موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحليل: إعادة تأهيل الأسد جزء من استراتيجية الإمارات في دعم الاستبداد

387

يجمع مراقبون على أن اضطلاع دولة الإمارات بدور إعادة تأهيل نظام الرئيسي السوري بشار الأسد يمثل جزءً من استراتيجية أبوظبي في دعم الاستبداد وتعزيز الثورات المضادة في الدول العربية.

ولم تكن زيارة وزير الخارجية الإماراتي “عبد الله بن زايد”، إلى العاصمة السورية دمشق قبل أيام، مفاجئة للمراقبين، أو خطوة غير محسوبة من قبل أبوظبي، حيث كان يجري لها التمهيد سرا، منذ شهور، مسبوقة بخطوات تطبيعية أخرى مع نظام الأسد.

وتعد الإمارات حليفا قويا لـ”الأسد” خاصة خلال السنوات الأربع الأخيرة، مع انهيار المعارضة السورية، وتمكن قواته بفضل دعم روسي إيراني كبير، من بسط سيطرته على معظم المدن السورية.

ويحكم بوصلة أبوظبي تجاه “الأسد”، متغيرات عدة، من السياسة إلى الاقتصاد، لكن ورقة المصالح كانت هي الأقوى والأبرز كجرافة تمهد الأرض لأول زيارة من نوعها لوزير الخارجية الإماراتي، منذ اندلاع الحرب في البلاد عام 2011.

وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني، قام وزير الخارجية الإماراتي “عبدالله بن زايد” بزيارة مفاجئة إلى دمشق التقى خلالها بـ”الأسد”، متحديا الإجماع العربي السابق على عدم التعاون مع رئيس النظام السوري.

وبحسب ما ورد، تداول الوفد الإماراتي والمسؤولون السوريون “الآفاق الجديدة للتعاون لا سيما في القطاعات الحيوية من أجل تعزيز الشراكات الاستثمارية في هذه القطاعات”.

وازدهرت العلاقة بين الإمارات وسوريا منذ بداية عام 2020، حيث تعيد أبوظبي توجيه سياستها الخارجية بينما يسعى نظام “الأسد” إلى دعم اقتصادي أكبر لإعادة الاستقرار إلى نظامه.

وقد كشفت وزارة الاقتصاد الإماراتية أن التجارة غير النفطية بين البلدين بلغت 272 مليون دولار في النصف الأول من عام 2021.

وتشير هذه التطورات أيضا إلى أن الإمارات تتحدى علنا الولايات المتحدة و”قانون قيصر” الذي يفرض عقوبات على الحكومات التي تتعامل مع دمشق.

وجاء التطور الأخير في العلاقات الإماراتية السورية بعد أيام من تأكيد وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكين” على موقف واشنطن الذي يعارض جهود تطبيع العلاقات مع “الأسد”.

وبعد اجتماع 9 نوفمبر/تشرين الثاني، ندد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “نيد برايس” على الفور باللقاء بين وزير الخارجية الإماراتي و”الأسد” ووصف الأخير بـ”الديكتاتور الوحشي”.

ومع ذلك فإن تسامح واشنطن في الماضي مع مغازلة أبوظبي لـ”الأسد” يشير إلى أنها ستعاني لتقييد جهود الإمارات لتطبيع العلاقات مع “الأسد” ودعم نظامه.

دوافع الإمارات

وفي ظل إدارة كل من “دونالد ترامب” و”باراك أوباما”، تعاملت الإمارات بهدوء مع نظام “الأسد” ولكن في ظل إدارة “بايدن”، وسعت نطاق تفاعلها مع دمشق لتأمين نفوذها على سوريا.

وتفضل الإمارات دعم الشخصيات الاستبدادية، لا سيما أولئك الذين يستهدفون الإسلام السياسي، لذلك فإن “الأسد” هو المرشح المثالي لأبوظبي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفق تطلعاتها الاستبدادية.

