موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحليل/ الوجود الإماراتي في جنوب اليمن يترسخ ويهدد جغرافية البلاد

180

إذا أردت أن تعرف تأثير الوجود الإماراتي بجنوب اليمن ، عليك أن تذهب إلى مدينة المكلا الساحلية، لن تصدق أنها مدينة يمنية، إذ تتوهج كالجوهرة وسط حرارة أغسطس/آب، وتعيش حياة مختلفة عن باقي اليمن.

تقع منازلها ومساجدها البيضاء القديمة بين الجبال الوعرة ومياه المحيط الهندي الكريستالية، كما لو كانت مختبئةً بينهما. وعلى أرصفة طرق المدينة المتهالكة، هناك مجموعة من أصحاب الأكشاك والصيادين الذين يرتدون «المعوز» الملون يبيعون سلعهم.

لكنَّ هذه الهمهمات الهادئة في السوق التي تشير لعودة الحياة الطبيعية إلى تلك المدينة الواقعة في جنوبي اليمن، تناقض الماضي القريب للمدينة، حسب وصف آدم بارون الزميل الزائر بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في تقرير نشره بمجلة The Atlantic الأميركية. فقبل عامين فقط، كانت المكلا خاضعةً للقبضة القوية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

حين اجتاح تنظيم القاعدة المكلا، في 2 أبريل/نيسان 2015، كان اليمن ينهار. فقد سيطر عليه الحوثيون، وهم مجموعة متمردة زيدية شيعية، ما دفع تحالفٌ تقوده السعودية والإمارات العربية المتحدة لإطلاق حملةٍ عسكرية لدحرهم وإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة المعترف بها دولياً.

وحين دخل التنظيم المدينة، وقفت القوات اليمنية في المحافظة مكتوفة الأيدي أو فرَّت، تارِكةً إيَّاها للمسلحين. وبمجرد أن استقرَّت الأمور، ثبَّت التنظيم نفسه، وجمع رسوماً جمركية، ونصب محاكم شرعية، ونفَّذ إعداماتٍ علنية، بل ونظَّم عروضاً لأفلامٍ جهادية الطابع وسط المدينة.

لكن فيما بسط التنظيم سلطته في المكلا، كانت الخطط جاريةً بالفعل لإنزال هزيمةٍ مفاجئة به. وقال مسؤولون إماراتيون عسكريون تحدَّثوا لكاتب التقرير شريطة عدم الإفصاح عن هوياتهم، في أغسطس/آب الماضي، إنَّ قواتهم بمجرد أن طردت الحوثيين من عدن ومأرب في 2015، وجَّهت أنظارها إلى المكلا.

جَمَعَ الإماراتيون وحلفاؤهم قوةً قوامها 12 ألف شخص من المقاتلين القبليين من محافظة حضرموت اليمنية، واستدعوا القائد العسكري اليمني فرج سالمين البحسني من منفاه للمساعدة في تدريبهم.

وفي أبريل/نيسان 2016، نجح هجومٌ متعدد المحاور شنته القوات اليمنية البرية بدعمٍ إماراتي من طرد القوات المتحالفة مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من المكلا في ظرف أيامٍ فقط. وتخضع مدينة المكلا حالياً إلى سيطرة قوات النخبة الحضرمية، وهي قوات مدعومة من الإمارات.

ما كشفته المكلا هو أنَّ الإمارات طرفٌ مهم للقضاء على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وإعادة بناء وإرساء استقرار مناطق مثل المكلا. لكن في ظل غموض حجم الطموحات الإماراتية في اليمن، يتواصل نمو قلق بعض الأوساط من الآثار طويلة المدى للوجود الإماراتي في البلاد.

وصف مسؤولون إماراتيون في مقابلةٍ الهجومَ المستمر على الحوثيين والعملية ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب باعتبارهما جبهتين متلازمتين في الحرب الإماراتية الأوسع ضد التهديدات الإقليمية. لكن في حين انحدرت الحرب ضد الحوثيين إلى حالة من الجمود الدموي، تحوَّلت المعركة ضد القاعدة إلى شيءٍ مختلف تماماً: سلسلة من العمليات الخاطفة التي جعلت أقوى أفرع تنظيم القاعدة في حالة تقهقر، على الأقل حتى الآن.

