موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: التمييز يهدد المجتمع في الإمارات

132

يدعو بعض المثقفين في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى اعتماد رواية أكثر شمولية لتاريخ الدولة. ويقول هؤلاء إن الإمارات العربية الخليجية دأبت على التركيز على الإرث البدوي العربي، وإنها تهمل وتتجاهل في كثير من الأحيان مساهمة الجاليات غير العربية في تطور الإمارات وبنائها، سواء كانت هذه الجاليات فارسية أم بلوشية أم افريقية أم هندية.

ففي دولة الإمارات على سبيل المثال، تتعمد الرواية المعتمدة رسميا والمعادية لإيران تجاهل أهمية الدور الذي لعبه الإيرانيون – والمواطنون الإماراتيون ذوو الأصول الإيرانية – في الحياة الثقافية والاقتصادية والفنية في البلاد.

بدون شك، كانت تغطية وسائل الاعلام العربية في الفترة الأخيرة لمسألة الهوية القومية متأثرة إلى حد بالنزعة القومية العربية والفارسية، والصراع السعودي الايراني الذي تلا الثورة الاسلامية في إيران عام 1979، إضافة الى كتابات المفكرين العرب في العصور الوسطى والانقسام السني الشيعي وانبثاق الدول القومية.

المحظورات والخطاب الاستقطابي

ليس هناك في الإعلام العربي إلا إشارات قليلة إلى التاريخ المشترك بين الأمتين العربية والفارسية، ولكن في وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، وخصوصا في ردود الفعل على أحداث بعينها، يمكن الكشف عن المزيد عن هذا التاريخ المشترك.

فعلى سبيل المثال، تسبب الخلاف حول الجزر الواقعة في مضيق هرمز، التي تسيطر عليها ايران وتدعي الامارات ملكيتها، في ارتفاع حاد في شدة الخطاب في تشرين الأول / أكتوبر 2017، عندما عُينت سارة الأميري ذات الأصول الإيرانية وزير دولة للعلوم المتقدمة في دولة الإمارات.

وفي محاولة واضحة للتشكيك في ولاء سارة الأميري لدولة الإمارات، ركز حساب على تويتر يتناول أخبار الإمارات على أصولها العرقية وأشار إلى إحتفاء الإعلام الإيراني بتعيينها. وجاء في تغريدة نشرت عبر ذلك الحساب: “كيف يسعنا تحرير الجزر التي تحتلها إيران وتعيين سارة الأميري وزيرة للعلوم المتقدمة؟ هل عجزت بلادنا في العثور على بديل لها من مواطنينا؟”.

وكانت آراء مماثلة قد انتشرت في عام 2009 على شكل رسائل نصية تلت تعيين ثلاثة وزراء من ذوي الأصول الإيرانية منهم أنور قرقاش الذي ما زال يشغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية.

يذكر أن التمييز ضد الإماراتيين من ذوي الاصول الايرانية – والذين يطلق عليهم لقب “العجم” – ما زال منتشرا على نطاق واسع في دولة الإمارات.

وشهدت دولة الإمارات مبادرات عدة تهدف إلى التصدي لهذا التمييز. فقد شجعت المنابر الإلكترونية النسوية الإماراتية المواطنين على تجاوز هذا التمييز وتزويج بناتهم للأعاجم. ولكن الضغوط الهادفة إلى التأقلم مع النظرة العامة والرسمية حول الدين والخلفية القومية ما زالت واضحة في وصف هذه المنابر للعجم على أنهم عرب سنة.

وتحتوي منابر إلكترونية أخرى على كتيبات تدل قراءها على كيفية التعرف على العجم من طريقة تحدثهم وشكلهم الخارجي، مؤكدة على أن العجم يحرصون على إخفاء أصولهم.

إن التهجم على الأصول الإيرانية المزعومة لخصم سياسي ما تعد ممارسة مألوفة في الاعلام العربي الخليجي. ففي مقابلة تلفزيونية أجريت في حزيران / يونيو 2016، أكد حاكم إمارة الشارقة، سلطان بن محمد القاسمي، على “الأصول الإيرانية” للقبيلة التي ينتمي اليها رئيس اليمن السابق علي عبدالله صالح ليس لشيء الا للتركيز على “التواصل التاريخي” لتحالف صالح مع ايران ضد دولة الإمارات.

