موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

معهد أمريكي: نفوذ الإمارات تراجع بشدة في عهد بايدن

261

قال معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط إن نفوذ دولة الإمارات تراجع بشدة في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي لا يبدو متحمسا لعلاقات وثيقة مع أبوظبي.

وأشار المعهد في مقال للباحث غرانت روملي، إلى تعثر محادثات الإمارات مع الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا بشأن صفقة شراء أسلحة بقيمة 23 مليار دولار.

وكانت جرت المفاوضات بشأن الصفقة في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب، وشملت صفقة البيع ما يصل إلى خمسين طائرة مقاتلة من طراز “أف-35” وثماني عشرة طائرة بدون طيار من طراز “أم كيو-9 ريبر” وذخائر أكثر تقدماً بقيمة 10 مليارات دولار تقريباً.

وفي حالة اكتمال صفقة الشراء، ستصبح الإمارات أول دولة عربية في الشرق الأوسط تستخدم طائرات “أف-35″ و”أم كيو-9”.

وجاءت صفقة البيع في أعقاب “اتفاقيات إبراهيم” التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين الإمارات [والبحرين] وإسرائيل. وعندما تولى بايدن سدة الرئاسة، راجعت إدارته الصفقة ثم أعلنت في نيسان/أبريل الماضي أنها ستمضي فيها.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر، كرر مسؤول أمريكي بارز أن الولايات المتحدة ما زالت “ملتزمة” بصفقة البيع “بصورة كاملة”. ومع ذلك، حذّر مسؤولون في الإدارة الأمريكة مراراً وتكراراً أن الصفقة ليست مضمونة.

وكما أشار المسؤولون الإماراتيون علناً وسراً، نتج التوقف الحالي في المحادثات من “المتطلبات الفنية” و”القيود التشغيلية السيادية”، والتي لن يكون من السهل التغلب على أي منها.

المخاوف الأمريكية والعامل الصيني

يحظّر القانون الأمريكي مبيعات الأسلحة الأمريكية المحتملة إلى بلدان الشرق الأوسط، التي قد تقوض التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، ينص “قانون مراقبة تصدير الأسلحة” على أنه يجوز للمشترين المحتملين استخدام هذه الأسلحة “لأغراض محددة فقط، تشمل الأمن الداخلي، والدفاع المشروع عن النفس، والمشاركة في التدابير الجماعية التي تطلبها الأمم المتحدة أو المنظمات المماثلة”.

وتضيف هذه القيود درجة من التعقيد إلى كل صفقة أسلحة تبرمها الولايات المتحدة مع شركائها في المنطقة، ويبلغ التعقيد في هذه الحالة مستويات عالية نظراً لقدرات طائرة “أف-35” التي لا مثيل لها تقريباً والتاريخ الحديث لدولة الإمارات في التدخلات الخارجية في اليمن وليبيا والصومال.

وطغت على صفقة البيع أيضاً المخاوف الأمريكية المتزايدة بشأن علاقة أبوظبي الوثيقة بشكل متزايد مع الصين.

ومن منظور تقني، يلتزم مسؤولو الدفاع الأمريكيين جانب الحذر بشأن قدرات التخفي الفائقة التي تضطلع بها مقاتلة “أف-35،” وتكنولوجيا الاستشعار التي تملكها، والميزات الأخرى التي تضعها على رأس الترسانة العسكرية الجوية الأمريكية.

على سبيل المثال، تم استبعاد تركيا من برنامج مقاتلات “أف-35” بعد أن استلمت منظومة الدفاع الجوي الروسية من طراز “أس-400” التي صُممت جزئياً لهزيمة طائرات “أف-35” وغيرها.

كما حذّر مسؤولون أمريكيون مراراً وتكراراً من شبكات الهاتف المحمول الكثيفة من الجيل الخامس التابعة لشركة “هواوي” بالقرب من قواعد طائرات “أف-35” ومناطق تشغيلها، إذ يمكن استخدامها لتعقّب الطائرات والمشغلين وجمع المعلومات الاستخبارية بشأنهم دون علم الدولة المضيفة.

ومنعت بريطانيا، الشريك الرئيسي في برنامج مقاتلات “أف-35″، شركة “هواوي” من استخدام شبكات الجيل الخامس الخاصة بها، بسبب الضغط الأمريكي في المقام الأول. وسنّ شركاء آخرون سياسات تقييدية مماثلة أو اختاروا مزودين بديلين للجيل الخامس.