وفي عمليات مكافحة الإرهاب تلك، التي تقودها الإمارات، بدا أنَّ الإماراتيين وشركاءهم اليمنيين لا يمنحون الأولوية للعمل العسكري فقط، لكن أيضاً لإرساء الاستقرار. وحتى حين نجحت الجهود السابقة من جانب القوات اليمنية لطرد القاعدة، فإنَّها فشلت في القضاء على الظروف التي سمحت لها بالسيطرة في المقام الأول.

ففي مناطق مثل جعار وزنجبار، كان غياب مساعدات إعادة الإعمار والتنمية ونقص الخدمات الحكومية يعني بقاء المنطقة مهمشة. وأخبرني بيتر سالزبري، الزميل بمعهد تشاتام هاوس للأبحاث في لندن، بأنَّ «القاعدة رحلت، لكن لا شيء تغيَّر»، في إشارةٍ إلى تداعيات هجمات مكافحة الإرهاب السابقة. وأضاف: “في الواقع، أصبح الأمن والحكم المحلي في بعض الحالات أسوأ”.

أمَّا في المكلا، فمنح المسؤولون الإماراتيون الأولوية لاستعادة الخدمات الأساسية، ودعم مؤسسات الدولة، وإعادة إنعاش الاقتصاد المحلي، وهي الجهود التي يبدو أنَّها ناجحة حتى الآن. وما ساعد في ذلك أنَّ المكلا خرجت من المعركة ضد المسلحين المتطرفين سالمةً نسبياً، بعكس مدنٍ كالموصل في العراق، والرقة في سوريا.   وساعد ذلك في تخفيف انتقالها من ملاذ للإرهابيين إلى ما يُمثِّل في السياق اليمني الحالي منطقةً مستقرة نسبياً ونشطةً اقتصادياً.

وأشار المسؤولون الإماراتيون كذلك إلى شراكةٍ واعدة مع رجال الأعمال المحليين. وإحدى نتائج هذه الشراكة تمثَّلت في التحسينات التي طرأت على ميناء المكلا، الذي تضاعفت حركة المرور فيه منذ تحرير المدينة من القاعدة بحسب مسؤولي الميناء.

ولفتوا كذلك إلى زيادة الهلال الأحمر الإماراتي مساعداته للمكلا والمناطق اليمنية المحررة الأخرى. ومن اللافت، بحسب  أشخاصٌ في المكلا، أنَّ أسعار الأراضي في المدينة وحولها في تزايد، في ظل ترقُّب الكثيرين زيادةً قادمة في الاستثمار.

لكنَّ الانخراط الإماراتي المتزايد في اليمن أصبح عُرضةً للانتقادات. إذ زعم تقريرٌ صدر مؤخراً عن “مجموعة الخبراء البارزين الإقليميين والدوليين بشأن اليمن”، وهي مجموعة مُفوَّضة من الأمم المتحدة مُكلَّفة بالتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، أنَّ بعض المعتقلين في السجون التي تديرها الإمارات محتجزون دون اتهام، ويتعرضون للتعذيب، وأدَّت هذه الحالات في بعض الأحيان إلى اعتصاماتٍ واحتجاجاتٍ صغيرة نظمها أقارب المعتقلين.

كما اتهمت منظمة العفو الدولية الإمارات والقوات اليمنية المتحالفة معها بتعذيب محتجزين في شبكة من السجون السرية بجنوب اليمن، وقالت إنه يجب التحقيق في هذه الانتهاكات، باعتبارها جرائم حرب.

وقالت منظمة العفو، في بيان أصدرته الخميس 12 يوليو/تموز 2018: إن عشرات الأشخاص تعرضوا “للاختفاء القسري” بعد “حملة اعتقالات تعسفية” من جانب القوات الإماراتية وقوات باليمن، أشارت المنظمة إلى أنها تعمل بمعزل عن قيادة حكومتها.

والوجود الإماراتي بجنوب اليمن قد يشعل الصراع، حسب إليزابيث كيندال، وهي باحثة أولى في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة أوكسفورد.

وأضافت: “أولاً، سيفاقم التوتُّرات داخل التحالف بين الإمارات وحكومة الرئيس هادي المدعومة سعودياً، التي وصف بعض أعضائها بالفعل الوجود الإماراتي بجنوب اليمن بأنَّه احتلال”.

ثانياً، سيخدم (الوجود الإماراتي بجنوب اليمن المفتوح) تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي أثار الشكوك حول طموحات الإمارات في السلطة والموارد في أنحاء الجنوب.

ثالثاً، قد يشعل خطوط التصدع القديمة بين الشمال والجنوب، فضلاً عن إثارة الغضب في مناطق مهمة بالجنوب لا تزال تقاوم فكرة انفصال الجنوب، التي يعتقدون أنَّ الإمارات تدعمها».