مصدر هذا الرواية هو أحد شيوخ قبيلة القواسم التي تحكم أيضا إمارة رأس الخيمة الإماراتية. ففي الفترة الواقعة ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وبفضل تحالف هذه القبيلة مع قائد للبحرية الفارسية،تمكنت من السيطرة أيضا على ميناء بندر لينغه الواقع على البر الإيراني والذي كان يتميز بتنوع ديني ولغوي وأثني.

وكان نفوذ القواسم قد تعاظم نتيجة للنشاط التجاري المتنامي بين ضفتي الخليج. ولكن، ورغم هذا التاريخ الثري، ما زال البحث في إرث الروابط الحضارية والاقتصادية بين العرب والفرس موضوعاً محظوراً في الإعلام العربي الخليجي.

وفي الضفة الأخرى من الخليج، الضفة الإيرانية، ما زال الإعلام الإيراني الناطق بالعربية يهاجم أعداء ايران في دولة الإمارات عبر التركيز على أصولهم الفارسية وخصوصا إذا اعتمد هؤلاء خطابا عربيا مشبعا بالروح القومية.

ولكن وسائل الإعلام هذه نفسها تؤكد في الوقت ذاته على عروبة حلفاء إيران الإقليميين – الذين يصفهم الإعلام العربي الخليجي بالفرس.

تتوافق هذه التغطية الإعلامية مع الخطاب الديني السائد في إيران اليوم، والذي يقلل من أهمية الإختلافات الإثنية والعرقية. ولكن المشاعر القومية الفارسية ما زالت تلعب دوراً مهما في الخطاب الإعلامي باللغة الفارسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

كما يعد موضوع منح الجنسية الإماراتية موضوع خلاف في الإعلام العربي الخليجي.

فالقوميون العرب يطالبون بمنح الإيرانيين العرب من سكان الأحواز والمقيمين في دولة الإمارات الجنسية الإماراتية، ويقولون بضرورة أن يمنح هؤلاء أفضلية على الإيرانيين الفرس المقيمين في البلاد. يذكر أن سكان الأحواز – أو خوزستان – يشتكون من تمييز يمارس ضدهم في إيران.

ففي مقابلة تلفزيونية أجريت معه في أيار / مايو 2012، ادعى محمود الأحوازي، أحد قادة الجبهة الشعبية الديمقراطية لعرب الأحواز، بأن غالبية الإيرانيين الذي منحوا الجنسية الإماراتية هم من الفرس.

وبموجب المادة 17 من قانون الجنسية وجوازات السفر الذي دخل حيز التنفيذ في دولة الإمارات عام 1972 منحت الجنسية الإماراتية للايرانيين الذين كانوا يقيمون في الامارات المتصالحة (التي كانت واقعة تحت الحماية البريطانية) قبل عام 1925 أو قبل استقلال دولة الإمارات في عام 1971.

ولكن الإيرانيين الذين توافدوا على الإمارات من المدن الإيرانية الكبرى إبان فورة النفط التي شهدتها دبي لم يتمكنوا من الاستفادة من شروط منح الجنسية التي توقفت بشكل نهائي تقريبا. وعمّق ذلك شقة الخلافات بين الوافدين الإيرانيين – الذين يبلغ تعدادهم اليوم نحو نصف مليون نسمة – من جهة، والمواطنين الإماراتيين من ذوي الأصول الإيرانية من جهة أخرى.

تاريخ وهوية هجينان

مما لاشك فيه أن لإيران تأثيراً لغوياً ومعمارياً وفنياً واقتصادياً واضحاً في دولة الامارات.

فزيارة إلى أي متحف محلي في الإمارات يظهر بوضوح كيف كانت البلاد تبدو قبل اكتشاف النفط. وحتى ستينيات القرن الماضي، كان العديد من سكان دبي ما يزالون يعيشون في بيوت مشيدة من صخور الشعب المرجانية مثلهم مثل نظرائهم على الضفة الثانية من الخليج في ايران.

وفي الفترة الممتدة بين أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، شيد المهاجرون الإيرانيون أفخم المساكن في دبي وأدخلوا فيها خصائص وسمات معمارية فارسية واضحة، وعلى وجه الخصوص أنظمة التهوية العمودية.

المنطقة التي شيدت فيها هذه الدور، والتي كانت تعرف بالبستكية، تعرف اليوم بالفهيدي وتحتوي على مركز سياحي مهم في دبي.

يتم تصوير هذه السمات المعمارية المميزة غالبا للزائرين على انها جزء من تراث إماراتي حضاري دون أي ذكر للإسهامات غير العربية فيها.

