القمع الرقمي في الإمارات: حظر النشاط السلمي لصالح تكريس الاستبداد
اعتمدت سلطات الإمارات على القمع الرقمي واستخدام تقنيات المراقبة التطفلية جنبًا إلى جنب مع التقدم في الاتصال الشبكي لصالح تكريس الاستبداد وحظر حرية التعبير والتجمع والمساحات عبر الإنترنت.
وبالمقارنة بأساليب الاستخبارات التقليدية، فإن استخدام تقنيات المراقبة ووسائل التواصل الاجتماعي للتجسس على المدافعين عن حقوق الإنسان يتطلب موارد أقل وهو أكثر فعالية من حيث التكلفة، مما ساعد بشكل كبير في توسيع نطاق القمع الحكومي حيث تعد الإمارات نموذجا صارخا على ذلك.
كان أحمد منصور ناشط حقوقي إماراتي وعضو المجلس الاستشاري لمركز الخليج لحقوق الإنسان، أحد الأهداف الأولى لبرنامج التجسس بيغاسوس، الذي نشرته حكومة الإمارات لاختراق أجهزته قبل اعتقاله في 20 مارس 2017.
ومنصور محتجز حاليًا في الحبس الانفرادي في سجن الصدر في أبو ظبي، ويقضي عقوبة مدتها 25 عامًا بينما يعاني من حالات صحية مزمنة ويُحرم من الحقوق الأساسية.
وبعيدًا عن المخاطر الجسدية، بما في ذلك الاعتقال والسجن، فإن القمع الرقمي له عواقب وخيمة أخرى. وقد وثقت الأبحاث السابقة كيف يمكن للقمع الرقمي أن يساعد في تآكل الروابط الاجتماعية.
على سبيل المثال، قد يشعر المدافعون عن حقوق الإنسان في الإمارات وأمثالها من دول الاستبداد بأنهم مجبرون على تقليل الاتصال بأسرهم بسبب الخوف من الانتقام، حيث تستهدف الحكومات الاستبدادية غالبًا الأقارب كوسيلة للإكراه.
وعلاوة على ذلك، قد يشعر المدافعون عن حقوق الإنسان بالحاجة إلى البقاء يقظين بشأن الأشخاص الذين يظلون على اتصال بهم، حيث يستخدم عملاء الحكومة غالبًا الأشخاص داخل شبكات المدافعين عن حقوق الإنسان للوصول إلى أجهزتهم وحساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتلتقط هذه الأمثلة حالات من العزلة الذاتية، مما يشير إلى التأثيرات النفسية الاجتماعية التي قد تنتج عن القمع الرقمي. ومع ذلك، هناك بحث محدود حول العواقب النفسية لهذه الظاهرة، وهو أمر ضروري لفهم أضرار القمع الرقمي بشكل كامل وتعزيز المطالبات بمعالجتها.
بحسب مركز الخليج لحقوق الإنسان يشمل القمع الرقمي مجموعة من التكتيكات الرقمية التي تستخدمها الحكومات لمراقبة المدافعين عن حقوق الإنسان وترهيبهم وإسكاتهم. وتشمل هذه التكتيكات المراقبة عبر الإنترنت والمضايقة عبر الإنترنت.
لتتبع المدافعين عن حقوق الإنسان وجمع المعلومات عنهم، يستخدم عملاء الحكومة تقنيات برامج التجسس وأساليب التصيد الاحتيالي. توفر تقنيات برامج التجسس إمكانية الوصول الكامل إلى الأجهزة المستهدفة، بما في ذلك الكاميرات والميكروفونات، وبالتالي تقدم رؤية شاملة للحياة الخاصة للمدافعين عن حقوق الإنسان دون أن يدركوا ذلك.
وبالمثل، تتضمن محاولات التصيد الاحتيالي إرسال روابط ضارة، إذا تم النقر عليها، يمكن أن تمنح الجناة إمكانية الوصول إلى حسابات وسائل التواصل الاجتماعي أو أجهزة الكمبيوتر أو غيرها من المعلومات الحساسة. غالبًا ما يتم هندسة هذه المحاولات من خلال دعوات لحضور ندوات ومقابلات يمكن إرسالها عبر البريد الإلكتروني أو حسابات وسائل التواصل الاجتماعي.
