موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: انحسار متزايد لحلف الثورات المضادة بقيادة الإمارات

223

يواجه حلف الثورات المضادة للربيع العربي بقيادة النظام الحاكم في دولة الإمارات ويضم السعودية ومصر انحسارا متزايدا بعد أن أصبح مشغولا بمشكلاته المصيرية وحروب الداخل والخارج.

وتقود الإمارات منذ ظهور ثورات الربيع العربي عام 2011 مؤامرات خبيثة لوأد أحلام الشباب العربي والتصدي لكل أمل يحيا من جديد، مع كل موجة من انتفاضات العرب، وثوراتهم المستمرة.

وتجددت منذ أشهر موجة ثانية من الربيع العربي فانتفض الثور من جديد في العراق ومصر ولبنان والجزائر، في وقت اختارت فيه تونس رئيسا جديدا في حدث ديمقراطي عربي استثنائي.

في المقابل ظهر تحالف دعم الثورات المضادة للشعوب العربية يتآكل، وينشغل بهمومه الداخلية الكبيرة، ومعارك يرقى بعضها إلى حروب المصير، بحيث بات يمر بمأزق حقيقي، لأن هناك تصدعا داخل هذا التحالف، يهدّد بانفراط عقده في أي لحظة.

وأهم من كل ما سبق، نجاح تونس، السابقة دائما، في بناء ديمقراطية ما بعد الاستبداد والفساد. وانفجار الربيع العربي في بلدين جديدين وكبيرين؛ الجزائر والسودان، وإطاحته رأسي النظام في البلدين.

وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها دعاة التغيير فيهما، ومحاولة الثورات المضادّة الالتفاف على الثورتين، من خلال دعم قيادات استبدادية بديلة، إلا أن الثورتين الجزائرية والسودانية، دليل على أن التغيير في بقية الدول العربية مسألة وقت.

وعندما تنجح الثورة في هز أركان النظام القائم، تواجه الكثير من التحركات التي تحاول استعادة أوضاع ومصالح ما قبل الثورة، وهذه التحركات هي الثورة المضادة والتي تهدف إلى إبطال ما أحدثته الثورة من تغيرات في الأوضاع السياسية والديموقراطية وأحيانًا العسكرية.

وقد قوبل الربيع العربي في كل دولة من الدول الأربعة: تونس ومصر وليبيا واليمن بثورات مضادة استطاع بعضها تحقيق انقلابات على ثورة الربيع مثلما حدث في مصر وليبيا وما يُخطط له أن يحدث في اليمن.

وهذه الثورات المضادة لا تتلقَّى دعمًا داخليًّا فقط بل دعمًا خارجيًّا أيضًا من بعض الأنظمة الخليجية التي تخشى أن ينهي الربيع العربي حكمها، وبالأخص السعودية والإمارات، أما السعودية فغرقت أكثر في حروبها مع إيران في سوريا واليمن، بالإضافة إلى مشكلاتها العائلية والانقلابات الداخلية التي تمت في قصر آل سعود مؤخرًا.

وقد قسم الربيع العربي الدول العربية إلى ثلاث فئات: دول الثورات، ودول الثورات المضادة، والدول التي تعيش مرحلة التحول ونموذجها السودان والجزائر.

وتظهر دول الثورات في حالة احتراب كما هو الحال في اليمن وسوريا وليبيا، بسبب الدور الذي أدته دول الثورات المضادة في تحويل مسار الثورة نحو الفوضى.

أقل ما يقال في توصيف الوضع العربي الراهن بأنه “ممزق”، كما يقول عبد الناصر الحمداني، الكاتب والباحث المختص بالشأن الخليجي “فالسعودية التي أسهمت في هذا التمزيق من خلال تفتيت مجلس التعاون الخليجي عبر كارثة حصار قطر، وعبر دعم الحروب في اليمن وليبيا، والوقوف في وجه طموحات الشعب المصري والتونسي بالتغيير؛ مزقت الجامعة العربية، وهي تحاول اليوم ترقيع ما مزقته من خلال جمع هذه الأشلاء وراء حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل”.

