موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: محمد بن زايد في خدمة الاستراتيجية الأمريكية بالحرب على الإسلام

167

يعمل ولي عهد أبو ظبي والرجل الأقوى في الإمارات للسيطرة على الخطاب الديني بأكمله، أي بتصدير صورة التسامح، واستبطان الرغبة بتأسيس خطاب ديني يخدم توجهاته السياسية.

وعاد الأمير الشاب محمد بن زايد إلى الإمارات، منهيا تدريبه على الطيران العمودي والتكتيكي والقفز المظلي في “ساند هيرست”، عودةٌ كانت بدايةَ خطواته على طريق مواجهة الإخوان المسلمين الطويل، وتقليل نفوذ حركات الإسلام السياسي، في مقابل تأسيس ودعم نسخته الخاصة من الإسلام، كالصوفية مثلاً.

لعبت إقامة بن زايد في بريطانيا دوراً كبيراً في تشكيل تصورات ولي العهد، ليتبنى نهجا أكثر ليبرالية، أو يمكن وصفها بالعلمانية، وساعيا لإعادة بناء مجتمع حديث، مليء بهواجس السيطرة، والتي انعكست في أنظمة المراقبة والتجسس التي استثمر فيها بن زايد منذ بزوغ نجمه، ولتنسحب هواجس سيطرته تلك على التحكم بالخطاب الديني، وليجد في خطاب طاعة ولي الأمر، حتى وإن كان خاطئاً، حصنا منيعا لنظام الإمارة المضطرب.

لذلك، كان لا بد أن يبدأ بتفصيل دين جديد على مقاسه، ومقاس أحلامه التوسعية، حتى وإن كانت على أنقاض أحلام الشعوب.

مثّل الربيع العربي وصعود تيار الإسلام السياسي للحكم في عدة مناطق عربية جرس إنذار خطير للإمارة المضطربة، والذي دفعها إلى تضييق حيز هذا التيار تدريجياً إلى أن يتلاشى بشكل كامل.

فالدولة المضطربة قدمت كل ما تملك سواء من جهد ومال ودعم عسكري لتقضي على العائق الأول والأساس للحداثة ولتغييراتها الجذرية، وهو الإسلام السياسي، فقد تقمص حليف أمريكا محمد بن زايد الذي يقود حركة الارتداد على مكتسبات الثورات في المنطقة العربية، ارتدادات كان المستهدف في القلب منها كل ما يتصل بحركات الإسلام السياسي.

ولأن الدين يُعد مكوّناً رئيسياً في المجتمعات العربية لم يستطيع بن زايد التخلص منه بالكُليّة، لكنه اتجه نحو نمط ديني معاكس تماماَ لفاعلية التيارات الإسلامية المتحركة كما أشرنا سابقاً، ومتبنياً النهج الصوفي، المتسامح مع أي تغيير جذري تتبناه الحكومات، والذي لا تخرج خطاباته عن عباءة السلطة السياسية مهما ضاقت العباءة وخرجت عن محددات التشريع ومقاصد الدين.

وعلية فقد وجد بن زايد الجسر الذي سينقل به المجتمعات خارج تأثير الدين وفاعليته، الأمر الذي يتقاطع مع ما حرصت عليه الولايات المتحدة في نظرتها للإسلام، حيث سعت لإيجاد فكر ديني يتقاطع مع مصالحها، لتجد في الصوفية حليفا استراتيجيا لها في البلدان العربية.

وكعادة الإمارات التي تلاحق الخُطى الأمريكية أينما حطّت، فقد جاءت في مقدمة متبنّي التفكير الأميركي تجاه الإسلام، لتتبنى استراتيجية يمكن وصفها بـ “الإسلام الأمريكي”.

وبموازاة دعم الصوفية، وجدت الإمارات في اليسار الإسلامي خطّا فكريا وفلسفيا يساهم في تقويض الفكر الإسلامي الفاعل، وتجسد ذلك عبر مؤسسة “مؤمنون بلا حدود”، ولتصبح الصوفية واليسار الإسلامي، جناحيّ بن زايد لتفكيك شبكات الإسلام الفاعل وتجفيف منابعه عبر توليد خطاب جديد يصب في خدمة المصالح السياسية التوسعية للإمارات، والتي تتوائم مع التوجه الأميركي، مستندين في ركائزها على وأد ما يعرف بالإسلام السياسي.

وفيما يتصل باليسار الإسلامي وتيارات الحداثة، تقول بينارد: “يُعد الحداثيون -من الناحية الأيديولوجية- أجدر وأوثق الفئات بحمل رسالة تطوير الإسلام الديمقراطي ونشرها، ولكنهم، على أرض الواقع، يعملون تحت ضغط عدد من المعوقات تُضعف من فعاليتهم”، ولتلافي هذا الضعف لا بد من خلق ظهير صوفي مُتسامح مع الإسلام تُريده أميركا.

