أدانت الولايات المتحدة الأمريكية مجددا دولة الإمارات على خلفية تورطها في تمويل الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي وتحديدا في الصومال خدمة لمؤامرات أبوظبي في كسب النفوذ والتوسع.
وأعلنت واشنطن عن فرض إجراءات عقابية ضد شبكات تمويل مرتبطة بـ”حركة الشباب” في الصومال، تقع النسبة الأكبر منها في دولة الإمارات مصدر تمويل الإرهاب الرئيسي حول العالم.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية أنه تم تصنيف 16 كياناً وفرداً في شبكة عابرة للحدود الوطنية، تمتد عبر القرن الأفريقي والإمارات وقبرص لتسهيل تمويل وغسل الأموال لمنظمة الشباب الإرهابية”.
وذكرت الخارجية الأمريكية أن التهديد الذي تشكله حركة الشباب لا يقتصر على الصومال، إذ يتم صرف عائدات حركة الشباب إلى الجماعات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة في جميع أنحاء العالم.
وأضافت “تساعد الحركة في تمويل طموحات القاعدة العالمية لارتكاب أعمال إرهابية وتقويض الحكم الرشيد”.
ويواجه الصومال الواقع في القرن الأفريقي تمرّداً مستمراً منذ 17 عاماً تقوده حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ومنذ دحرها من المدن الرئيسية في الصومال بين عامي 2011 و2012، ظلت حركة الشباب متمركزة في مناطق ريفية شاسعة، خصوصاً وسط البلاد وجنوبها، وتشن بانتظام هجمات على أهداف عسكرية ومدنية.
دور الإمارات المشبوه في الصومال.. أطماع كسب النفوذ الإقليمي
أعاد مقتل أربعة جنود إماراتيين الشهر الماضي في هجوم في الصومال تسليط الأضواء على دور الإمارات المشبوه في البلد الإفريقي وأطماع أبوظبي المستمرة في كسب النفوذ الإقليمي وفرض أجنداتها العدوانية.
وتعد أطماع الإمارات في الصومال حديثة ونشأت بعد العام 2011 واندلاع ثورات الربيع العربي، ليصبح وجود أبوظبي في هذه الدولة يعتبره حكامها مصلحة استراتيجية محورية.
لذلك عمدت الإمارات إلى توقيع اتفاقيات دبلوماسية وتجارية في عام 2013م، والتي سمحت تدريجياً بالنفوذ السياسي والاقتصادي والدبلوماسي والوجود العسكري لأبوظبي في مشهد الصومال السياسي خلال العقد اللاحق بحسب موقع (الامارات 71) المعارض.
والمشهد السياسي الصومالي معقد للغاية بعد عقود من الصراع، ويمكن تفكيك جزء من التعقيد من خلال فهم الترابط بين ثلاثة أمور تتضمن:
استغلال السياسة والعشائر، والصدمة الجماعية والمتباينة عن ثلاثين عاماً من عدم الاستقرار، والتأثيرات الكبيرة التي تشعر بها الصومال للمشاركة الإقليمية داخل البلاد.
ولجت أبوظبي للتأثير وسط هذا الترابط المعقد واستغلاله من أجل مصالح وخطط استراتيجية في الصومال الذي يملك خطاً ساحلياً بأكثر من 3000 كم، يواجه خليج عدن، قرب مضيق باب المندب ذو الأهمية الاستراتيجية العالمية، ما يجعل الصومال أحد أهم الشرايين التجارية للتجارة البحرية العالمية في العالم.
وتقدم أبوظبي نفسها بصفتها قوة إقليمية ناشئة، والحاجة للوصول إلى الساحل الصومالي يخدم هذه الاستراتيجية التي تعتبرها جزءاً من منافسة إقليمية تشمل قطر والسعودية وتركيا اللتان سبقتا أبوظبي إلى مقديشو.
وإذا كان الساحل الصومالي يخدم أغراضاً مهمة في استراتيجية الأمن البحري الإماراتي، فإن الوصول إلى الموانئ يسترشد أيضاً بفرص الاستثمار المحتملة في السوق الإثيوبية الأكبر بكثير، وتكون مركزاً محورياً للاستثمارات في باقي دول شرق أفريقيا.