وقادت الإمارات جهوداً هدفت إلى حرمان الشعوب العربية من “الإنجازات” التي حققتها ثورات الربيع العربي، كما تذهب دراسة إسرائيلية صدرت عن مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية، بالإضافة إلى حرص نظامي الحكم في البلدين على القيام بخطوات هدفت إلى منع تفجر ثورات مماثلة.

وأوضحت الدراسة أن السعودية والإمارات عمدتا إلى محاولة تمكين الجيش والمؤسسات الأمنية، القوى التي تشكل “الدولة العميقة”، من احتكار زمام الأمور في الجزائر بعد تنحي بوتفليقة، مشيرة إلى أن نظامي الحكم في أبو ظبي والرياض حاولا الدفاع عن نظام البشير في السودان.

وقد بدأت الثورة المضادة بتحقيق “انتصارات واضحة” في عام 2013، مع الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب الراحل محمد مرسي.

ثم حققت انتصارات مهمة في كافة الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية، حولت فيها “الربيع العربي” إلى “ربيع” للأنظمة التقليدية في المنطقة بدلا من أن يكون ربيعا للشعوب.

بعد عزل محمد مرسي بأسابيع، أسقطت حكومة الترويكا المنتخبة في تونس. وبعدها بشهور تسيد الساحة السياسية التونسية حزب وليد من بقايا التجمع الدستوري الذي كان يقوده بن علي، حيث انتصر حزب “نداء تونس” في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في العام 2014 مؤذنا بتراجع القوى التي شاركت في النضال ضد نظام بن علي.

وفي اليمن أسقطت الشرعية التي أفرزتها ثورة عام 2011، وأعيد دور بقايا نظام علي عبد الله صالح بالتحالف مع الحوثيين عام 2014.

وفي سوريا خسرت المعارضة مواقعها واحدا تلو الآخر.

وسيطر اللواء المنشق خليفة حفتر على مساحة واسعة من جغرافيا وسياسة ليبيا مدعوما من نفس الدول التي ناصبت “الربيع العربي” العداء منذ بدايته.

تمكنت منظومة “الثورة المضادة”، إذن، من تحقيق كافة أهدافها تقريبا خلال عامين. لكن “التغيير هو سنة الحياة، فلماذا إذن تتعاقب الفصول؟”، كما سأل نجيب محفوظ في رواية “الحرافيش”.

كان انتصار الثورة المضادة مؤقتا، فبدأت تتراجع تحت وطأة عنصرين فاعلين: انشغال معسكر الثورة المضادة بمشكلاته الداخلية والخارجية الكبيرة، وبقاء أسباب الربيع العربي قائمة في ظل المزيد من قمع الأنظمة، وفسادها.

وقد التقت مصالح عدة دول على معاداة الربيع العربي منذ بدايته، وعبر موجاته المتتالية. وتصدرت القائمة 4 دول، هي الإمارات، والسعودية، وإسرائيل، وأمريكا دونالد ترامب.

كانت الإمارات هي الداعم الأكبر للثورات المضادة، وبالأخص الرجل المتحكم في كل شيء هناك: محمد بن زايد ولي العهد الحالي ووزير الدفاع السابق الذي يمتلك نظرة عسكرية بامتياز جعلته يفكر ويعتبر كل شخص يختلف مع الإمارات العربية سياسيًا أو عسكريًا هو “عدو”.

قائمة بن زايد للأعداء تضمُّ الكثير من الطوائف، بدايةً من داعش والإخوان المسلمين والنشطاء السياسيين المعارضين، وإيران، وبالطبع كل من ينتمي إلى ثورات الربيع العربي التي قد تهدد عرش آل زايد حال وصولها دولته.