ومع بداية الصراع في عام 2011، دعمت الإمارات المقاتلين العلمانيين، في محاولة للابتعاد عن الإسلاميين، على عكس حليفتها الوثيقة السعودية. ولكن لاحقا غيرت أبوظبي موقفها من النظام تدريجيا.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن الإمارات رحبت أيضا بتدخل القوات الجوية الروسية في سبتمبر/أيلول 2015، والذي ضمن لاحقا سيطرة “الأسد” على البلاد.

وأعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2018 بعد استعادة قوات “الأسد” السيطرة على الأراضي التي فقدتها خلال الحرب.

كما أعادت البحرين فتح سفارتها هناك أيضا، مشيرة إلى أنها ستحذو حذو أبوظبي في سياستها تجاه سوريا، كما فعلت بشأن التطبيع مع إسرائيل.

وخلال جائحة “كوفيد-19″، زادت الإمارات من تعاونها مع سوريا إلى حد كبير بذريعة الدعم الإنساني. وتعمل الإمارات حاليا على خفض التصعيد مع إيران، أحد الداعمين الرئيسيين لـ”الأسد”، ما يدل على البراجماتية.

وبالرغم من “قانون قيصر” الأمريكي، سعت الإمارات إلى دعم نظام “الأسد” من تحت الطاولة، وشمل ذلك تدريب ضباط المخابرات السورية على أنظمة المعلومات والاتصالات، وكذلك أمن الكمبيوتر والشبكات طوال عام 2020. كما زودت الشركات الإماراتية الجيش السوري بالوقود.

وبالنظر إلى حالة التنافس الإقليمي بين الإمارات وتركيا في ملفات عدة، فإن تحركات أبوظبي لإعادة تأهيل نظام “الأسد” تستهدف في المقام الأول المصالح التركية في سوريا.

وترى أبوظبي في “الأسد”، حال استعادة عافيته، ورقة رابحة، ستمكن “بن زايد” من المناورة مع أنقرة، وإزعاج حكم الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”.

ويؤكد مراقبون، أن إعادة تأهيل “الأسد” عبر زيارات رسمية وتفاهمات اقتصادية، سياسة تعبر عن رغبة إسرائيلية تنفذها الإمارات، التي وقعت اتقاقا للتطبيع مع تل أبيب، العام الماضي.

بشكل براجماتي، يعد التطبيع مع “الأسد” بهدف تقويته، هدفا نحو خدمة المصالح الإسرائيلية هناك أولا، وتحجيم نفوذ إيران و”حزب الله” اللبناني ثانيا، وتقليم أظافر تركيا ثالثا.

جملة من المآرب السياسية والاستراتيجية والاقتصادية، تقف وراء التقارب الكبير بين أبوظبي ودمشق، مدفوعا بضوء أخضر من تل أبيب والقاهرة، اللتين يشاركان، الإمارات، آمالها في أن يستعيد نظام “الأسد” عافيته ليعزز المحور المناهض لتركيا في المنطقة.

تراجع النفوذ الأمريكي

ومن الملاحظ أن الإمارات كثيرا ما تتحدى الولايات المتحدة في مختلف الشؤون الإقليمية، كما أنها تقترب من الصين وروسيا.

وبينما لا تزال أبوظبي ترى الولايات المتحدة حليفا مهما ترغب في الحفاظ على نفوذها معها، فإن الاعتماد على قوة واشنطن يقيد طموحات الإمارات غير المحدودة في الهيمنة الإقليمية والاقتصادية.

ومن منظور جيوسياسي، رأت أبوظبي الولايات المتحدة كحليف غير موثوق به، خاصة بعد انسحابها من أفغانستان وفشلها في تقليل التوترات مع إيران.

وفي غضون ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تخطط للانسحاب من العراق بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول، ما يزيد من احتمالات انسحاب أكبر من الشرق الأوسط.

ومن الواضح أن الحكومات الإقليمية الأخرى سئمت من إجراءات واشنطن بشأن سوريا. وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول، تلقى العاهل الأردني الملك “عبدالله الثاني” أول مكالمة هاتفية من “الأسد” منذ بدء الصراع.

