موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: هكذا يحول نظام الكفيل حياة الأجنبيات في الإمارات إلى جحيم

215

تجذب دبي بأضوائها البرّاقة، وهالة المدينة الكبيرة التي تحيط بها، وجاراتها المدن الست الأخرى التي تُكوّن دولة الإمارات، ملايين الأشخاص الباحثين عن فرصة عمل كل عام.

لكن هذه الصورة البراقة تخفي خلفها قيود تعسفية تفرضها الدولة على حياة الأجنبيات الوافدات إليها بسبب نظام الكفيل.

مارغاريت كوكر، مديرة مكتب صحيفة  New York Times الأميركية في بغداد “واحدةٌ منهم” بحسب وصفها. حياتها العملية في العراق، حيثُ تسافر إلى هناك كثيراً.

لكنَّ عائلتها تعيش في دبي، حيثُ هي وزوجها، الذي يعمل صحفياً متخصصاً في تغطية الشأن الأفغاني، يمكنهم الاستمتاع بأشياء جيدة في الحياة مثل توافر مصادر كهرباء يُعتمد عليها ومتاجر البقالة ودور السينما والسير بجوار الشاطئ.

وللإقامة في دبي، يحتاج الأجانب إلى كفيل، سواءٌ كان مديرهم في العمل أو عائلة. ومثَّل هذا مشكلةً وتحدياً بالنسبة لها كامرأة.

لأسبابٍ عديدة، حياة النساء في دبي سواءٌ كن متزوجات أو عزباوات تتسم بالتحرر، مقارنةً بدولٍ أخرى في المنطقة. إذ تستطيع هنا قيادة السيارة، وامتلاك العقارات، وممارسة الرياضة، والسير إلى المنزل ليلاً وهن آمنات.

لكن بالنسبة للنساء الأجنبيات، يمكن أن يجعل نظام الكفالة حياتهن اليومية مثقلة بالقلق، بسبب نظرة البلاد المحافظة للعلاقات بين الجنسين. فوفقاً لقانون الهجرة، رب العائلة هو الرجل. لذا الأزواج هم من يكفلون الزوجات، اللاتي يعتبرن بشكلٍ عام مُعالات قانوناً.

ويمكن أن يكون اختلال موازين القوى في علاقة الرجل والمرأة هناك مصدراً للاضطراب والاستغلال النفسي.

وفقاً للقانون، يجب أن يوافق الزوج، بصفته كفيلاً للمرأة، على أي عرض وظيفة تتلقاه زوجته. ويمكن إنشاء حسابات مصرفية عن طريق رب الأسرة فقط، وهو الرجل. ويجب أن يمنح الزوج موافقته لزوجته كي تحصل على بطاقة ائتمان أو رخصة خمور، وهو تصريح قانوني لشرب الخمر.

وفي الإمارات، تُجَمَّد حسابات الكفيل المصرفية خلال الوقت الذي تُجري فيه السلطات تحقيقاً بشأن الوفاة، ما يترك النساء المُعَالات دون أي مصدر دخل.

ويمكن أن يؤدي هذا النظام أيضاً إلى الاستغلال البشع للنساء العاملات في المنازل، اللاتي تتوقف حياتهن على أهواء الكفيل.

وجدت مارغريت كوكر نفسها وسط ركامٍ من الأعراف الثقافية والإجراءات البيروقراطية مؤخراً، عندما كانت وزوجها ينهيان إجراءات عودتهم إلى الإمارات، حيث يعيشون هناك منذ عقدٍ.

في ذلك الوقت، كانت لديهما تأشيرات عمل منفصلة مما خلق لهما الكثير من المشاكل. على سبيل المثال، إذا أرادا فتح حسابٍ مصرفي مشترك، يجب أن يكون الحساب باسمه.

كان يتشاجر مع مديره السابق في العمل من أجل الحصول على مستحقات الأسرة، لكنَّ فريق الموارد البشرية بالشركة كان يعتبره “أعزب” لأنَّها لم تكن مرتبطةً بتأشيرة عمله.