يظهر جليّا بذلك، تقاطع رؤية بن زايد مع الولايات المتحدة، وبهذه النسخة الخاصة من الدين، استطاع بن زايد تروجيها داخليا بما يتقاطع مع ما أسماه “المصلحة الوطنية” بترسيخ خطاب ديني “متسامح” بحد وصفه، وليتقاطع في مآلاته مع مشروعه التوسعي الخارجي باعتباره ساعيا لنشر هذا الفكر على الصعيدين الإقليمي والدولي. الأمر هنا يشابه تماما التبريرات التي سردتها أميركا لغزو العراق تحت غطاء نشر الديمقراطية.

إمارات الانقلابات

تمحورت إنجازات محمد بن زايد في عدائه للإسلام السياسي، والذي لم يكن منحصرا في العداء الفكري فقط، بل امتد لوأد أحلام الشعوب، مطبقاً النظرية الروسية الشهيرة “ما لا تستطيع إنجازه بالعنف؛ تستطيع إنجازه بعنف أكبر” ولكن النظرية الروسية بحسب وصفة “الشيف” بن زايد، كانت مكوناتها بالصيغة التالية “ما لا تستطيع إنجازه بالمال، تستطيع إنجازه بمال أكثر، وأسلحة أكثر كذلك”.

اتجه بن زايد لتطبيق هذه الفكرة عبر دعمه الانقلاب في مصر على الرئيس المنتخب محمد مرسي، ودعم قوات خليفة حفتر في ليبيا المحسوبة على نظام معمّر القذافي الذي ثار عليه الليبيون.

كما حرص ولي عهد أبو ظبي منذ بدايات الثورة السورية للتمسك برموز بشار الأسد خوفا من صعود طبقة سياسية إسلامية تُعيد إحياء هاجس الإمارات الكبير.

ولم تسلم اليمن كذلك من هواجس بن زايد، ليشارك في قوات عسكرية ضخمة مع مساعيه لتمزيق اليمن الكبير عبر دعم الانفصاليين في الجنوب اليمني، وكذلك الحال في تونس التي صعدت فيها حركة النهضة عقب اندلاع ثورة الربيع، أولى شرارات الثورات الشعبية العربية.

كما لم ينس بن زايد ورقته الأهم للتقرب من إسرائيل، ليسعي بجهود حثيثة لتصفية القضية الفلسطينية ودعم ما يُعرف بصفقة القرن.

ولم يكن حصار قطر، سوى حلقة أخرى من مسلسل هواجس أمير الانقلابات، ليوجه عبر لسان وزير خارجيته عبد الله بن زايد رسائل مفادها أن حصار قطر جاء نتيجة مواقفها السياسية التي تدعم الإرهاب.. والإرهاب هنا بحسب وجهة نظر بن زايد، فالإسلام السياسي كله إرهاب ينبغي وأده.

لم يكتفِ بن زايد بذلك، فالاعتقالات الداخلية كان دأب القوات الأمنية الإماراتية الدائم، والمستمر، والذي سيمتد بالتأكيد تجاه أي ظهور إسلامي خارجٍ عن مسارات السلطة، لأنه يرى بأن تلك الفئة تشكل خطرا مركزيا وتقف عائقاً في طريقه نحو التحديث والتغيير، وبالأساس، تجاه وجوده على كرسي الحكم.

فقد ترسّخت جذور الكراهية وازدادت حدتها تجاه الإسلام ومآلاته لدى بن زايد منذ اكتشاف النفط في الإمارات، في تلك الفترة، كانت الأوضاع تحت السيطرة، حتى قرر بن زايد بأن مشروع التحديث الذي خطط له يجب أن يمر من فوق الإصلاحيين وليس من جانبهم، حيث اعتبرهم عائقاً أمام الأبراج والأنفاق وعمليات التحديث التي لا بد أن يصاحبها تغيرات اجتماعية على صعيد تحول الفكر باتجاه الغرب، ليرى في الإسلاميين عدوه الأول، نظرا لما يحملونه من أيديولوجية وتنظيم يختلف في تصوراته ونظرته عن الحياة السياسية والاجتماعية عن تلك التي تتبناها الدولة، ليزاداد الكره ويتنامى، للحد الذي جعل السفير البريطاني السابق في الإمارات “السير جون جينكز” يذكر، بأنه “لا يوجد أحد في العالم يكره الإخوان المسلمين ويرغب بالتخلص منهم كمحمد بن زايد”.

ووفق هذه الهواجس الإمبراطورية التي لا يمكن أن يبنيها إلا على أنقاض مخالفيه، حتى مخالفيه المتوهمين، فقد قرر ولي العهد منذ بزوغه، أن يتبنى نسخته الخاصة من الإسلام، متمثلة في أن يكون الدين منحصرا في المسجد فقط وبحدٍّ معين منزوع الفاعلية والتأثير في الحياة العامة، وأن يفرض هذه النسخة على دول المنطقة، حتى تلك التي تخالف توجهات شعوبها، ولتتماشى مع أهدافه وأهداف الإدارة الأمريكية.