء السمعة.
وقالت المصادر ل”إمارات ليكس”، إن أبوظبي أبلغت الحكومة الإسرائيلية استعدادها لتقديم شيك مفتوح من أجل الاستحواذ على حصة في شركة “إن إس أو” لإنقاذها من الانهيار.
وأوضحت المصادر أن العرض الإماراتي يستهدف ضمان استمرار استفادة أبوظبي من برامج شركة “إن إس أو” التجسيسية وتطورات قدراتها في مجال الأمن السيبراني.
وتعد الإمارات من أبرز زبائن شركة “إن إس أو” في وقت تسلط معركة قضائية تتعلق بالشركة التي طورت برنامج “بيغاسوس” للتجسس عبر الهواتف المحمولة، الضوء على أزمة اندلعت داخل الشركة، جزء منها ناتج عن إمكان مضيها في بيع برمجياتها المثيرة للجدل، ما يهدّد استمراريتها.
وقبل أن يتم العام الماضي الكشف عن استخدامه برنامج “بيغاسوس” للتجسس على هواتف صحافيين ومعارضين ونشطاء حول العالم، كانت الديون تراكمت على الشركة التي تتخذ من ضاحية هرتسيليا قرب تل أبيب الساحلية، مقرا.
وتأثرت إن إس أو سلبا بهذه “الفضيحة” وخصوصا بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأميركية حظرها.
وذكرت وكالة فرانس برس الفرنسية أنها اطلعت على مئات الوثائق الخاصة بنزاع قضائي أطرافه هم الشركة الإسرائيلية والدائنون ومجموعة “بيركلي ريسيرتش غروب” أو “بي آر جي” التي تملك غالبية أسهم الشركة الأم لـ إن إس أو.
وبحسب الوثائق، يحث الدائنون شركة إن إس أو على مواصلة بيع برنامج بيغاسوس إلى دول “عالية المخاطر” لديها سجلات في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك من أجل الحفاظ على العائدات المالية.
لكن “بي آر جي” طالبت بوقف المبيعات المشبوهة دون إجراء مراجعات داخلية كافية، متذرعة بـ”الحاجة الأكيدة لـ إن إس أو لمعالجة القضايا الأساسية التي تسببت بإدراجها في القائمة السوداء” للولايات المتحدة.
وطفت التوترات على السطح في تل أبيب عندما أظهرت دعوى قضية في محكمة في تل أبيب، سعي بي آر جي إلى تحويل ثلاث شركات فرعية تابعة لـ إن إس أو لتكون مستقلة بحجة أن تلك الشركات معرّضة للتأثر سلبا بفضيحة بيغاسوس. وبين تلك الشركات واحدة مصنعة لمعدات مضادة للطائرات المسيرة.
وتكشف الوثائق عن معركة أوسع تتعلق بمستقبل الشركة وتداعيات ذلك على صناعة أدوات المراقبة الإلكترونية العالمية.
وتقول نائبة مدير منظمة العفو الدولية “أمنستي” لشؤون التكنولوجيا دانا إنغلتون “إن إس أو شركة رائدة، وتمثل حاليا عينة للدراسة”.
وتضيف أن ما يحدث مع الشركة قد ينبئ بـ “تحوّل جذري في تنظيم هذه الصناعة”.
وبمجرد تحميله على هاتف جوال، يتيح “بيغاسوس” التجسّس على مستخدم الهاتف من خلال الاطّلاع على الرسائل والبيانات والصور وجهات الاتصال، كما يتيح تفعيل الميكروفون والكاميرا عن بُعد.
ورغم عدم كشفها عن هوية زبائنها، تقول الشركة إن برنامجها يساعد قوات الأمن في العديد من البلدان على كبح الجرائم والتصدي للاعتداءات.
لكن تقارير كشفت عن استخدام بيغاسوس من جانب دول لها تاريخ حافل في قمع المعارضة ومعايير ديموقراطية محدودة أبرزها الإمارات وحلفائها في السعودية والبحرين ومصر.
ومن بين وثائق المحكمة التي اطلعت عليها فرانس برس، رسالة يتهم فيها محامو دائني إن إس أو، بي آر جي “بمنع الشركة من قبول أي عملاء جدد”.
ووفقا لمصدر مطلع على الملف، فإن بي آر جي أرادت أن “تغلق الشركة أو تعلّق بعض أنشطتها مع الزبائن”.