وتبقى كوريا الجنوبية الاستثناء الوحيد، إذ يرتبط اقتصادها وقطاع الاتصالات فيها ارتباطاً وثيقاً بالصين لدرجة تحول دون الفصل التام، حتى لأسباب أمنية (على سبيل المثال، أدى نشر منظومة دفاع جوي أمريكية هناك في عام 2017 إلى مقاطعة من السياح الصينيين كبّدت كوريا الجنوبية خسائر قْدِّرت بنحو 5.1 مليار دولار).

وفي حالة الإمارات وقّع مسؤولون في عام 2019 اتفاقية مع شركة “هواوي” لتزويد البلاد بالبنية التحتية لشبكة الجيل الخامس والشروع في بناء مئات الأبراج الخلوية.

وبالإضافة إلى القضايا التقنية، تشعر واشنطن بالقلق إزاء المسار الذي تسلكه أبوظبي في علاقاتها الأمنية والاقتصادية مع بكين.

ففي أوائل عام 2021، على سبيل المثال، أفرغت طائرة عسكرية صينية صناديق لم يُعرَف محتواها في الإمارات، وفي وقت لاحق من ذلك العام، قدّرت وكالات الاستخبارات الأمريكية أن الصين ربما تبني منشأة عسكرية سرية في ميناء خليفة في شمال أبوظبي.

وأصبحت الإمارات أيضاً إحدى أهم الشركاء التجاريين لبكين في المنطقة: في عام 2019، قدرت مجلة “إيكونوميست” أن ما يقرب من ثلثيْ الصادرات الصينية إلى أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط تتدفق عبر الإمارات.

بالإضافة إلى ذلك، صرح سفير الصين في الإمارات ني جيان في كانون الأول/ديسمبر الماضي أن “الاستثمار الصيني المباشر غير المالي” في الإمارات يمثل ما يقرب من 50 في المائة من إجمالي استثمارات بلاده في العالم العربي.

ويقلل المسؤولون الإماراتيون بانتظام من المخاوف من أن علاقاتهم الاقتصادية مع الصين تحول دون توثيق العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة.

ومع ذلك، يزداد حذر المسؤولين الأمريكيين عندما تُعرّض هذه العلاقات المنصات الأمريكية لخطر المراقبة.

وتشمل الاعتبارات التي لا بد لواشنطن من مراعاتها، السابقة التي قد تُحققها من خلال بيع طائرات “أم كيو-9” إلى الإمارات.

ولطالما حظي تصدير الطائرات المسلحة بدون طيار الفائقة التطور بمقاربة أمريكية حذرة، وتستند الولايات المتحدة في موقفها هذا إلى تفسير صارم لـ “نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ” (MTCR) متعدد الأطراف.

لكن في عام 2020، أعلنت إدارة ترامب أنها ستعيد النظر في نهج الولايات المتحدة للسماح بمزيد من صادرات الطائرات المسلحة بدون طيار، مشيرة إلى المنافسة المتزايدة مع الصين وروسيا في سوق الأسلحة.

وبالفعل، اشترت الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر أنواعاً مختلفة من الطائرات بدون طيار الصينية الصنع، “وينغ لونغ”، المنافسة لطائرة “أم كيو-9″، ويُزعم أن الإماراتيين نشروا المنظومة في ليبيا وإثيوبيا واليمن.

وجهة نظر الإمارات

لا يُخفى على أحد أن أبوظبي كانت تريد شراء طائرة “أف-35” منذ سنوات. ومنذ عام 2011، كان المسؤولون الإماراتيون يطلبون إحاطات سرية حول قدراتها، تمهيداً لدخولهم في مفاوضات لإبرام عقود الشراء.

وفي “معرض دبي للطيران 2017″، أفاد نائب قائد القوات الجوية راشد الشامسي قائلاً: “نحن في الإمارات نعيش بالفعل في بيئة الجيل الخامس. لذلك، يُعد شراء مقاتلة “أف-35″ مجرد خطوة إلى الأمام للتعامل مع عقلية الجيل الخامس”.

ومن شأن عملية الشراء أن تمكّن أبوظبي أيضاً من إعادة التأكيد على علاقتها الأمنية الوثيقة مع واشنطن.

