خلص تقرير أصدرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية أن التسامح في الإمارات مجرد شعار كاذب للدعاية فقط.
وكشفت المنظمة أن سلطات الإمارات أخفت قسرا قرابة أربعة رجال باكستانيين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020، ورحلّت قرابة ستة آخرين دون تفسير بناء على خلفيتهم الدينية فقط على ما يبدو.
وبحسب المنظمة أفرجت السلطات الإماراتية عن الستة ورحلتهم فورا في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2020 بعد إخضاعهم أيضا للإخفاء القسري والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي بين ثلاثة أسابيع وخمسة أشهر.
جميع الرجال العشرة هم مسلمون شيعة مقيمون في الإمارات، وعاش معظمهم في البلاد وعملوا فيها لسنوات عديدة كمديرين وموظفي مبيعات ورؤساء تنفيذيين لشركات صغيرة وعمال وسائقين.
كان بينهم رجل يعيش ويعمل هناك منذ أكثر من 40 عاما، وآخر وُلد وترعرع في الإمارات. لم توجه السلطات أي اتهامات ضد أي من الرجال الستة المفرج عنهم، لكنها رحّلتهم بإجراءات موجزة دون منحهم أي فرصة للطعن في ترحيلهم.
قال مايكل بَيْج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “لطالما مارست قوات الأمن الإماراتية الإخفاء القسري وأفلتت تماما من العقاب، ما يترك المحتجزين وأفراد عائلاتهم في حالة ذعر وارتباك ويأس”.
وأضاف أن “سلوك السلطات الإماراتية غير الخاضعة للمساءلة هو استهزاء صريح بسيادة القانون ولا يترك أي شخص في مأمن من الانتهاكات الجسيمة”.
لم تكن هذه أول مرة تستهدف فيها السلطات الإماراتية المقيمين الشيعة تعسفا، بما في ذلك من خلال الاحتجاز التعسفي دون تهمة والترحيل بدون أساس.
أفادت تقارير كثيرة عن استهداف السلطات الإماراتية تعسفيا للمقيمين الشيعة، سواء كانوا لبنانيين أم عراقيين أم أفغان أم باكستانيين أم غير ذلك، في أوقات التوترات الإقليمية المتزايدة.
يحدث الاختفاء القسري عندما يقوم أعوان الدولة، أو أشخاص أو جماعات تعمل بتفويض أو دعم حكومي، بحرمان الشخص من حريته ثم رفض الاعتراف بالحرمان من الحرية أو إخفاء حالة الشخص أو مكان وجوده.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى أفراد عائلات الرجال العشرة الذين اعتقلتهم السلطات الإماراتية بين سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني 2020، وكذلك أحد الرجال الذين أُطلق سراحهم في أواخر 2020.
قال كل فرد منهم إنه سمع عن مسلمين شيعة باكستانيين آخرين اعتقلتهم قوات أمن الدولة الإماراتية منذ منتصف سبتمبر/أيلول، ما يشير إلى أن عدد المحتجزين تعسفيا والمخفيين قسرا قد يكون أكثر من أربعة.
ذكر ابن أحد المحتجزين، الذي تحدث إلى هيومن رايتس ووتش أن السلطات سمحت لواحد فقط من الرجال الأربعة الذين ما زالوا محتجزين بالاتصال بأسرته، وفقط بعد ستة أشهر من إبقائهم في “ظلام دامس”. ما زالت أسرة الرجل تجهل مكان احتجازه أو سبب اعتقاله.
اطّلعت هيومن رايتس ووتش أيضا على وثيقة جمعها أفراد عائلات المحتجزين تضم قائمة بـ 27 مواطنا باكستانيا من بلدة باراتشينار في شمال باكستان، اعتُقلوا في الإمارات في سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول.
قال عضو بالبرلمان الباكستاني إنه يعتقد أن القائمة دقيقة حيث التقى شخصيا بكل أسرة.
فيما قال أفراد الأسرة إنهم علموا بإخفاء أقاربهم قسرا بطرق مختلفة.
اعتقل رجال أمن الدولة المسلحين وبالزي العسكري الأسود رجلًيْن من منزليْهما في مداهمات ليلية أمام أفراد عائلتيهما. اعتُقل رجل من مكتبه، وأخبر زملاء العمل الذين كانوا حاضرين لاحقا أفراد أسرته أن رجالا إماراتيين جاؤوا وأخذوه بعيدا دون تفسير.
