أثيرت تساؤلات مؤخرا حول مستقبل علاقات الإمارات وسلطنة عُمان عقب وفاة السلطات قابوس آل سعيد بالنظر إلى سلسلة الخلافات والتوترات بين الجانبين على مدار عقود.
وسرعان ما بدأ الإعلام الرسمي للنظام الإماراتي التحريض على سلطان عٌمان الجديد هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد بعد أيام من إهانته ولي عهد أبو ظبي الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد.
وادعى موقع أمني تابع لجهاز أمن الدولة الإماراتي أن طارق بن تيمور، والد سلطان عمان الجديد هو من مواليد مدينة إسطنبول التركية، وأن جدة السلطان الجديد (أم والده) تركية الأصل، كما أن والده كان في بداية حياته يجد صعوبة في التحدث باللغة العربية في سنواته الأولى في تركيا مع والدته.
وكانت أظهرت مقاطع تلفزيونية تعمد سلطان عٌمان الجديد إهانة محمد بن زايد قبل أيام. إذ تناقل مغردون على موقع تويتر مقطع فيديو يظهر فيه السلطان هيثم وهو يتجنب مصافحة بن زايد عقب لقاء قصير جمعها في العاصمة العمانية مسقط.
كما أن نظرات السلطان هيثم عند استقباله محمد بن زايد غلب عليها التهجم والسخط ولم يظهر عليه أي ترحيب بولي عهد أبو ظبي.
وذكر المغردون أن سلطان عُمان الجديد يعرف تمامًا نوايا محمد بن زايد ومؤامراته على السلطنة وشعبها، لذلك عامله بما يليق به.
وحتى خمسينيات القرن الماضي لم تكن لدى الإمارات وعُمان حدودا مرسومة، فيما حتى العام 1971 كانت مسقط تعتبر الإمارات جزءًا من أراضيها.
وقد زادت الخلافات بين البلدين بعد اكتشاف النفط من أجل السيطرة على العائدات المالية الكبيرة.
ومع بداية السبعينيات وصول قابوس إلى السلطة وإعلان استقلال الإمارات تحسنت العلاقات قليلا لكن لم تفتح مسقط سفارة لها في الإمارات حتى عام 1987، فيما وصل أول سفير عُماني إلى أبو ظبي عام 1992.
وفي العام 1999 توصلت الجارتان إلى اتفاق بشأن النزاع الحدودي.
رغم ذلك فإن علاقات الإمارات وعُمان ظلت غير مستقرة خاصة بفعل مؤامرات أبو ظبي ضد مسقط وغضبها من التزام السلطنة الحياد في سياساتها.
يقف في مقدمة ذلك التزام عُمان الحياد في أزمة العلاقات بين الإمارات والسعودية مع إيران ورفضها المشاركة في الحرب على اليمن إضافة إلى امتناعها عن المشاركة في الحصار على دولة قطر.
وقد اشتكى المسئولون في مسقط مرارا من مؤامرات الإمارات بحق السلطنة ومحاولة التدخل في شئونها الداخلية والسعي إلى التأثير على سياساتها.
ومن ذلك إعلان مسقط عام 2011 عن اكتشاف شبكة تجسس تابعة لجهاز أمن الدولة الإماراتي هدفها معرفة اسم السلطان المحتمل بعد قابوس بحسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
وذكرت التقارير في حينه أن الإمارات أرادت الضغط المبكر على السلطان المحتمل لعُمان حتى يتماشي مع سياسات أبو ظبي الإقليمية.
كما اتهمت مسقط أبو ظبي بالوقوف وراء مظاهرات مدينة صحار التي انطلقت مع موجات الربيع العربي.
وفي العام 2018 زاد التوتر إثر نشر الإمارات خريطة تظهر منطقة المسندم العُمانية ضمن حدود الإمارات، وتحذير مسقط أبو ظبي من سرقة تراث السلطنة.
وبهذا الصدد صرح عصام بن علي الرواس نائب رئيس الهيئة العامة للصناعات الحرفية في عُمان بأن سياسات الصبر تجاه الإمارات “نفدت”.