هذه المرة، قررا التصرف بشكلٍ مختلف. تساءلت عما يتطلبه الأمر كي أكون أنا ربة المنزل. بدا فعل هذا أمراً منطقياً لأنَّها الشخص المسؤول عن إدارة العائلة، إذ تتولى دوراً قيادياً في الأمور اللوجستية الخاصة بالانتقال على سبيل المثال.

عرفت أنَّ مهمتها ستكون صعبة عندما قال لها أول مسؤول في شؤون الهجرة تواصلت معه أنَّها بحاجةٍ إلى الذهاب إلى مكتبٍ، وصفه بأنَّه يتعامل من النساء المتمردات. وكانت النصيحة التي حصلت عليها عبر الخط الساخن لسُلّطات الهجرة في دبي مُثبّطةً للهمة أيضاً. يمكن اعتبار النساء ربات للأسرة فقط إذا كنَّ يعملن في المجال الطبي أو كنَّ أستاذات جامعيات.

وجدت العديد من المواقع على الإنترنت مخصصة لقضية رعاية النساء لأزواجهن، وامتلأت هذه المواقع بقصصٍ عن الفشل واليأس.

لكن، ما زال التشجيعٍ لمواصلة مسعاهن بسبب الثغرات المعروفة في قانون دبي. وغالباً ما يُتَجَاهل المعنى الحرفي للقانون كحلٍ عملي في دولة تصف نفسها بأنَّها وجهةٌ سياحية  للسائحين الأجانب.

وتُعد ممارسة الجنس خارج إطار الزواج فعلاً غير قانوني، لكنَّ الأشخاص غير المتزوجين، سواءٌ كانوا مغايري أو مثليي الجنس، يقيمون علاقاتٍ في الفنادق دون إزعاجهم بطلب قسيمة الزواج.

وتمتلئ طاولات المطاعم الثقافية في دبي بالرجال والنساء على حدٍ سواء، وجميعهم يشربون الخمر وقت الغداء. ولا يطلب أي نادل رؤية رخصة تناول الخمور قبل تقديم الخمر لكِ، أو ما إذا كان زوجك يوافق على هذا الأمر. لذا، إذا استطاعا إيجاد طريقٍ مناسب لتحقيق هدفهم وسط متاهة البيروقراطية الحكومية، فستكون لديهما فرصة. هكذا كانا يفكران.

كانت الخطوة الأولى بالنسبة لمارغريت هي الحصول على تأشيرة عمل وإقامة. وكان تحقيق هذا أمراً سهلاً بالنسبة لها.

وبغض النظر عن رؤيتها التقليدية للزواج، لدى الإمارات لأسبابٍ كثيرة سياسة هجرة تحررية لافتة حوَّلت البلاد، في أقل من 50 عاماً، من مكانٍ صحراوي مُفّقر إلى منتجٍ رائد في قطاع الطاقة وأعجوبةٍ معمارية.

سجلت صحيفة New York Times مكتبها في واحدةٍ من المناطق الحرة بدبي، التي تمنح الشركات متعددة الجنسيات إطاراً قانونياً أسهل للعمل من خلاله. وفي غضون أسبوعين ودون جلبة، أصبحتُ مقيمةً شرعية بالبلاد.

وبعد بضعة أيامٍ أخرى، وقَّعت عقد شراء عقار، وأنشأت حساباً مصرفياً خاصاً بها، وتقدمت بطلبٍ للحصول على رخصة تناول خمور. حينها، بدأت العقبات تظهر أمامهما.

رفض موظفو الهجرة منحها وثائق كفالة العائلة. تستخدم أوراق الكفالة كلمة “الزوج”، وليست كلمةً محايدة مثل “القرين”. قال لها أحد الموظفين المتعاونين: “لستِ زوجاً بكل تأكيد”.

