ما بين اليمن وليبيا ومناطق في القرن الإفريقي، ينشر النظام الإماراتي ميليشيات إقليمية مهمتها نشر الفوضى والتخريب وخدمة مؤامراته لنهب ثروات ومقدرات الدول وتمكينه من النفوذ المشبوه.
وتقيم الإمارات الميليشيات العسكرية والسياسية لجعلها موازية لأنظمة الحكم ومتفوقة النفوذ عليها، وجعلها عابرة للحدود وظيفتها القتل المأجور.
وتمويل الإمارات مرتزقة على أسس ميليشاوية مهمتها ضمان نفوذها وسيطرتها، وهو اتجاه لم يكن له أن يقوى ويكبر دون رفده بكل وسائل القوة والدعم اللوجستي، وبضوء أخضر يتيح لها التمكّن من القضاء على جذوة الثورات العربية، ومن ثم تفتيت بنية المجتمعات العربية.
وإمعان الإمارات بالاستعانة بفرق مليشياوية وبأجهزة قتل مستأجرة، تعينها على ذبح المواطن العربي وهزيمته، تُنضج عوامل أكثر لتشرذم “الدولة” العربية القائمة.
والأمر الذي قلما جرى الانتباه لتأثيره وما حصل في سوريا واليمن وليبيا والعراق من توظيف لجيش المليشيات العسكرية برعاية دولية إقليمية ومحلية، لم يتوقف على المطالبة بمؤازرة أنظمة الحكم وإدماج المليشيات فيها، ولم تغب تأثيراتها على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في تلك المجتمعات، وبدا أثر هذا كله، بأجلى ما يكون في وظيفة المليشيات العسكرية وجيوشها في العراق وسوريا واليمن، وامتدادها إلى ليبيا مع افتضاح الدور الذي تعلبه الإمارات على هذا الصعيد بأنها أصبحت تتبع لبعضها البعض، تطبيقاً لالتزامها المزدوج بهزيمة الشارع العربي في حربه ضد أنظمة الطغيان والاستبداد من جهة، وقيادة المؤامرات المتعددة على قضايا أساسية تمس عقيدة الإنسان العربي ومواطنته وحقوقه التاريخية.
حفزت جيوش المليشيات التابعة للإمارات على الجانب الآخر التشدد والإرهاب، اللذان يخدمان فكرة عمل جيش المليشيا من محاولة التستر على الأهداف الحقيقية لكليهما.
اليمن .. دراسة حالة
تنشر دولة الإمارات عشرات آلاف المرتزقة ضمن ميليشيات مسلحة لنشر الفوضى والتخريب في اليمن في وقت تروج فيه علنا للدفع باتجاه تقسيم البلاد.
وبعد قرار الإمارات القاضي بتقليص وجودها العسكري في جنوب اليمن بصورة ملحوظة، برزت عديد من التفسيرات المحتملة وراء هذه الخطوة، لكن أحد أبرز هذه الأسباب يعود إلى تشويه سمعة الإماراتيين في حرب اليمن على نحو متزايد، بحسب موقع المونيتور الأمريكي.
ويورد الموقع أنه من المفترض أن يكون الانسحاب الأخير جزءاً من “إعادة الانتشار الاستراتيجي” للقوات الإماراتية في منطقة الخليج مع تزايد التوترات هناك بين إيران والولايات المتحدة.
إلا أن الإمارات تُصر على أن تخفيض قواتها كان ممكناً كنتيجة طبيعية لانتصاراتها على القاعدة في شبه الجزيرة العربية وجماعة الحوثي. لكن الاستياء المتزايد من الوجود العسكري للإمارات في جنوب اليمن أسهم أيضاً في انسحابها الجزئي من المنطقة.
في البداية، اقتصر الغضب اليمني إلى حد كبير على انتهاكات حقوق الإنسان التي يُزعَم ارتكابها بواسطة الميليشيات المتحالفة مع الإمارات في جنوب اليمن.
في أواخر يناير، اندلعت المظاهرات في عدن، بسبب تورط ميليشيا الحزام الأمني المدعومة من الإمارات في عمليات الاختفاء القسري للمدنيين اليمنيين.
وفي مارس، اندلعت الاحتجاجات مرة أخرى في عدن رداً على مقتل رأفت دنبع، وهو أحد الأشخاص الذين شهدوا ضد عديد من الجنود المتحالفين مع الإمارات، في واقعة اغتصاب طفل في 2018. بعد الإدلاء بشهادته، زُعم أن دنبع قد اختُطف وقُتل بالرصاص على أيدي القوات المدعومة من الإمارات.
وفي منتصف يونيو، اندلعت مظاهرات في محافظة شبوة كانت تحمل لافتات تعارض “احتلال” الإمارات للمنطقة.
وفي مطلع يوليو الجاري، اشتدت الاضطرابات الشعبية في جزيرة سقطرى، حيث رفع المتظاهرون العلم اليمني وانتقدوا قيام الإمارات بزعزعة استقرار تلك الجزيرة. ووصف عاطف السقطري، وهو ناشط شارك في مظاهرات سقطرى، احتجاجات 1 يوليو بأنها “الأكبر في تاريخ سقطرى”، وربطها بعدم شعبية ميليشيات الحزام الأمني المتحالفة مع الإمارات.
