يعتمد النظام الإماراتي في سياسات ترقية المسئولين على حجم خدمتهم النظام الأمني القمعي الذي يفرضه في الدولة بما في ذلك جرائم التجسس والملاحقة للمواطنين والوافدين الأجانب.
أحدث الشواهد على ذلك قرار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، بتعيين فيصل عبدالعزيز البناي مستشاراً لرئيس الدولة لشؤون الأبحاث الاستراتيجية والتكنولوجيا المتقدمة بدرجة وزير.
ويعرف البناي بأنه أسس شركة “دارك ماتر” عام 2014، وأقيل من منصب الرئيس التنفيذي للشركة عام 2018، على خلفية تطوير الشركة لبرنامج “توتوك ToTok” الذي استخدمه جهاز أمن الدولة في التجسس على المواطنين والمقيمين.
وجاء استبعاد البناي من الشركة بعد أسابيع من اعترافه بقيام شركته بالتجسس على الإماراتيين والمقيمين في الإمارات لصالح جهاز أمن الدولة، بهدف قمع النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي واعتقال أي ناشط حقوقي أو إعلامي.
والبناي، هو الأمين العام وعضو مجلس إدارة “مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة”، ورئيس مجلس إدارة “مجموعة إيدج” منذ يناير 2022، وعضو “مجلس الإمارات للبحث والتطوير” منذ سبتمبر 2021، وعضو مجلس إدارة “جامعة الإمارات” منذ أبريل 2021.
وسبق أن أكد تحقيق صحفي دعمته منظمة Justice for Journalists، أن دولة الإمارات هي رائدة التجسس الرقمي في العالم العربي، مشيرا إلى ظهور التجسّس الإلكتروني للمرة الأولى في العالم العربي خلال ثورات الربيع العربي سنة 2011.
وقال التحقيق إن أنظمة عربية في مقدمتها الإمارات لجأت الى القبضة الأمنية القامعة، وعلى مواقع التواصل، حجبت المناشير ولاحقت الصحافيين والناشطين البارزين من خلال أنظمة تجسّس تلاحقهم وتجمع معلومات عنهم يهدّدون ويقمعون بها.
وكشفت تحقيقات “بيغاسوس” تورّط الكثير من الحكومات العربية، منها الأردن والإمارات والبحرين والسعودية والمغرب بشراء نظام التجسس “بيغاسوس” الذي تنتجه الشركة الاستخباراتية الإسرائيلية NSO.
وعلى رغم طي صفحة الربيع العربي، إلاّ أن برامج التجسس ما زالت تستخدم حتى اليوم وتطورت باستخدام الذكاء الاصطناعي.
لكن المفارقة أن شراء أنظمة تجسس لم يعد “مربحا” للأنظمة التي تقتنيها نظرا الى التكلفة الهائلة التي تتكبدها هذه الدول والاتكالية التي فرضها عليها التجسس، بخاصة أن إسرائيل أصبحت عاصمة التجسّس العالمية منذ بضعة أعوام.
يأتي هذا التحقيق في سياق مشروع يكشف أحدث التقنيات للخرق والتجسّس على الصحافيات والحقوقيات العرب وتأثير خرق “بيغاسوس” وتقنيات مشابهة على حياة الصحافيات المهنية والشخصية، يعدّه موقع “درج” بالتعاون مع “مؤسسة العدالة للصحفيين (JFJ)”، وهي منظّمة غير حكومية مقرها لندن.
وتظهر وثائق ويكيليكس المسرّبة عام 2015، استيراد السعودية والإمارات والبحرين والسودان وعمان ومصر والمغرب تقنية Remote Control System من صناعة الشركة الإيطالية Hacking Team سنة 2011.
وتشير وثائق ويكيليكس إلى لجوء مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية في لبنان الى هذه الشركة بهدف شراء تقنية أخرى اسمها Galileo سنة 2015.
وقد اشترت السلطات التونسية تقنية Evident من شركة ETI الدانماركية عام 2011 مع اندلاع الاحتجاجات في تونس.