لم ينتظر بن زايد الربيع العربي لكي يطرق أبواب الإمارات؛ بل شرع بكل ما يمتلك من قوة في السنوات الأخيرة لإجهاض الثورات التي مرت بالقطر العربي في مصر وليبيا وتونس اليمن، وذلك من خلال تدعيم صفوف قادة الثورات المضادة.

لدى عرّابي الثورة المضادة، هناك اعتقاد كبير أن الديمقراطية سوف تسلّم حكم بلدان الربيع لتيارات سياسية سوف تشكل خطرا على أمنها واستقرارها السياسي، واتفقت الإمارات والسعودية على كراهية الإسلام السياسي، خاصة السعودية التي تخشى صعود نظام إسلامي ينزع منها تلك الشرعية الدينية.

في البداية، كان الدور الإماراتي السعودي خفيا في قيادة حلف الثورة المضادة بسبب عوامل كثيرة، أولها غموض هذه الثورة وانقسام الشعوب وأنصار التغيير تجاهها بحيث كان من الصعب إقناع المواطن في مصر وسوريا واليمن ودول أخرى، بحقيقة الدور الذي يقوم به النظامان في أبو ظبي والرياض عبر الإقليم، وحقيقة نظم الثورة المضادة الجديدة.

لكن خطة حلف الثورة المضادة أصبحت مكشوفة، بعد أن تكرس دوره المعادي للثورات، بحيث باتت لا تخلو مظاهرة ضمن موجات الربيع العربي الجديدة خصوصا، في السودان والجزائر، إلا وتطالب بوقف أي تدخل تخريبي للإمارات والسعودية.

ولم يعد النجاح حليف نادي الثورات المضادة في العام الأخير. انتصرت تونس في اختبار الديمقراطية، واختارت البروفيسور قيس سعيد رئيسا، ونجح السودان في تغيير نظام البشير الدموي، واهتزت الشوارع بالهتافات الغاضبة من جديد في العراق ومصر ولبنان.

وفي ليبيا، توقفت قوات حفتر جنوب طرابلس، وباتت عرضة لخسائر متتالية.

وفي اليمن، خسر التحالف الذي تقوده السعودية سمعته العسكرية وهو يتلقى الهزائم، ويتعرض لهجمات مجهولة المصدر تصل إلى منشآت النفط، ويعطّل حصة من إنتاج النفط بالمملكة.

لكن لم يكن 2019 عاما سعيدا على قادة السعودية، فهو العام الذي وُلد في غبار جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، انتهى على مشكلات اقتصادية وأمنية، ناجمة عن حرب السعودية في اليمن.

ولم يكن سعيدا على صعيد التنسيق بين الرياض وأبو ظبي، فقد افتقر العزف المشترك إلى الانسجام في أكثر من ملف.

كان مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول حدثا مفصليا له ما بعده، وربما يعيد ترتيب أحلاف ومحاور المنطقة من جديد في ظل ضغط الرأي العام الغربي بشكل قوي لمعاقبة قتلة خاشقجي، وهو ما أدى إلى “صحوة الضمير” بين عدد من سياسيي الغرب الذين دأبوا على دعم ولي العهد السعودي مخافة أن تشملهم لعنة التواطؤ مع القتلة.

وقد حولت هذه الأزمة أحد أبرز وأهم عرابي الثورة المضادة، ولي العهد السعودي، خلال شهرين لا أكثر من مقتل خاشقجي؛ من زعيم حداثي يراهن عليه الغرب لحماية مصالحه في الشرق، إلى المشتوم الأول على صفحات الصحف الغربية في مختلف دول العالم، ومن بينها صحف تمثل جماعات ضغط وأقطابا كانت تراهن على محمد بن سلمان ويراهن عليها.

ومع انهيار وجهه السياسي انهارت أيضا أوجه كثيرة من الرفاه الذي بَشَّر به السعوديين.

وبعد 4 أعوام من الحرب، أصبح على السعوديين والإماراتيين الاهتمام أكثر بإيجاد طريقة للخروج من الحرب.