لكن الوصول إلى الموانئ كان صعباً برفض السياسيين في مقديشو الموافقة عليها؛ لذلك سعت الإمارات إلى إقامة علاقات أوثق مع الحكومات الإقليمية داخل الصومال.
إذ تسيطر العشائر على هذه الحكومات الإقليمية بينها “أرض الصومال” (صوماليلاند) و”أرض البنط” (بونتلاند). ولكن تلك العلاقات كانت دون مستوى الشفافية الذي تعتبره مقديشو ضروريا وهو ما أشعل خلافات استمرت سنوات في العلن.
لأجل ذلك وقعت حكومة “أرض الصومال” (الإقليم الانفصالي) في 2016 اتفاقاً مع موانئ دبي العالمية بقيمة 442 مليون دولار لتطوير ميناء عميق في بربة كمركز تجاري في شرق أفريقيا.
كما وقعت أبوظبي في العام التالي اتفاقاً ببناء قاعدة عسكرية بجوار مطار المدينة وواجهتها البحرية. في 2017 وقعت موانئ دبي اتفاق لاستجار ميناء بوصاصو في “بونتلاند” لمدة 30 عاماً، لحقه اتفاق ببناء قاعدة عسكرية إماراتية.
هذا الأمر أثار غضب الحكومة في مقديشو الذي اعتبرته تحدياً صريحاً لها؛ إذ تشير المادة رقم (54) من الدستور الصومالي إلى أن السياسية الخارجية لأقاليم الصومال كافة هي من اختصاص حكومة مقديشيو.
وفي مارس 2018 استحوذت إثيوبيا على 19% من ميناء بربرة. وأديس أبابا تملك تاريخاً سيئاً مع مقديشو بما تحمله من أحلام إمبراطورية توسعية.
ما الذي يُغضب مقديشو؟
في يناير الماضي وُجهت اتهامات للإمارات بلعب دور في اتفاقية مثيرة للجدل بين أثيوبيا و”أرض الصومال” تمنح أديس أبابا إمكانية الوصول إلى البحر بتأجير 20 كيلومترا من سواحلها لإثيوبيا غير الساحلية لمدة 50 عاما، وهي اتفاقية أثارت غضب الحكومة الصومالية ومعظم دول المنطقة في القرن الأفريقي والعالم العربي.
ووقع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قانونا يلغي صفقة الميناء واعتبرها انتهاكاً للسيادة، وهدد بقيام حرب لحماية البلاد.
على الرغم من أن علاقة شيخ محمود جيدة مع أبوظبي على عكس القيادة السابقة التي جمدت المشاريع الإماراتية مع زيادة التوتر.
فمع عودة شيخ محمود إلى السلطة في مايو 2022 تم إعادة تنشيط النفوذ السياسي والدبلوماسي للإماراتيين، وهو ما كان الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو يتحداه.
إذ ظلت مقديشو تنظر إلى أبوظبي بتوجس خاصة بعد التوتر الذي حدث في 2017 عندما قررت حكومة “فرماجو” البقاء على الحياد في الأزمة الخليجية.
وصعد التوتر إلى السطح في عام 2018 عندما احتجزت السلطات الصومالية طائرة مدنية إماراتية واستولت على 9.6 مليون دولار كانت على متنها، مع 47 فرداً من القوات الإماراتية.
وقال الصوماليون وقتها إن الأموال هدفها “تحريض الأقاليم الصومالية على الضغط على حكومة مقديشيو ودعم ميليشيات مسلحة”، فيما قالت الإمارات إنها كانت رواتب المجندين الصوماليين.
ويبدو أن الأمور تحسنت بشكل كبير مع بداية ولاية شيخ محمود؛ إذ كانت الإمارات أولى وجهاته الخارجية.
وفي يناير2023 زار وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، أبوظبي، ليفتح الطريق لفصل جديد من التقارب بعد خلافات سنوات “فرماجو”.
استثمارات عسكرية
يثير الفصل الجديد من التعاون العسكري الإماراتي إلى جانب استشهاد وإصابة جنودنا في الصومال تساؤلات حول: ما الذي تستثمره الإمارات عسكرياً في بلد ما يزال في حالة عدم استقرار، ومعارك تندلع بين العشائر إلى جانب هجمات ومعارك حركة الشباب الصومالية ضد الحكومة؟
يرى مراقبون أن أبوظبي تريد أن تصبح قواتها المسلحة مثل شركة أمنية تقوم بحراسة مشاريع الاستثمار التابعة لعائلات في شرق أفريقيا.