ثم توجهت كلّ من الإمارات والسعودية ودول أخرى إلى شراء التقنية ذاتها من الشركة، بعدما استحوذت عليها شركة بريطانية باسم British aerospace BAE. تتبع هذه التقنية منهجية عمل “غوغل” تقريباً، إذ تسمح للمستحوذين عليها بإدخال كلمات مفتاح للبحث عن معلومات متعلقة بشخص معين.
ولاحقا أعلن مركز المتابعة والتحكم الإماراتي عام 2016، تركيب نظام مراقبة يجمع جميع كاميرات أبو ظبي في الأماكن العامة ومباني الإمارة.
ويملك الشركة العضو السابق في المخابرات الإسرائيلية، ماتي كوتشافي، المقيم في الولايات المتحدة آنذاك.
تذرع النظام الإماراتي حينها بحفظ الأمن والسلام لإتمام صفقة المراقبة بقيمة 600 مليون دولار أميركي، التي ربحتها شركة AGT السويسرية عام 2011. وهي الشركة المالكة لـFalcon Eye الإسرائيلية.
تعد هذه المرة الأولى في العالم العربي التي يُستخدم فيها جهاز مراقبة بهذه الضخامة، والمرة الأولى التي تتكرس فيها مبادلة الخصوصية بالأمن.
وتحت مشروع Project Raven، استقدمت الإمارات عناصر عبر وكالة الأمن القومي، للتجسس لصالحها على مواطنين من جنسيات عدة، منها الجنسية الأميركية.
بيد أن القانون الأميركي يحظر تجسس عناصر استخبارات أميركيين سابقين على مواطنيهم. أقام فريق التجسس في العاصمة أبو ظبي وتلقى رواتبه عبر شركة DarkMatter الإماراتية.
وقد استخدم الفريق تقنية Karma للخرق حتى عام 2019 حين أدى تحديث هواتف الآيفون إلى خفض فعالية التقنية وفق ما كشفته Reuters.
ووفق تقرير نشرته النيويورك تايمز The New York Times، طورت شركة “بريج” تطبيق ToTok للتواصل في الإمارات قبل أن يزيله متجر التطبيقات (App Store) عام 2019.
حاز التطبيق على أكثر من خمسة ملايين تحميل على متاجر تحميل التطبيقات. وكان معظم هذه التحميلات في دولة الإمارات بسبب منعها الاتصالات عبر تطبيقات تواصل أخرى كـ”فايس تايم و”واتسآب”.
لم يُستخدم التطبيق كتقنية للتجسس، لكنه، مثل معظم التطبيقات، يتطلب من المستخدمين السماح بالوصول إلى الكاميرا والمايكروفون والموقع الجغرافي وغيره من المعلومات التي تسمح بتعقّب المستخدمين ومراقبتهم.
يعد التطبيق خطوة مهمة باتجاه تطوير الشركات المقربة من الحكومة أجهزة التجسس بنفسها بلا الاعتماد على جهات أخرى أو استيراد تقنيات حديثة.
كما كشفت تحقيقات عدّة، على رأسها تحقيقات مختبر CitizenLab الكندي، لجوء كل من الإمارات والبحرين والأردن والسعودية والمغرب الى شراء نظام التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس” الذي تصنعه شركة NSO لخرق هواتف الناشطين والمعارضين العرب وخصوم سياسيين وزوجات حاكم الإمارات وناشطين عدة.
تعمل هذه التقنية على إيجاد ثغرات بالجهاز الإلكتروني لخرقه والسماح للجهة المتجسسة بالوصول إلى الكاميرا والمايكروفون والمحادثات والموقع الجغرافي وغيرها، حتى من دون أن يضطر صاحب الجهاز للضغط على رابط مشبوه.
كما أظهر تقرير لمنظمة Citizen Lab الكندية، أن الإمارات اشترت نظام تجسس من الشركة الإسرائيلية “كانديرو”، المتخصص بمراقبة الحواسيب.
يتيح هذا النظام لشاريه خرق عدد غير محدود من الحواسيب واتباع فقط 10 منها في الوقت نفسه لقاء 18.9 مليون دولار. ولقاء 1.8 مليون إضافية يمكن المستخدمين مراقبة 15 ضحية إضافية في الوقت ذاته.