ومن المتصور أن السعودية لن تحتمل البقاء في الوضع الراهن، خاصة أن الضرر الذي عانت منه سمعة المملكة بدأ يؤدي إلى تدابير عملية، مثل القرارات التي اتخذها الكونغرس الأمريكي، وقرار ألمانيا وقف مبيعات الأسلحة إلى المملكة.

وبهذا فقد أصبح الألم الذي يسببه استمرار الحرب في اليمن أكبر من ألم الاعتراف بالهزيمة فيها.

وتزداد الشروخ الصغيرة في التحالف الإماراتي السعودي لتصبح شقوقاً وكسوراً، لدرجة أنها أثارت الشكوك في روابط التحالف بين السعودية والإمارات، وهما اثنتان من أثقل القوى السياسية والعسكرية في شبه الجزيرة العربية.

تغضب السعودية من دعم الإماراتي لحركة المنشقين الجنوبيين ضد حكومة اليمن برئاسة عبدربه منصور هادي، الذي كانت تحاول الإمارات استعادة سلطاته بالشراكة مع السعوديين منذ أن أطاح به الحوثيون في عام 2015، وكانت هذه ضربةً موجعة للحملة التي تقودها السعودية.

على الرغم من أن حركة أبوظبي كانت متوافقة تماماً مع تحركات الرياض دبلوماسياً وعسكرياً، بعد بداية التدخل الذي تقوده السعودية في عام 2015 لصالح حكومة هادي المعترف بها دولياً، أصبح جلياً منذ صيف 2018 أن المصالح الإماراتية والسعودية في الحقيقة لم تكن متطابقةً أبداً.

وطالما رأت السعودية كل شيء في ضوء صراعها مع إيران على السيادة الإقليمية.

ولذلك ترى دعم طهران للمتمردين الحوثيين تهديداً أمنياً كبيراً، وجزءاً من استراتيجيةٍ لتأسيس منطقة نفوذٍ وعداء على حدودها الجنوبية.

ونتيجة لهذا، واصلت السعودية الحرب باعتبارها جبهةً أخرى في الصراع الوجودي من نظرها، وطبقت سياسة الأرض المحروقة في اليمن، وهو ما أضر بالسكان المدنيين كثيراً، وكذلك البنية التحتية، وأنتج أزمةً إنسانية ومن الممكن أن يكون قد ورَّط الولايات المتحدة وموردي سلاح آخرين في جرائم حرب وفقاً لتقرير خبراء الأمم المتحدة المنشور في الثالث من سبتمبر/أيلول.

تتوقف السعودية الآن عند منعطف طرق صعب، لا هي قادرة على الاستمرار، ولا على إنهاء الحرب من طرف واحد. وربما كان هذا هو السبب في البحث عن وساطة مع عدوها الرئيسي، إيران، لتلتقط أنفاسها من جحيم الحدود الجنوبية، ومطاردات العداوة والصراع مع طهران وأذرعها في كل المنطقة.

لكن الإمارات ترى الأمر على نحوٍ مختلف. إذ بدت أقل اهتماماً بتحقيق هزيمة للإيرانيين وحلفائهم من الحوثيين، واكتفت بتحقيق مكاسب محدودة معينة.

فبسبب إدراكها لبعض الحقائق الاقتصادية، والقرب الجيوسياسي من إيران، كان عليها أن تتخذ حلاً أكثر عملية في التعامل مع طهران. وأرادت أبوظبي على وجه التحديد منع سقوط الميناء الجنوبي في عدن في قبضة القوات الحوثية، وبالتالي تهديد خطوط الشحن عن طريق باب المندب، الذي تعتمد عليه المصالح الإماراتية كثيراً.

وتواجه العلاقات السعودية الإماراتية بعض التوترات بسبب الطريقة التي تم بها قتل الصحفي السعودي الذي يعيش في أمريكا جمال خاشقجي داخل السفارة السعودية في إسطنبول بتركيا.