وباستخدام المعلومات التي تم الحصول عليها من خلال المراقبة، غالبًا ما تنخرط الحكومات الاستبدادية في مضايقات عبر الإنترنت من خلال إرسال تهديدات إلى الأهداف ونشر معلومات كاذبة عنهم لتقويض مصداقيتهم، وإطلاق حملات تشويه سمعة، وتنسيق المتصيدين ضد محتواهم على وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام حسابات مزيفة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكنهم نشر تفاصيل خاصة وحميمة عن أهدافهم، والمعروفة باسم doxxing. تخلق هذه الانتهاكات والتهديدات ضغوطًا تؤدي غالبًا إلى تأثيرات نفسية كبيرة على الصحة العقلية ورفاهية نشطاء حقوق الإنسان.
كما يشير المدافعون عن حقوق الإنسان إلى استجابات نفسية مختلفة للقمع الرقمي. وتتراوح هذه الاستجابات من مشاعر انعدام الأمن والقلق والجنون إلى الإجهاد العقلي والإرهاق.
على سبيل المثال، وصف أحد المشاركين في دراسة حديثة الاستهداف عبر الإنترنت بأنه “حرب عاطفية ونفسية”. وعلى وجه الخصوص، يخلق القمع الرقمي مشاعر عدم اليقين بشأن مدى المراقبة واستخداماتها المحتملة، مما يجعل أولئك الذين يخضعون للمراقبة يشعرون بالعجز.
وقد أدرجت منظمة حقوقية دولية الإمارات في صدارة قائمة حكومات الدول التي تمارس جرائم “القمع العابر للحدود” عبر استهداف مواطنيها المعارضين ونشطاء الرأي في الخارج.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” إن الحكومات حول العالم تتخطى حدودها وتنتهك الحقوق الإنسانية لمواطنيها الحاليين أو السابقين لإسكات المعارضة أو ردعها. هذه الانتهاكات تمنع الأفراد من إيجاد الأمان لأنفسهم وأُسرهم.
وأكدت المنظمة أن على الحكومات والمؤسسات الدولية اتخاذ خطوات ملموسة لمواجهة ما يُعرف عادة بـ “القمع العابر للحدود” دون المس بحقوق الإنسان بشكل غير مقصود.
وأصدرت المنظمة تقريرا بعنوان “’سَنَجِدك‘: لمحة عن قمع الحكومات بحق مواطنيها في الخارج”، الصادر في46 صفحة، هو تحليل يرتكز على الحقوق وينظر في استهداف الحكومات للمعارضين، والنشطاء، والخصوم السياسيين، وغيرهم ممن يعيش خارج البلاد.
يضم التقرير 75 حالة، كانت هيومن رايتس ووتش قد وثقتها سابقا، ارتكبتها أكثر من 20 حكومة، منها إثيوبيا، وأذربيجان، والإمارات ، وإيران، والبحرين، وبيلاروسيا، وتايلاند، وتركمانستان وتركيا، والجزائر، وجنوب السودان، ورواندا، وروسيا، والسعودية، والصين، وطاجكستان، وكازاخستان، وكمبوديا، ومصر. هذه القضايا لا تمثل جميع الحالات، إنما تقدم لمحة عن الحالات في أربع مناطق.
وقد راجعت هيومن رايتس ووتش عمليات قتل، وإبعاد، وخطف، وإخفاء قسري، وعقاب جماعي بحق الأقارب، واستغلال للخدمات القنصلية، وهجمات رقمية.
كما يسلط التقرير الضوء على استهداف الحكومات للنساء الهاربات من الظلم وإساءة استخدام “الإنتربول” من قبل الحكومات.
قال برونو ستانيو، كبير مسؤولي المناصرة في هيومن رايتس ووتش: “على الحكومات، والأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية الاعتراف بالقمع العابر للحدود كخطر على حقوق الإنسان”.
وأضاف “عليها إعطاء الأولوية لاستجابات سياسية جريئة تحترم إطار حقوق الإنسان وتدافع عن حقوق الجماعات والأفراد المتأثرين”.