فالقواعد العسكرية في الصومال -كما موانئها- تريد أن تكون محوراً وقاعدة رئيسية لتوسع هذه الكارتلات التجارية؛ إذ تشمل الاستثمارات أثيوبيا ذات 100 مليون نسمة، وانغولا، وأوغندا، وكينيا وارتيريا وتنزانيا. إلى جانب استخدام القوة العسكرية للنفوذ ومساندة الاستثمارات في السنغال والكونغو وحتى موزمبيق وانغولا.
لذلك فعلى عكس الإعلانات الرسمية، فإن أبوظبي تستثمر عسكرياً في الصومال في عدة أنواع، لا يبدو أن أياً منها يركز على الاستقرار أو بناء الدولة بل تخدم المصالح التجارية للعائلات والأفراد، من ذلك:
قوات أمن بونتلاند: تم إنشاء هذه القوات لحماية المناطق التي يتم فيها استخراج المعادن والنفط وتستثمر فيها الإمارات. وفي نوفمبر 2022 دفعت أبوظبي بعشرات الجنود والمعدات إلى القاعدة العسكرية (PMPF) في هذا الإقليم. ويقدر عددهم بنحو 180 جندياً وضابطاً إماراتياً، بما في ذلك الموجودون في القاعدة العسكرية في “علولا”.
تدريب قوات أرض الصومال: تحمي هذه القوات ميناء بربرة، ومناطق الاستثمار الإماراتية.
قاعدة الجنرال جوردون العسكرية: تقع هذه القاعدة العسكرية في مقديشو، وهي موطن للجيش الإماراتي، الذي يقوم بتدريب مجندين جدد للقوات المسلحة الصومالية بناءً على ضمانات من مسؤولين وزعماء عشائر. وهدفها الأساسي حماية المصالح التجارية في الصومال ودول شرق أفريقيا.
وهي القاعدة التي قتل فيها أربعة من العسكريين الإماراتيين، عندما نفذ الهجوم جندي كان قد أنهى تدريبه مؤخرا، وفتح النار على تجمع لمسؤولين عسكريين إماراتيين ومن دول أخرى، وفقا لوسائل الإعلام المحلية.
تواجد سام
واجهت القواعد العسكرية الإماراتية في الصومال اتهامات بانتهاك قرارات الأمم المتحدة لحظر الأسلحة على الصومال، وأنَّ إنشاء القواعد العسكرية في أرض الصومال وبنتلاند “وما ينطوي عليه من نقل الأعتدة العسكرية إلى الإقليم، انتهاك لحظر توريد الأسلحة المفروض على الصومال”، حسب تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة 2017 و2018.
وينظر كثير من الأفارقة والمراقبين الغربيين إلى أن الوجود الإماراتي في الصومال يعتبر وجوداً ساماً، ففي حين تتمتع الإمارات بحضور قوي بشكل عام في القرن الأفريقي، إلا أنها لم تتمتع بعلاقات إيجابية مع مقديشو.
وتقوم أبو ظبي بترسيخ الانقسام الصومالي بدعم الانفصاليين وبقاء حالة الانفلات الأمني، فمعظم مناطق الشمال تحت سيطرة حركة الشباب (تنظيم القاعدة) أو ميليشيات عشائرية، في وقت تكافح مقديشو في حلّ المشكلات مع الأقاليم الأخرى لحماية سيادة ووحدة البلاد.
ويبدو في حقيقة الأمر أن إرسال قواتنا إلى الصومال لحماية استثمارات العائلات التجارية أو من أجل استعراض القوة سام أيضاً لجنود الإمارات.
إذ يمكن لهذه المؤسسات التجارية أن تستأجر شركات أمنية لحماية نفسها ونفوذها وتكتفي الدولة بالضغط الدبلوماسي والسياسي كما تفعل دول الخليج الأخرى، وتحقيق نتائج إيجابية بدلاً من إثارة غضب الجميع ما يعرض الجنود الدولة للخطر وسمعتها السياسية والتجارية للسوء.