ففي حين كان زعماء الإمارات يعلنون دعمهم لوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يعتقد الكثير أنه من أمر بالقتل، بدا أنهم يعيدون التفكير في مدى حكمة ارتباطهم الوثيق بقيادته وسياساته.

فبعد امتطاء ظهر السعوديين لبلوغ النفوذ في واشنطن، وبعد الاستفادة من العلاقة الوثيقة بين محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد، بدأ قادة الإمارات في القلق من أن سُمعتهم قد تتلطخ بعد انخفاض الرصيد السعودي في واشنطن.

وبالتالي، بدأوا في التنصل بهدوء من محمد بن سلمان ونظامه.

في هذه الأثناء استمرت الثورة العربية المضادة في منحنىً تصاعدي سريع وخطير، وصل إلى ذروته بصعود دونالد ترامب إلى سدة الحكم في أميركا في 2017.

ويبدو أن هذا الحدث أخرج الثورة المضادة عن عقالها، وجعلها تتخلى عن أي محاولةٍ للتخفي أو الحذر.

منذ صعود ترامب، تحولت الثورة المضادّة نحو إسرائيل واليمين المتطرّف بشكل فاق التصور، وجعل دولها، وفي المقدمة السعودية والإمارات، تخسر كثيراً من دعم الجماهير العربية التقليدي لهما.

ودعم الجماهير لا يهم كثيرا، إذا كان “الصديقان” في أميركا وإسرائيل رهن المساعدة والدعم. لكن “الصديقين” أصبحا خارج نطاق الخدمة، لأسباب هناك، خاصة بكل منهما.

فبعد صعود ترامب، صمتت نظم الثورة المضادّة على نقل ترامب سفارة بلاده إلى القدس، وتعاونت مع إدارته في ما “صفقة القرن”، التي رفضها الفلسطينيون، بمختلف توجهاتهم.

الحماية التي وفرها ترامب لنظم الثورة العربية المضادة دفعها إلى التوحش داخلياً وإقليمياً، فاغتال مسؤولون سعوديون كبار الكاتب جمال خاشقجي، وقام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بتعديل الدستور بما يسمح ببقائه في السلطة أكثر من مدتين، وواصل ضغطه على المجال العام باعتقال عشرات الآلاف من الناشطين والمعارضين من كافة ألوان الطيف السياسي.

لكن ترامب يواجه الآن مقصلته الداخلية، وهي إجراءات محاسبته وربما عزله على خلفية مكالمته مع الرئيس الأوكراني.

ترامب الذي ظل يهرب من ضغط مهام الرئاسة بعدم القيام بهذه المهام وإهمال حتى أجندته، كما وصفته كاتبة أمريكية، لم يتقن سوى تمجيده المستمر لذاته. وقد كان انخفاض معدل البطالة إلى مستويات قياسية، والازدهار المستمر لسوق الأسهم، والتغيير في السلطة القضائية، من اللحظات المريحة التي ساعدته على الصبر، لكن من السهل افتراض بدء العد التنازلي من الآن مع قضايا أوكرانيا وأكراد سوريا.

تعاونت نظم الثورة المضادّة بشكل علني غير مسبوق مع إسرائيل، حيث تم استقبال مسؤولين إسرائيليين بشكل متكرر في الإمارات. وسمح نظام السيسي للطيران الإسرائيلي بضرب أهداف في سيناء.

وتقاربت السعودية بشكل غير مسبوق مع إسرائيل التي باتت تدافع بقوة عن سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وأخطائه، وهو الذي صعد سياسياً بدعم أميركي.

لكن إسرائيل أمضت عام 2019 تقريبا في غمار أزمة سياسية انتخابية. والآن يواجه رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، اتهاماتٍ بالفساد، أعجزته عن تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات الأولى، واضطرته إلى إعادتها.

وفشل في حسم الانتخابات الثانية في سبتمبر/ أيلول، بعد أن فشل في تشكيل حكومة خلال الجولة الأولى في شهر نيسان/أبريل 2019.