وأبرزت المنظمة أن آثار القمع العابر للحدود قد تكون واسعة النطاق، ما يؤثر سلبا على الحق في كل من حرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات للمستهدَفين أو الذين يخشون الاستهداف.
وتُظهر الحالات التي راجعتها هيومن رايتس ووتش كيف تستهدف الحكومات الحقوقيين، والصحفيين، ونشطاء المجتمع المدني، والخصوم السياسيين، وغيرهم ممن تعتبرهم تهديدا.
إذ قالت السلطات الحكومية لأحد المعارضين: “سنجدك، وسنقتلك”. اختفى بعدها بوقت قصير، وما زال مكانه مجهولا حتى اليوم.
العديد من الضحايا طالبو لجوء أو لاجئون في بلدان جديدة. قال مسؤولون حكوميون لأحد الضحايا، من البلد نفسه، إنه “سيموت” إذا ما تحدث علنا. قد تصبح عائلات الأشخاص المستهدفين الذين بقوا في وطنهم ضحايا أيضا.
قال أحد المستهدفين: “إن لم يتمكنوا من القبض عليك، يقبضون على أقاربك”.
وجد بعض الضحايا أنفسهم وقد عادوا إلى أيدي الحكومات التي هربوا منها سابقا بعد عمليات تسليم غير قانونية إلى البلد الذي يحملون جنسيته.
كما تنفذ الحكومات عمليات خطف وإخفاء قسري. اختُطف أفراد من أمام بيوتهم أو أثناء وجودهم على متن رحلات طيران. وقد أدى الإخفاء القسري إلى انتهاكات حقوقية جسيمة أخرى، مثل التعذيب والإعدام خارج القضاء.
سَعَت بعض الحكومات إلى إعادة أشخاص عبر “منظمة الشرطة الجنائية الدولية” (الإنتربول) من خلال إصدار “نشرة حمراء”، وهي طلب غير ملزِم يقدَّم إلى أجهزة الأمن في جميع الدول الأعضاء في الإنتربول لتحديد مكان شخص واعتقاله مؤقتا.
وقد أصدرت نشرات حمراء لأسباب سياسية، منها نشرات تخالف قواعد الإنتربول ومعاييرها، بتهم لا أساس لها، لتجنيد حكومات أخرى لتحديد مكان الأفراد المستهدفين في الخارج.
استهدفت الحكومات أفرادا لم يغادروا البلاد من أسر المعارضين انتقاما لنشاطات المعارضين في الخارج. تعرض الأقارب للمضايقة، والتهديد، والتوقيف والاحتجاز التعسفيين، ومنع السفر، أو حتى القتل.
استخدمت الحكومات برمجيات تجسس لمراقبة مدافع عن حقوق الإنسان أو مضايقة شخص على الإنترنت كان ينتقد الحكومة صراحةً. تتضمن هذه الأشكال الرقمية للقمع العابر للحدود انتهاكات جسيمة للحقوق، منها انتهاك الحق في الخصوصية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومات أن تضع الضحايا في مقدمة استجابتها لهذه الأشكال من القمع. عليها بشكل خاص التنبه للخطر والخوف اللذين يعيشهما اللاجئون. عليها شجب حالات القمع العابر للحدود عندما يكون ذلك آمنا، والتحقيق مع المسؤولين ومحاكمتهم، ووضع تشريعات جديدة إن لم تكن القوانين الحالية كافية.
وتابعت “ينبغي للأمم المتحدة أن تعين مقررا خاصا معنيا بالقمع العابر للحدود ليرفع التقارير حول مساعي الحكومات في مواجهة هذا القمع. على الإنتربول تحديد معايير حقوقية ملزِمة للحكومات الأعضاء لكي تتمكن من إصدار النشرات الحمراء، والتدقيق أكثر في وضع الحكومات ذات السجل الحقوق السيئ عندما تقدم نشرات حمراء”.
قال ستانيو: “يشرح بحث هيومن رايتس ووتش الآثار الواسعة للقمع العابر للحدود على حقوق الضحايا وأُسرِهم حول العالم. على الحكومات تخصيص موارد لفهم كيفية حصول القمع العابر للحدود على أرضها واتخاذ الخطوات اللازمة لحماية أولئك الذين جاؤوا طلبا للأمان”.