أبرزت دراسة أن دولة الإمارات تتخذ من حروب الوكالة أداة في خوض صراعات الإقليمية فيما تبرز اليمن والسودان كأبرز ضحايا ذلك.
وتناولت الدراسة التي نشرها مركز “ستراتفور” الأمريكي للبحوث السياسية، احتدام التنافس الإقليمي بين السعودية والإمارات، وما تثيره من توترات متزايدة بين البلدين.
وقالت الدراسة إن هذه التوترات ستؤدي إلى زيادة المنافسة الاقتصادية والدبلوماسية والدفاعية بين أبوظبي والرياض، ما يجعل من الصعب على بعض الشركات العمل في البلدين معا، ويؤدي إلى تفاقم المخاطر الأمنية في دول مثل السودان واليمن.
ونبهت إلى تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بشأن توتر العلاقات مع الإمارات، وتعرض الرياض إلى طعنة في الظهر من أبوظبي.
واعتبرت الدراسة أن تصريحات محمد بن سلمان “تحركها المنافسة بين نماذج التنمية الخاصة بكل من الإمارات والسعودية وسياساتهما الخارجية المتباينة”.
وأشارت الدراسة إلى تنافس الرياض وأبو ظبي بشكل متزايد على الاستثمار والسياح والعمالة الماهرة والسمعة كمركزي أعمال إقليميين، حيث تتداخل نماذج التنويع الاقتصادي الخاصة بكل منهما.
ولفتت إلى أن لدى البلدين أيضًا سياسات خارجية متضاربة، بما في ذلك الخلافات طويلة الأمد حول كيفية التعامل مع الحرب في اليمن والانقسامات الأخيرة حول الجهة التي تتلقى الدعم في الصراع الأهلي المستمر بالسودان.
ونمت علاقات السعودية والإمارات بشكل وثيق بعد صعود الأمير محمد بن سلمان إلى سدة السلطة في السعودية عام 2016.
لكن برامج التنمية لمرحلة ما بعد النفط في دول الخليج بدأت في التداخل بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، وهاك أوجه تشابه واسعة بين رؤية السعودية 2030 وبرامج التنويع الاقتصادي المختلفة لدولة الإمارات.
بما في ذلك أهداف زيادة السياحة، وجلب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتحويل المدن إلى محاور تكنولوجية ومالية، وإنشاء مشاريع ضخمة لدفع عجلة التنمية.
وفي عام 2021، أعلنت السعودية أن الشركات الدولية ستكون مطالبة بنقل مقارها الإقليمية الرئيسية إلى المملكة بحلول عام 2024 أو أن تخاطر بفقدان سناد أي عقود حكومية لها، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة قوية لإجبار الشركات على الانتقال من الإمارات.
ومن المرجح أن تظل المنافسة المتزايدة بين الإمارات والسعودية متركزة في المجال الاقتصادي، مشيرا على أن الإمارات ستتحمل الكثير من المخاطر للتنافس مع السعودية اقتصاديًا، باعتبارها البلد الأصغر.
وعلى مستوى السياسة الخارجية، لدى السعودية والإمارات استراتيجيات متباينة وطويلة الأجل لتأمين نفوذهما على طول البحر الأحمر في السودان، ما يؤدي بهما إلى تفضيل جبهة مختلفة في الصراع الأهلي السوداني الحالي.
ولدى كلا البلدين استثمارات كبيرة في السودان، بما في ذلك موانئ ومشروعات زراعية تهدف إلى استخدام البلاد للمساعدة في ضمان أمنهما الغذائي وكسب النفوذ على التجارة الدولية التي تعبر البحر الأحمر إلى قناة السويس.
وتؤثر هذه المنافسة الاقتصادية على نظرة المتنافسين الخليجيين للفصائل المتحاربة في الصراع السوداني، إذ يحاول السعوديون التوسط لوقف التصعيد من خلال نفوذهم على كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
والسعوديون أقرب إلى قائد الجيش، عبدالفتاح البرهان، في حين أن الإماراتيين أقرب إلى قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”.
وفي اليمن، تقترب السعودية من الحكومة المعترف بها دوليًا، بينما تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يؤيد انفصال جنوب اليمن عن شماله.
وفي كلتا الحالتين، يشعر السعوديون براحة أكبر في العمل مع الدول والقادة والمعترف بهم دوليا لتحقيق أهدافهم، حتى لو كانت هذه الدول غير فعالة أو فاسدة، في حين يبدو الإماراتيون أكثر استعدادًا لاستخدام “وكلاء”، قد يهددون وحدة الدول التي ينشطون فيها، لتحقيق أهدافها.
وفي حين تهدف السعودية إلى تأمين أراضيها من هجمات الحوثيين المدعومين من إيران وتقليص دورهم في اليمن، يركز الإماراتيون بشكل أكبر على تطوير الموانئ اليمنية والسيطرة عليها، واستهداف الحركات الإسلامية السياسية، مثل حزب الإصلاح اليمني، وتطوير جنوب اليمن كشريك اقتصادي محتمل في حال انفصاله.
وفي عام 2019، أفادت تقارير بأن الإمارات أغضبت السعودية عندما سحبت قواتها من القتال ضد الحوثيين للتركيز على مصالحها في الجنوب.
وبدون نهج موحد تجاه اليمن، سيتجرأ المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي على تحدي الحكومة اليمنية الضعيفة، التي تدعمها السعودية، لزيادة حكمه الذاتي أو حتى إعلان الانفصال.
وهذا الانفصال قد يصبح أكثر ترجيحًا إذا أصبحت السعودية عدوانية تجاه الإمارات، علما أن الإمارات عملت على إبلاغ الرياض بمخاطر مثل هذا النهج من خلال تهديد وحدة الجار الجنوبي للمملكة.
وفي السودان، حاولت السعودية التوسط لإنهاء القتال للحفاظ على وحدة الدولة، لكنها تتعارض مع المواقف المتشددة الراسخة على جانبي الصراع، بينما قام الإماراتيون بعدد أقل من المحاولات لاستخدام نفوذهم على قوات الدعم السريع لإنهاء القتال، إذ يعتقدون أن مثل هذه المحاولات قد تؤدي إلى تراجع مكاسبهم في البلاد أو أن استمرار القتال قد يوسع نفوذ قوات الدعم السريع في السودان.
ومن المرجح أن تتشجع قوات الدعم السريع على مواصلة القتال طالما استمرت الإمارات في دعمها المالي والعسكري، وهو الدعم المرشح للزيادة رداً على تهديد السعودية لنفوذ أبوظبي في السودان، وهو ما من شأنه أن يطيل أمد القتال، الذي ربما يتحول إلى حرب أهلية مستمرة.