وأصبح من المرجح أن تخوض إسرائيل غمار انتخابات تشريعية ثالثة، في ظل مؤشرات على عجز كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومنافسه بني غانتس، عن تشكيل ائتلاف حكومي جديد.

هي موجة جديدة من الربيع

هناك ثلاثة بلدان، هي اليمن وسوريا وليبيا، تجاوزت حالة الاضطراب وتمضي نحو مستقبل مجهول.

كان الآخرون هادئين خلال العام الماضي: السعودية والإمارات وبعض جيرانهم. لكن الدول الباقية شهدت احتجاجات كبيرة ضد  نقص فرص العمل، وانتشار الفساد، وسوء الإدارة. نتحدث عن الجزائر وتونس ومصر والسودان ولبنان والأردن والعراق.

بالقياس إلى عدد السكان، فإن حوالي ثلاثة أرباع المنطقة قد شهدت اضطرابات بسبب المظالم الاقتصادية خلال العام الماضي. هذا ليس أمرا هينا بهذه المنطقة من العالم.

إن قرار النزول إلى الشوارع قرار خطير، كما يبدو من مقتل العشرات في مظاهرات العراق، واعتقال المئات في مظاهرات مصر.

ليست كل الاحتجاجات الأخيرة لأسباب اقتصادية بشكل واضح، لكن بعض الشعارات تختبئ وراء شعارات تحسين الحياة، شعارات تطالب بالحرية والديموقراطية، وتحسين مستوى المعيشة والخدمات الحكومية.

أعادت الاحتجاجات الجديدة ذكريات الربيع العربي الذي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2011، مما دفع العديد من الناس إلى التساؤل عما إذا كنا نشهد موجة ثانية من الربيع العربي، كما تذهب دراسة مركز الأبحاث البريطاني Chatham House.

الجواب المباشر هو: نعم، ولكن نتيجة هذه الاحتجاجات لم تُعرف بعد.كانت الانتفاضات العربية لعام 2011 أربع خصائص رئيسية:

الانتشار على امتداد البلاد بالكامل.

الاستمرار وقتا أطول من المعتاد.

الارتباط بمطالب واحتجاجات ذات طابع سياسي.

حركة عفوية لكنها تتسم بالتنسيق والترابط.

وهذا ما يحدث في هذه الموجة الجديدة.

وهي موجة حتمية مثل توابع الزلازل، لأن أسبابها في غاية الوضوح.

السبب الأول هو انشغال نادي الثورة المضادة بمبارياته الخاصة.

والسبب الثاني هو أن أسباب الربيع الأول ما زالت قائمة ويبقى هو الخيار الوحيد المتاح

الدعم الغربي للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط قصير النظر ويمثل فشلاً في التعلم من أخطاء الماضي.

على الرغم من أن بعض تلك الأنظمة العربية الاستبدادية قد تبدو مستقرة، إلا أنها ذات أسس هشة، مما يجعلها عرضة للانهيار المفاجئ، ويفتح الطريق أمام انتشار الفوضى في المنطقة، كما كتب عبد الرحمن منصور الناشط المصري وأحد قادة العمل الثوري في مصر 2011.

ربما يكون الربيع العربي قد خفت في مصر واليمن وليبيا بفعل خليط من القمع والعنف، فضلا عن التدخل الإقليمي والدولي غير المسبوق. إلا أن الشعوب العربية لا تزال قادرة على إيجاد طرق سلمية للتعبير عن غضبها، ولن تجدي محاولات التخويف التي تمارسها السلطات لمنعهم من المطالبة بحقوقهم.

يواصل العرب البناء على الموجة الأولى من الانتفاضات العربية في 2011.

ويبقى الحراك الشعبي السلمي هو الخيار الوحيد المتاح لمواصلة النضال من أجل الديمقراطية في المنطقة.

ولسوف تستمر الثورة المضادة في العالم العربي في فقدان قوتها، كما سوف تنهار في نهاية المطاف تحت وطأة هذه الحركات.