على الرغم من أن وسائل الإعلام الإماراتية وصفت الاحتجاجات بأنها “رفض للقوى الخارجية”، فقد حفَّزَ الوجود العسكري المستمر لدولة الإمارات في جنوب اليمن المعارضين الحوثيين والسلفيين ضد سلوك أبوظبي.
على سبيل المثال، أثار الناشط حسين البخيتي مشاعر معادية للإمارات من خلال اتهام أبوظبي بمحاولة السيطرة على ساحل اليمن الجنوبي وتذكير السكان المحليين بفشل شركة موانئ دبي العالمية في امتلاك موانئ عدن في الفترة من 2008 إلى 2012.
على الجانب الآخر، اتهم مهران القباطي، وهو رجل دين سلفي بارز، الإمارات مؤخراً بالتهديد بالانقلاب على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي واللواء الرابع المكلف حماية الرئيس.
الدفع بتقسيم الجنوب.. على الرغم من أن الهدف الأصلي للتحالف السعودي-الإماراتي كان من المفترض دعم هادي وتوحيد البلاد، تدعم الإمارات هدف المجلس الانتقالي الجنوبي المتمثل في الحكم الذاتي للجنوب.
نظراً إلى أن جنوب اليمن يمثل قاعدة حيوية لطموحات الإمارات في إبراز القوة بالبحر الأحمر والقرن الإفريقي، فإن أبوظبي ترغب في ضمان عدم احتضان اليمنيين في الجنوب للفصائل المناهضة للإمارات، وأن يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن.
ولإعادة بناء صورتها في جنوب اليمن، ترغب الإمارات في مواجهة الاتهامات القائلة بأنها قوة احتلال تسعى إلى بث الشقاق في اليمن. من خلال تقليص وجودها العسكري في الجنوب من الناحية التكتيكية، تحاول الإمارات إعادة توجيه الانتباه نحو جهودها لتعزيز قضية الحكم الذاتي في جنوب اليمن.
ونظراً إلى أن الانسحاب الإماراتي من اليمن كان مصحوباً بمرحلة انتقالية من “الجانب العسكري أولاً” إلى استراتيجية “السلام أولا” ، تسعى أبوظبي إلى كسب الدعم الشعبي في جنوب اليمن من خلال المشاركة الفعالة في عملية السلام التابعة للأمم المتحدة.
وقال دبلوماسي يمني سابق يعيش في واشنطن للموقع الأمريكي، إن الإمارات من المرجح أن تدعم المفاوضات السياسية لإنشاء اتحاد بين الشمال والجنوب يمنح جنوب اليمن الحكم الذاتي.
تعتزم الإمارات استبدال قواتها “بجيش يمني جنوبي”، قوامه 52 ألف جندي، من 25 إلى 35 لواء دربهم مستشارون فنيون إماراتيون.
وقال المقدم محمد سالم البوحر، قائد قوات النخبة الشبوانية، وهي مجموعة مسلحة ومدربة من قبل الإمارات، لموقع Al-Monitor، إن الإمارات زادت من دعمها للميليشيات المحلية في عدن وشبوة وحضرموت بالأشهر الأخيرة.
وقال مسؤول إماراتي مؤخرا إن أبو ظبي “ليست قلقة بشأن وجود فراغ في اليمن، لأن برنامج التدريب العسكري الإماراتي يعد أحد نجاحاتها الرئيسية في اليمن”.
كما أن تحوُّل مدينة المكلا من معقل لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلى مدينة تتمتع بارتفاع أسعار الأراضي والاستثمار الخارجي المتنامي يدعم رواية الإمارات بأنها تركت جنوب اليمن في وضع جيد للعمل كمنطقة تتمتع بالحكم الذاتي.
على الرغم من أن الإمارات تدعم الحكم الذاتي لجنوب اليمن، يقول المجلس الانتقالي الجنوبي إن 80% إلى 90% من اليمنيين الجنوبيين يؤيدون الاستقلال: السيادة في مقابل الحكم الذاتي العادل.
وعلى الرغم من أن هذا الرقم قد يكون مبالغاً فيه، فإنه يُعتقد على نطاق واسع، أن الأغلبية تريد الاستقلال. وفي الوقت نفسه، من غير المرجح أن توافق الإمارات على مطالب المجلس بالاستقلال؛ نظراً إلى أن السعودية تدعم اليمن الموحد.
وإذا رفضت الإمارات دعم استقلال جنوب اليمن، فبإمكان المجلس تنويع شراكاته الدبلوماسية بعيداً عن اعتماده الحالي على أبوظبي وإضعاف هيمنة الإمارات في عدن.
لذلك، يمكن تفسير خفض أبوظبي عدد قواتها في اليمن، بقلقها على سمعتها الدولية مع استمرار الأزمة الإنسانية هناك، والإحباطات الداخلية مع ركود تقدُّم التدخل العسكري بقيادة السعودية. لكن تزايد عدم شعبية الوجود العسكري لأبوظبي في جنوب اليمن قد شكّل أيضاً تغييراً في سياستها وانتقالها إلى التركيز على حل دبلوماسي للحرب الأهلية اليمنية.