وأرشدها موظف آخر إلى السعي للحصول على إعفاء من قانون الهجرة عبر مكتبٍ خاص مُعد للتعامل مع الحالات الإنسانية في العوير، وهي بلدةٌ تقع في الصحراء على أطراف مدينة دبي.

يكشف هذا المكان البعيد عن مركز المدينة عن  المزيد من الأدلة الثقافية بشأن الكيفية التي ينظر بها السكان المحليون إلى النساء اللاتي يحاولن الخروج عن الخطوط الحمراء.

تُعرف العوير بأنَّها موطنٌ لسجنٍ ومكان تتواجد فيه النساء الأجنبيات المدانات تمهيداً لترحيلهن عن البلاد، أو مثلما وصفهم موظف الهجرة الأول: النساء المتمردات.

هذا هو نفس المكتب الذي تحاول الأمهات العاملات العزباوات الحصول من خلاله على موافقة كفالة مربية بسبب ثغرة في قانون الهجرة. وبينما يستطيع الرجال الأجانب الذين لديهم عائلات كفالة وتوظيف مربية للمساعدة في المنزل، لا تتمتع النساء المغتربات بنفس الحق.

ومثلما قال موظف في شؤون الهجرة: لمَ قد تحتاج امرأة توظيف خادمة لها؟ قبل سفرها صوب الصحراء، استمعت إلى المعلومات المتداولة داخل دائرة معارفها من النساء العاملات المقيمات في دبي منذ وقتٍ طويل لاستشارتهن بشأن نصيحة زيارة هذا المكتب الخاص.

أجمعن على تجاهل هذه النصيحة. وبدلاً من هذا، نصحنها بالذهاب إلى مكتب الهجرة الرئيسي وسط مدينة دبي. هناك، النساء الإماراتيات مسؤولات عن قسمٍ منفصل، ويعرف عنهن كنساءٍ عاملاتٍ أيضاً أنَّهن يُنصتن بتعاطف إلى غيرهن.

قالت لها سيمونا شريف، وهي أم عاملة: “إذا رأينكِ بشكلٍ شخصي وأُعجبن بكِ، سيساعدنكِ. هكذا تسير الأمور في العالم العربي”.

في صباح اليوم التالي، ارتدت مارغريت بذلة عمل ودخلت “قسم النساء” في مبنى شؤون الهجرة. تحوَّل طلب رعاية زوجها إلى سجالٍ متبادل، وأثار ضحكةً ساخرة من الموظفة الجالسة خلف مكتبها. قالت لها الموظفة بينما كانت تراجع أوراقها المثبت بها راتبها الشهري وتعليمه ورخصة زواجها: “سيدتي، يبدو أنَّك موهوبة. لماذا تزوجتِ من رجلٍ لا يرعاكِ؟”.

توجد بالمكان مناديل معطرة ووسائد مزخرفة وأكواب شاي تُحدث صوتاً رقيقاً أثناء حركتها، ما يوحي بأنَّه يشجع على إنشاء علاقة تعاطف وتقديم النصيحة، إلا أنَّها كنتُ واثقةً إلى حدٍ كبير أنَّ سؤالها كان بغرض التعبير عن شيء ما في قرارة نفسها. لذا، جعلت إجابتها قصيرة ودبلوماسية “تزوجتُ من أجل الحب لا المال”.

وردت الموظفة: “وأنا أدعم قرارك. سيبقى حبك وتقدير زوجك لكِ إن شاء الله”. ثم، ببضع ضغطات على فأرة الحاسب الآلي، منحتها الموظفة استثناءً من قانون الهجرة. والآن، بموجب سُلّطتها الجديدة ككفيلٍ لعائلتها، لديها الحق في تحديد كم المال الذي يستطيع زوجها سحبه من المصرف. تستطيع أيضاً أن تقرر ما إذا كان يستطيع شراء الخمر أو الحصول على قرض سيارة، و”تحاول الآن ألا تغتر بهذه الصلاحيات” تختم مارغريت مغامرتها بسخرية.