وصعدت الإمارات مؤامراتها تجاه سلطنة عُمان عبر تضييق الحصار من خلال السيطرة على جزيرة سقطري التاريخية في اليمن التي تقع محاذاة السواحل العُمانية.
كما نشرت أبو ظبي ضمن حربها الإجرامية في اليمن، قوات وميليشيات تابعة لها في محافظة المهرة اليمنية على الحدود مع عُمان لفرض شبه حصار على السلطنة.
وقد نظرت مسقط إلى خطوات الإمارات على أنها تهديد خطير لمجالها الحيوي وأمنها القومي وعندها أصدر السلطان قابوس مرسوما موجها للإماراتيين يمنع فيه تملك الأجانب في المناطق الحدودية الاستراتيجية.
وفي مطلع عام 2019 أعلنت مسقط عن محاكمة خلية تجسس جديدة تعمل لصالح الإمارات.
وقد تعهد سلطان عُمان الجديد هيثم بن طارق آل سعيد بعد توليه السلطة بانتهاج السياسة الخارجية لسلفه، والتي حققت بها مسقط التوازن في العلاقات الخارجية.
وقالت إلينا ديلوغر وهي زميلة الباحثة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “سيكون التحدي أمام السلطان الجديد هو الإسراع بتكوين علاقاته الشخصية مع الشركاء الأجانب وتوضيح موقفه المرجح أن يبقى على نفس مسار السياسة الخارجية لعمان”.
ويرجح محللون آخرون أن يحافظ السلطان الجديد على إرث قابوس ويستمر في سياسته التي جلبت الاستقرار السياسي إلى مسقط في منطقة غالبا ما تعصف بها الأزمات.
وتوجّهت الدول الغربيّة مراراً إلى مسقط لتطلب منها التوسط ليس في النزاعات الإقليميّة فحسب، لكن في قضايا دولية أيضاً، بما في ذلك الاتّفاق النووي مع إيران في عام 2015.
وقال السلطان الجديد (65 عاماً) في أول تصريحات له بعد تنصيبه “سوف نرتسم خط السلطان الراحل مؤكدين على الثوابت (…) وسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لغيرنا”.
وأبقت السلطنة على قنوات اتصال مفتوحة مع إيران والمتمردين الحوثيين في اليمن وحتى مع إسرائيل التي لا ترتبط معها بعلاقات رسمية.
ويرى عضو هيئة تدريس في قسم التاريخ في جامعة الكويت والزميل في مركز كارنيغي بدر السيف أنه “من دون شك، ستظل عمان تتبع نفس النهج حيث قدم لها هذا النهج الكثير”، مؤكداً أن الأسرة (الحاكمة) ارتضت خيار قابوس في تسمية الحاكم، فمن الطبيعي أن تستمر في سياساته الخارجية حيث هذه السياسات قدمت الكثير لعمان، ولا سبب لتغيير النهج”.
وقال السيف إن “طريقة تعاملهم (الأسرة الحاكمة) وسرعتهم رسالة للمواطنين والجيران إن الأمور تحت السيطرة”.
وقالت كريستين ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن إن “الضمان الأفضل لحياد عمان سيكون عبارة عن إعادة هيكلة اقتصادية ناجحة تعتمد على شعبها وتتجنب الاعتماد على أي قوة أخرى”.
وكان السلطان الجديد يتولى في السابق رئاسة لجنة الرؤى المستقبلية المكلفة التخطيط لمستقبل عمان حتى عام 2040.
وتقول الخبيرة في شؤون الخليج سنام فاكيل من معهد “تشاتام هاوس” البريطاني إنه “من مصلحة (السلطان الجديد) تقديم نفسه كشخص يدعم الاستمرارية ويواصل إرث قائد مثل قابوس الذي كان يعتبر ناجحاً”.
وبحسب فاكيل فإن الاستمرارية “مهمة للغاية” لأن “سلطنة عمان تواجه نقاط ضعف اقتصادية بالإضافة إلى تحديات (داخل الخليج) مع مخاوف تتعلق بالسنوات الأخيرة الماضية عندما رأينا سياسة خارجية سعودية وإماراتية حازمة وعدوانية للغاية”.