وتستضيف الإمارات بالفعل آلاف الجنود الأمريكيين في “قاعدة الظفرة الجوية” وتُعَد الدولة العربية الوحيدة التي شاركت في ست عمليات في إطار التحالف مع الولايات المتحدة منذ “حرب الخليج” عام 1991.

ويرى الإماراتيون أن الاستحواذ على طائرة “أف-35” هو الخطوة المنطقية التالية بالنسبة إلى الجيشيْن.

واستخدمت أبوظبي أسلوباً مألوفاً في مفاوضات صفقة البيع. ففي عام 1998، أعلنت الولايات المتحدة والإمارات عن صفقة لإرسال ثمانين طائرة من طراز “أف-16” إلى الإمارات.

ولكن خلال المفاوضات، أدت المطالب الإماراتية إلى إنشاء طراز أكثر تطوراً من طائرة “أف-16″، وهو “أف-16 بلوك 60″، والذي تضمن حاسوب (كمبيوتر) ذو مهمات جديدة، وشاشة في قمرة القيادة، ونظام رادار، وخزانات وقود مطابقة.

وكان الطراز الجديد أكثر تطوراً من طائرات القوات الجوية الأمريكية في ذلك الوقت.

فكيف حصلت أبوظبي على هذه التنازلات الأمريكية؟ في العام الذي سبق دخول الإماراتيين في الصفقة، أعلنوا عن شراء ثلاثين طائرة فرنسية من طراز “ميراج 9-2000” وحذروا من أنه في حال عدم تلبية طلباتهم المتعلقة بتطوير طائرات “أف-16″، فسيشترون طائرات إضافية من دولة أخرى.

ومن خلال تمسكهم الحازم بقرارهم، تمكن الإماراتيون من الحصول على مقاتلة الجيل الرابع الأكثر تطوراً في السوق.

وكرروا هذا الأسلوب في كانون الأول/ديسمبر الماضي – قبل أيام فقط من اجتماعهم في واشنطن لمناقشة صفقة مقاتلات “أف-35″، حيث أعلنوا عن شراء ثمانين مقاتلة من طراز “رافال” من فرنسا.

وفيما يتعلق بالعلاقات مع الصين، تخشى الإمارات وغيرها من الشركاء في المنطقة من إرغامها على الاختيار بين العلاقة الأمنية مع واشنطن والعلاقة الاقتصادية مع بكين.

وكما أفاد أحد المحللين في مقال نشره موقع “تي أف آي غلوبال” في كانون الأول/ديسمبر، تحاول أبوظبي فرض نفسها “كسنغافورة الشرق الأوسط” – أي تصوير نفسها كمركز تجاري وتكنولوجي رئيسي في المنطقة مع الحفاظ في الوقت نفسه على بعض مظاهر الحياد في شؤونها.

ويندرج التعاون مع الصين ضمن إطار هذا المسعى. وينظر الإماراتيون على الأرجح إلى العلاقات مع بكين على أنها ضمانة في عصر يكون فيه مستقبل الوجود الأمريكي في المنطقة غير مؤكد.

تراجع نفوذ الإمارات

يتعيّن على الولايات المتحدة الموازنة بين فوائد المضي قدماً في صفقة بيع مقاتلات “أف-35” مقابل مخاطر زيادة ضعف الطائرة أو حث الإمارات على اللجوء إلى الصين أو روسيا لشراء مقاتلات من الجيل الخامس في حال فشل الصفقة.

أما أبوظبي، فيجب أن تدرك أن نفوذها قد تراجع في عهد إدارة بايدن، التي تؤيد صفقة البيع لكنها لا تبدو متحمسة لها مثل تلك التي أبدتها إدارة ترامب.

ويزيد الهجوم الحوثي الأخير على أبوظبي من الحاجة إلى المحادثات، إذ دفع بالمسؤولين الإماراتيين إلى الضغط على الولايات المتحدة من أجل الحصول على دعم إضافي في مجال الدفاع.

وفي نهاية المطاف، تمثل صفقة البيع أحد أبرز الاختبارات الأولى لقدرة الولايات المتحدة على تحويل تركيزها إلى المنافسة العالمية للقوى العظمى مع إقناع دول الشرق الأوسط بأنها لا تزال شريكاً موثوقاً به.