تدعم الحقائق على الأرض تحليل إليزابيث. ففي حين أنه واضح أن الإمارات أسَّست شراكةً بنَّاءة مع مسؤولين رئيسيين في حضرموت، تتعرَّض علاقاتها مع شخصياتٍ أخرى في الحكومة اليمنية للضغط أحياناً.

وينتقد الكثير من اليمنيين الإماراتيين لتقديمهم الدعم والمساعدة للميليشيات التي لا تدعم حكومة البلاد المعترف بها دولياً بصورةٍ كافية، بل تساهم في تقويضها بنشاط. وفي بعض الحالات، اتهموا الإماراتيين بالمشاركة في احتلالٍ فعلي لليمن.

وأثار الوجود الإماراتي بجنوب اليمن وفي كل البلاد عموماً رد فعلٍ عكسياً، في ظل إضعاف الفاعلين التقليديين، وتمكين الانفصاليين الذين كانوا في السابق مهمشين.

فعلى سبيل المثال، خسر أولئك المتحالفون مع حزب الإصلاح الإسلامي السُّنّي موقعهم في ظل النظام الجديد، الذي تأسَّس بعد تحرير المكلا.

كما تناولت صحيفة The Washington Post الأميركية ظاهرة قتل رجال الدين في جنوب اليمن، وقالت إن صفوان الشرجبي آخر رجل دين يُقتل في سلسلة من جرائم الاغتيال غير المحلولة. فقد قُتل ما يصل إلى 27 من رجال الدين خلال العامين الماضيين في عدن والمناطق المحيطة بها.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي بارز قوله  إنَّ بعض عناصر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات يُرجَّح أنَّها تقف وراء اغتيالات رجال الدين. واتهم دعاة يمنيون الإمارات والتحالف العربي بالوقوف خلف هذه الاغتيالات. ولكن الوجود الإماراتي بجنوب اليمن أثار حساسيات أكبر تتعلق بوحدة البلاد.

ويتطلَّع الكثير من اليمنيين في الشمال كذلك إلى الإماراتيين بارتياب. وهذا لأنَّ الإمارات عملت مع مجموعاتٍ داعمة للانفصال في الجنوب، الذي كان مستقلاً من قبل، ودرَّبتها.

في الواقع، يرفرف علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الذي يُمثِّل الجنوب المستقل فوق المكلا، وليس العلم اليمني. ولم يحقق الدعم الإماراتي الرسمي لاستمرار وحدة اليمن الكثير لتهدئة مخاوف اليمنيين من أنَّ الوجود الإماراتي بجنوب اليمن يمهِّد الطريق أمام تفكك اليمن.

في الوقت نفسه، تسبَّب انهيار العُملة اليمنية كذلك في خروج احتجاجاتٍ بأنحاء جنوبي اليمن، وخرقت التظاهرات الهدوء الذي كان قائماً من قبل في المكلا.

ويوفر الوجود الإماراتي بجنوب اليمن مبرراً لدعاية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب التي تُظهِر الإماراتيين باعتبارهم قوةً خبيثة لديها طموحات لاحتلال اليمن، وتُصوِّر الإمارات باعتبارها ليست أكثر من مجرد أداة في يد الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها، وأن الهدف النهائي هو الاحتلال الإماراتي لليمن.

والإماراتيون من جانبهم لم يخجلوا من تعاونهم مع القوات الأميركية الموجودة على الأرض في المكلا. إذ صوَّر السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، في مقالٍ له نُشِر مؤخراً مقتل صانع قنابل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إبراهيم العسيري، باعتباره ثمرة التعاون الاستخباراتي بين الولايات المتحدة والإمارات.

وكلما أبقى الإماراتيون على قوةٍ كبيرة على الأرض في اليمن، زادت فرص وقوع خطأ، وهو الأمر الذي يدركه المسؤولون الإماراتيون. وهم يُصِرُّون على أنَّهم سيبقون في اليمن “حتى القضاء على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كتهديدٍ إقليمي ودولي”، بحسب ما قال قائدٌ إماراتي لكاتب تقرير المجلة الأميركية.

لكن على أرض الواقع فإن الإمارات تمضي بمؤامرات لتقسيم اليمن ونهب موارده وثرواته من خلال نشر الفوضى والتخريب في البلاد التي أصبحت تعاني من أسوأ أزمة الإنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة.