موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: مليشيات الإمارات تُدخل ليبيا في أزمة طاحنة من عدم الاستقرار

164

في الذكرى الثامنة لإطاحة العقيد معمر القذافي في العام 2011 ونظامه في ليبيا، التي تصادف اليوم الأحد، فإن واقع البلاد يظهر بوضوح دخولها في أزمة طاحنة من عدم الاستقرار بفعل تدخلات خارجية عديدة على رأسها المليشيات المسلحة التابعة لدولة الإمارات.

ويظهر واقع ليبيا افتقاد مؤشرات جدية توحي باقتراب الليبيين من التوصل إلى مرحلة الدولة، رغم تناوب سبعة مبعوثين أمميين على منصب الوساطة بين الأطراف المتنازعة للتوصل إلى حل.

وهو حل غائب بفعل مجموعة أسباب يصعب توزيعها بشكل عادل بين الداخل والخارج، بين ضعف ثقافة الدولة وغياب الأحزاب والبنية القبلية الغالبة في هذا البلد، والقسط الهائل للقذافي في المسؤولية عن التصحر السياسي، وانتشار السلاح في يد مئات المليشيات والنزعات الانفصالية شرقاً وجنوباً خصوصا تلك التابعة للإمارات.

يضاف إلى ذلك التعامل الإقليمي والدولي مع ليبيا كساحة نفوذ ومجرد جدار لصد اللاجئين السريين الآتين من العمق الأفريقي إلى أوروبا، وكبئر نفط، لا كبلد ودولة، تختلف فيها المصالح وتتقاتل بالإنابة للتحكم بالملف الليبي، من جهة ثانية.

وهكذا وبفعل التدخلات الخارجية وخصوصا من الإمارات، سقط النظام الدموي للقذافي، ولم يحل مكانه بديل، سوى الفوضى والحرب والتسيُّب والفساد والتقسيم، فعلياً إن لم يكن رسمياً.

نجح الليبيون في تنفيذ أول انتخابات برلمانية في العام 2012، وتكليف حكومة مؤقتة، لكن ذلك النجاح السياسي كان مهدداً بسبب الأوضاع الأمنية المتهاوية على خلفية انتشار السلاح وبدء تشكيل المجموعات المسلحة على أساس مليشياوي.

فلم تتمكن سلطات المؤتمر الوطني (البرلمان) في حينها من دمج مجموعات المسلحين في أجهزة الأمن والجيش، ما ساعد على اندلاع الخلافات المسلحة في أكثر من مناسبة وطيلة أشهر بين مختلف المليشيات، بالتزامن مع ظهور نعرات انفصالية ظهرت في مطالب التيار الفدرالي باستقلال ذاتي لشرقي ليبيا، وتأسيس المكتب السياسي لإقليم برقة في سبتمبر/أيلول 2013 ومحاولة بيع النفط عبر ميناء السدرة لصالحه، قبل أن تتمكن أطراف دولية من محاصرة ناقلة النفط “مورننغ كلوري” وإرجاعها إلى الموانئ الليبية.

قد تكون أبرز محطات تأزيم الأوضاع الليبية سياسياً وعسكرياً، إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر حليف الإمارات القوي في ليبيا عملية عسكرية عُرفت بـ”عملية الكرامة” في بنغازي في إبريل/نيسان 2014.

وأزمة حفتر تتمثل ليس في ظهوره فحسب بل أيضاً في تزامن بروزه مع إعلان نتائج ثاني انتخابات برلمانية جرت في أغسطس/آب من العام نفسه، حين نجح مؤيدو حفتر في جمع النواب في مدينة طبرق شرقاً، ما جعل ذلك البرلمان ذراعاً سياسية أكسبت حفتر تأييداً سياسياً وشرعية أمنت له صفة قائد للجيش برتبة مشير” بدعم إقليمي علني من دولتي الإمارات ومصر إقليمياً، ودولياً من فرنسا وروسيا.

ودخلت ليبيا منذ ذلك التاريخ في أتون انقسام سياسي كبير، بحكومتين وبرلمانَين، بسبب رفض مكوّنات سياسية ومسلحة في طرابلس الاعتراف ببرلمان حفتر، فأعادوا المؤتمر الوطني (البرلمان الأول المنتخب بعد الثورة) إلى الواجهة، خصوصاً بعد حكم المحكمة العليا بعدم دستورية البرلمان في طبرق، ورغم سيطرة مناوئي حفتر على طرابلس ومعظم مناطق الغرب الليبي.

إلا أن حفتر تمكن من توسيع رقعة سيطرته خارج بنغازي، بدءاً بمنطقة الهلال النفطي، ثم درنة، وأخيراً إلى الجنوب الليبي، ما جعله رقماً في المعادلة الليبية والبحث عن دور له في أي تسوية.

وبالتزامن مع ذلك، تحولت البعثة الأممية من تقديم الدعم إلى دور الوسيط بين الأطراف المتنازعة. وتُوجت جهودها بتوقيع اتفاق سياسي في مدينة الصخيرات المغربية نهاية 2015، أفرز “حكومة وفاق” ومجلساً أعلى للدولة إلى جانب البرلمان القائم في طبرق، والذي ماطل لأشهر في الموافقة على دسترة الاتفاق السياسي واعتماده قانوناً أساسياً، بسبب تعارض الاتفاق السياسي مع أهداف مشروع حفتر الحالم بتسيّد كل القوات المسلحة الليبية بشكل رسمي، وهو ما حرمه إياه اتفاق الصخيرات، ما حول مخرجات الاتفاق المغربي، وخصوصاً حكومة الوفاق ومجلس الدولة، إلى طرف في الأزمة.

وحالة الانقسام والخلافات هذه زادت من حدة الفراغ الأمني وتكديس السلاح ونشوء تنظيمات مسلحة محلية متعددة الولاءات والأهداف، تقاتل بعضها بعضاً لأسباب مناطقية وقبلية، وربما شخصية. وشكل تهريب السلاح والبشر نشاط أغلبها، لكن الأخطر منها التنظيمات الدولية، خصوصاً تنظيمي “القاعدة” و”داعش”.

والأخير رغم تواجده في أكثر من منطقة، فقد زادت قوته لدرجة إعلانه عن تأسيس عاصمته في سرت لأكثر من سنة قبل أن تتمكن حكومة الوفاق من طرده بمساعدة دولية. ودخلت المعادلات القبلية الجنوبية في حسابات حروب حفتر باستثمار الخلافات التاريخية بينها.

كذلك انخرطت الحسابات الأيديولوجية في الحروب عندما انضمت المليشيات السلفية إلى قوات حفتر لقتال من يعارضونها في بعض المعتقدات ووصفهم بالخوارج. و”ينتمي إلى هذا الصنف مقاتلو التنظيمات المتطرفة كالقاعدة في بعض مناطق الجنوب.

وبالإجمال فإن أقرب السيناريوهات إلى المنطق اليوم في ليبيا، جمود الأوضاع واستمرار الأزمة في شكلها السياسي والعسكري الحالي مع مواصلة الأمم المتحدة جهود التوصل إلى حلول في انتظار توافق دولي حول رؤية موحدة للحل، فهي المفتاح الأساسي لانتهاء الأزمة.

وتدخلت الإمارات في ليبيا عسكريا منذ 2011 ودعمت “عملية مكافحة الإرهاب” تحت مسمى عملية “الكرامة” التي أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مايو 2014، حيث شكل هذا الدعم نقطة تحول هامة في موقف الإمارات من السياسة الليبية.

وشارك سلاح الجو الإماراتي مباشرة ولأول مرة في المعارك المحتدمة بين أطراف الصراع الليبي، من أجل السيطرة على العاصمة طرابلس، علما بأن طائراتها انطلقت من التراب المصري. وعملت أبو ظبي على استهداف التحالف الإسلامي “فجر ليبيا”.

وبعد مضي بضعة أشهر من هذه العملية، شنت الإمارات غارة جوية عبر قوات خاصة أغلب عناصرها من الإماراتيين استهدفت مخيما “إسلاميا” في مدينة درنة استنكرتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية المتدخلة في ليبيا.