قال أقارب رجل آخر إن أصدقاءه في المبنى السكني الذي كان يعيش فيه أخبروهم أن أربعة رجال وصلوا واعتقلوه دون إبداء أسباب بينما كانوا يجلسون معه في موقف السيارات لمبناهم كما يفعلون في معظم الأمسيات.
تلقّى ثلاثة من الرجال مكالمات هاتفية للقدوم لمراكز شرطة مختلفة في أنحاء الإمارات، وقال أفراد أسرهم إنهم فقدوا الاتصال بهم بعد ذلك. لا يزال الرجال الثلاثة مفقودين ببساطة، ولا يزال اثنان منهم مفقودين لكن يُفترض أنهما معتقلان.
قال قريب لرجل ما يزال مخفيا قسرا بعد فترة وجيزة من عدم إمكانية التواصل مع الرجل في أكتوبر/تشرين الأول: “سؤالي بسيط. إذا قُبض عليهم، أريد فقط معرفة الجريمة التي ارتكبوها. إذا كانت ثمة قضية ضدهم، يمكننا عندئذ التفكير في كيفية التعاطي معها. لكن إذا كنا لا نعرف ما هي التهم، فكيف نثبت براءة أبنائنا؟”.
في عدة حالات، قال الأقارب إن الرجال المحتجزين لم تكن بحوزتهم جوازات سفرهم وإن قوات الأمن داهمت منازلهم لاحقا بحثا عنها. في بعض الحالات، أخذت السلطات وثائق أخرى متعلقة بالهجرة والعمل.
قال معظم أقارب الرجال إنهم حاولوا الاستفسار عنهم في مختلف أقسام الشرطة والسجون ومراكز الترحيل، لكن لم يعترف المسؤولين حتى باعتقال أقاربهم، ناهيك عن إخبارهم بمكان احتجازهم وسببه.
ذكر قريبان أنهما حاولا تقديم شكاوى في مراكز الشرطة القريبة من منزليهما لكن رفضت الشرطة وطلبت منهما انتظار اتصال.
قال أحدهما: “من يُفترض به الاتصال بنا؟ لا نعرف”. قال أقارب عديدين إنهم اتصلوا بالسفارة الباكستانية في الإمارات، ورد عليهم ممثلوها بالقول بأنه لا معلومات لديهم عن أقاربهم المفقودين.
تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى شاب محتجز سابق بعد ترحيله كان مفقودا منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني بعد استدعائه إلى مركز للشرطة في دبي بعد منتصف الليل بقليل. أطلقت السلطات سراحه بعد أكثر من ثلاثة أسابيع، ورحّلته فورا.
لكن منعته قوات الأمن الإماراتية من الاتصال بأفراد عائلته والتواصل مع مستشار قانوني وممثل قنصلي طيلة فترة احتجازه.
قال إنهم أساءوا معاملته، بما في ذلك تقييد يديه وعصب عينيه أثناء نقله من مكان إلى آخر، وإجراء جلسات استجواب لمدة خمس وعشر ساعات، وحرمانه من النوم والملابس الدافئة ليومين بينما كان وحيدا في غرفة باردة مضاءة طوال الوقت.
أفاد أفراد عائلات مقيمين شيعة باكستانيين آخرين أفرِج عنهم منذ ذلك الحين أن أقاربهم لم يواجهوا أي اتهام، ولم يحصلوا على مستشار قانوني أو تمثيل قنصلي، ورُحّلوا فورا بعد الاحتجاز دون أن تتاح لهم فرصة تسوية شؤونهم بعد العيش في الإمارات لسنوات.
بينما يقول أفراد الأسرة إنهم ما زالوا لا يعرفون أساس احتجاز أقاربهم وترحيلهم، يعتقدون أن ذلك بسبب التمييز الطائفي.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات الباكستانية التحقيق في الاستهداف التعسفي للمواطنين الباكستانيين المسلمين الشيعة في الإمارات، والمطالبة بالكشف عن مكان مواطنيها المفقودين وأسس الاعتقالات، والمطالبة بتواصل المعتقلين فورا مع ممثلين قنصليين.
وطالبت المنظمة سلطات الإمارات بالكشف عن أسماء ومكان وجود وأساس اعتقال كل من اختفوا قسرا أو احتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي.
قال بَيْج: “تدّعي الإمارات احترامها للحرية الدينية والتنوّع، لكن يشير الإخفاء والترحيل التعسفي للمقيمين الشيعة منذ فترة طويلة إلى هذا التسامح والاحترام لا يشملان جميع الطوائف الدينية”.