ويقول محامو بي آر جي بأنه منذ الكشف عن فضيحة بيغاسوس، فإن الزبائن الجدد هم كلهم من جهات “عالية المخاطر”.
وقال مصدر في الفريق القانوني في بي آر جي إنه يعارض المبيعات لهؤلاء الزبائن، مضيفا أن “لا مشكلة في بيع البرنامج لدول ديموقراطية”.
وفي العام 2019، بلغت قيمة إن إس أو مليار دولار، وذلك وعندما أعلن الشريكان المؤسسان لها شاليف هوليو وعومري لافي أنهما عقدا شراكة مع شركة “نوفالبينا كابيتال” ومقرها لندن لإعادة الاستحواذ على إن إس أو من “فرانسيسكو بارتنرز” في كاليفورنيا.
حينها، موّلت نوفالبينا عملية الاستحواذ عبر اقتراض 500 مليون دولار، ووضعت الديون في شركة قابضة تشرف على إن إس أو.
ويقول المحامي الإسرائيلي المختص بالقضايا التكنولوجيا دان أور هوف من مجلس حماية الخصوصية الذي يقدّم الاستشارة لوزارة العدل إن إن إس أو برزت بين شركات التكنولوجيا التي تعتمد على البنوك الاستثمارية أو المستثمرين.
ويضيف “يمكنني القول إن الحصول على قروض بقيمة 500 مليون دولار سيكون حدثا نادرا لشركة تكنولوجيا عاملة في إسرائيل”.
كانت الديون مرتفعة، لكن الإيرادات كذلك، إذ بلغت في العام 2018، 250 مليون دولار، وفقا للمؤسسين.
ومنذ الكشف عن فضائح التجسس في تموز/يوليو، حظرت الولايات المتحدة إن إس أو على اعتبار أن البرنامج مكّن الحكومات الأجنبية من “استهداف الناس بشكل ضار”.
ومن ضمن الإجراءات التي نفذت ضد إن إس أو أيضا، تخفيض مؤسسة “موديز” العالمية تصنيفها للشركة بسبب انخفاض الإيرادات.
وأبدت المؤسسة تخوفها من “المزيد من تعثر المبيعات في ضوء الإجراءات المتخذة ضد إن إس أو”.
ورفعت شركة “آبل” مؤخرا وسبقتها شركة “واتساب” دعاوى قضائية ضد الشركة الإسرائيلية لاستهدافها مستخدمي الشركتين.
وأكدت إن إس أو منذ بداية نشر المعلومات حول استخدام برنامجها التجسسي الالكتروني أن مبيعاتها الخارجية مرخصة من وزارة الدفاع الإسرائيلية وأنها لا تتحكم في كيفية استخدام عملائها لبيغاسوس.
أما وزارة الدفاع فأكدت أنها تراجع الموافقات على التصدير.
وتسببت الديون بضغوط إضافية على الشركة للحفاظ على الإيرادات.
وفي رسالة تعود إلى كانون الأول/ديسمبر الماضي، قال محامو الدائنين إنهم يتفهمون “الحاجة إلى توخي الحذر في ضوء الاهتمام العالمي” بهذا النوع من البرامج. لكن بالنسبة اليهم، فإن نهج بي آر جي “غير الواضح… أدى إلى تعميق أزمة السيولة الحالية للشركة”.
وتعرضت إن إس أو لانتقادات حتى داخل إسرائيل بعد ورود تقارير تفيد باستخدام الشرطة لبرنامج بيغاسوس من أجل التجسس على عشرات المواطنين.
ومن بين هؤلاء مسؤولون حكوميون بارزون ونشطاء، لكن التحقيقات الرسمية للحكومة قللت حتى الآن من أهمية هذه الاتهامات.
وقالت إن إس أو لفرانس برس إنها “تدرس أفضل الطرق لضمان نمو طبيعي لها من حيث الأسواق والمنتجات الجديدة”، مشيرة الى أن بعض صناديق التمويل التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا، مهتمة بعملها.
فقد اقترحت شركة “إنتغريتي لابس” الشهر المنصرم على الرئيس التنفيذي لشركة إن إس أو شاليف هوليو، استثمار نحو 300 مليون دولار في إن إس أو مقابل الاستحواذ على الشركة وتقليل عملائها في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.