وجاء ذلك بعد أن حث مسؤولون أردنيون الولايات المتحدة على تمكين التجارة بين البلدين وبعد أن أعادت عمّان فتح معبرها الحدودي الرئيسي مع سوريا.

ومن بين جميع الدول العربية، كانت الإمارات أكبر مشجع لإعادة تأهيل “الأسد”. وفي مارس/آذار 2021، انتقد وزير الخارجية الإماراتي “عبدالله بن زايد” قانون قيصر وقال إنه يزيد من تعقيد الوضع في سوريا ويمنع عودتها إلى جامعة الدول العربية.

ومن المرجح أن تتجنب الولايات المتحدة إعادة بناء العلاقات مع نظام “الأسد”، على الأقل في الوقت الحالي.

ومع ذلك، يشير التقارب المتزايد للإمارات إلى أن حلفاءها العرب سيواصلون السعي لإعادة بناء العلاقات مع دمشق، وستكون الولايات المتحدة عاجزة عن منع ذلك.

وبصرف النظر عن تحرك الأردن، فإن الخطوات التي تتخذها الإمارات قد تشجع دولا عربية أخرى. وقد تواصل السعودية ومصر السير في طريق إعادة الروابط مع “الأسد”، أو على الأقل البدء في التسامح معه.

ولن تشهد عُمان، التي احتفظت باتصالات رفيعة المستوى مع دمشق وفقا لدورها كوسيط محايد في الشرق الأوسط، تغييرات جوهرية. وبما أن السعودية أكثر تقبلا لإيران الآن، فإن الدول العربية الأخرى سوف تتعامل مع نفوذ طهران في سوريا بمزيد من القبول.

ومع ذلك، لا توافق جميع الدول العربية على تطبيع أبوظبي مع “الأسد”. وكما رفضت قطر بشدة التطبيع المفتوح مع إسرائيل قبل أي حل للقضية الفلسطينية، فمن المرجح أن تستمر في نبذ التطبيع مع “الأسد” نظرا لدعمها لقوات المعارضة خلال الحرب الأهلية.

كما سيتعين على الإمارات أن تتعامل مع قوى إقليمية أخرى ذات وجهات نظر متعارضة بشأن سوريا. فقد دعمت الإمارات “الأسد” جزئيا لمواجهة منافستها تركيا التي تدعم المعارضة السورية في إدلب.

وبالرغم أن التقارب الأخير بين أبوظبي وأنقرة يشير إلى استبعاد التنافس العنيف في سوريا، فقد يكون هناك بعض المناورات الدقيقة بين البلدين.

وهناك أيضا سؤال حول من سيدعم إعادة إعمار سوريا بعد الحرب. وبالنسبة لنظام “الأسد”، تعد هذه أولوية بالنظر إلى أن الاقتصاد السوري في حالة خطرة وسيحتاج إلى الإنقاذ لتأمين سيطرة النظام على البلاد.

وبالرغم من دعمها لـ”الأسد”، قد لا تشارك الإمارات في إعادة إعمار جادة حتى تعترف الولايات المتحدة بشكل كامل بالنظام السوري.

وتفتقر روسيا إلى الأموال لإعادة بناء الدولة التي دمرتها الحرب وتسعى في الغالب إلى استخدام حكومة “الأسد” كدولة تابعة للاتحاد السوفييتي الجديد. وفي هذه الأثناء، تمتلك الصين المال ولكن ليس لديها مصلحة في الوقت الحالي. فبعد كل شيء، لا يتجاوز دعم الصين لسوريا بعض طرود المساعدات التافهة.

وبالتالي، فإن حلفاء “الأسد” مهتمون فقط بتأمين بقاء نظامه وسيطرته، ولا تعد إعادة بناء سوريا أولوية. وفي حين أنه قد يُسمح لمزيد من البلدان بالتعامل مع حكومة “الأسد”، فإن هذا لن يفعل شيئا لتحسين مشاكل السوريين الذين يعانون من الصراع منذ أكثر من عقد من الزمان.