يذكر أن للإيرانيين حضوراً متميزاً في المشهد الفني في دولة الإمارات، إذ تزخر الدولة بالعديد من المعارض الفنية العامرة المتأثرة بأحدث التطورات في الوسط الفني الإيراني المحلي.

ورغم التنافس الجيوسياسي في المنطقة، لا يسمح للفنانين الإيرانيين بالتعبير عن أي آراء معارضة لسياسات طهران من شأنها أن تؤثر سلبا في المصالح الاقتصادية المشتركة بين إيران ودولة الإمارات.

وفي أعقاب الاضطرابات التي شهدتها إيران في عام 2009، عمدت السلطات الإماراتية إلى حظر أي عمل فني إيراني ترى أنه حساس من الناحية السياسية.

كما ويعد الثقل الاقتصادي الذي تتمتع به الجالية الإيرانية المقيمة في الإمارات ذو أهمية كبيرة. ففي عام 2014، قدر مسؤولون إيرانيون الاستثمارات الايرانية في الخارج بنحو 700 مليار دولار أمريكي، منها 200 مليار في دولة الامارات.

وفي عام 2016، كانت الإمارات أكبر شريك تجاري غير نفطي لإيران وأكبر الدول المصدرة لإيران – وهو نشاط عاد على دولة الإمارات بحوالي 23.7 مليار دولار. وفي العام نفسه، كانت أكثر من 62 بالمئة من واردات دول مجلس التعاون الخليجي من ايران من نصيب دولة الإمارات.

ولكن الإيرانيين المقيمين في دولة الإمارات، ونتيجة للعقوبات الأمريكية والتوترات بين السعودية وإيران، يواجهون صعوبات متزايدة في الحصول على حقوق الإقامة وتجديدها وفتح حسابات مصرفية.

وبدأ المستثمرون الإيرانيون بالبحث عن أماكن أخرى في المنطقة لاستثمار أموالهم، رغم أن الحكومة الإيرانية كانت تعتمد لعقود عديدة على دبي بوصفها مركزاً مهما لتجاوز العقوبات الأمريكية، إذ كانت المنتجات الأمريكية يعاد تصديرها إلى إيران من خلال دبي، كما كانت الشركات التجارية التي تعد واجهات لشركات تسيطر عليها الدولة الإيرانية تجد لها ملاذا آمنا في دولة الإمارات.

الاحتفاء بالتنوع الاماراتي

عبر بعض الإماراتيين عن اعتراضهم علنا على الرواية الرسمية ذات اللون الواحد لتراثهم. فقد حللت رنا المطوع، طالبة الدكتوراة في جامعة اوكسفورد، كيفية تصوير تاريخ الإمارات على أنه بدوي صرف بشكل عام دون الاكتراث بالمكونات غير العربية لهذا التاريخ.

وجاء في مقالها: “بينما تروج الدول الخليجية (العربية) لخطاب يركز على التجانس من أجل خلق (مجتمع متخيّل) ينصهر في بوتقته جميع السكان، تروج في الوقت ذاته لمفهوم ضيق ومتزمت للهوية يستثني جزءاً كبيراً من تكوين الدولة الاجتماعي والعرقي والتاريخي”.

أما سلطان سعود القاسمي، وهو مثقف إصلاحي وأحد أفراد الأسرة الحاكمة في الشارقة، فقد انتصر باستمرار لتنوع المجتمع الإماراتي، مركزا على مساهمات غير العرب من سكان الدولة في النمو الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته. كما طرح مبادرة جريئة تطالب بمنح المقيمين لفترات طويلة الجنسية الإماراتية.

كما أطلق فنانون برامج ومبادرات في هذا الاتجاه، منهم حيدر محمد الذي أطلق برنامج “كارتون شعبيات” في عام 2006 وما زالت تبثه قناة سما دبي التلفزيونية، وهو برنامج يشيد بالتنوع الحضاري في دبي. وشخصية البرنامج الرئيسية، شامبي، هو إماراتي من أصول إيرانية. وفي واحدة من حلقات البرنامج، يحاول وبأسلوب فكاهي إثبات أصله العربي بتغيير اسمه وترديد قصائد بدوية.

ولكن تناول شعبيات للمحظورات الإماراتية لم تنج من النقد. ففي عام 2011، أثارت حلقة تلفزيونية توترات عرقية في وسائط التواصل الاجتماعي الإماراتية تضمنت هجمات شخصية على حيدر محمد وتناول بعضهم ما وصفوه أصوله الإيرانية”الهجينة”.