تظهر سلسلة حقائق فشل استراتيجية الإمارات في فرض التطبيع مع إسرائيل كأمر واقع بعد نحو عامين من إعلانها والبحرين عن توقيع “اتفاقيات أبراهام” في حديقة البيت الأبيض بوساطة أميركية.
وتم تسمية اتفاقيات التطبيع باسم “اتفاقيات إبراهيم” وتم إعلانها تحت ذريعة “أهمية الحفاظ على السَّلام وتعزيزه في الشرق الأوسط والعالم”.
حُسبت هذه الاتفاقيات نقطة في رصيد رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، بنيامين نتنياهو، والذي تمكن أيضًا بالتعاون مع الرئيس الأميركي آنذاك، من نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، بدلًا من تل أبيب، وما انطوى على ذلك من نتائج أخرى تبعتها.
وكان نتنياهو قد صَّرح في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2017، أن “العائق بين توسيع العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية، ليسوا قادتها، وإنما الشعوب العربية والرأي العام العربي”.
وتظهَر هنا رغبته ليس فقط في تطبيع العلاقات السياسية أو الاقتصادية، وإنما الوصول إلى التطبيع الشعبي، فمن وجهة نظره، إن “الشارع العربيّ، تعرض لعملية غسل دماغ مُستمرّة على مرّ السنين، عبر صُورٍ تنقل صورة خاطئة عن إسرائيل، ومنحازة ضدَّها”.
وأضاف أن أي سلام دون اختراق الرأي العام العربي، سيظل “سلاما باردا” كما وصفه، وختم يومها حديثه أمام الكنيست بقولهِ إن “السلام واقع لا محالة، إذ توجد الكثير من الأمور التي تجري في الخلفية”، وهو ما كان إنباءً بـ”اتفاقيات أبراهام”.
وقد صاحب انطلاق الاتفاقيات في الدول العربية، انفتاح كبير على إسرائيل؛ من زيارات وبعثات دبلوماسية ودينية وثقافية واجتماعية.
وترافَق ذلك مع تغطية إعلامية قوية تُسلّط الضوء على وصول العرب، من الإمارات والبحرين على وجه الخصوص، في زيارات سياحية إلى الحرم القدسيّ، أو الأماكن المُقدسة في أراضي القرى المُهجرة والأراضي المحتلة عام 1967 وفي مدينة القدس بالطبع.
كما تزايدت نسبة اختراق الإسرائيليين للأسواق الإماراتية، سواء عبر الشركات الريادية أو الشركات الإعلامية والبحثية.
وعمدت الإمارات إلى استقطاب الخبرات الإسرائيلية ودمجها في مؤسسات الإعلام الجديد التي كانت تحتضن عددا كبيرا من الشبان العرب المؤثرين في شتَّى المجالات.
عملت كل هذه العوامل على إسباغ صفة “الأمر الواقع المفروض” على الشعوب العربية بشأن الاتفاقيات، ونظرًا لأن أغلبها دولها قمعية وريعية، ولا تسمح بالاختلافات السياسية بعمومها، سواء بين مواطنيها أو المقيمين فيها.
وأشار استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، أي بعد شهرين من الاتفاقيات، إلى أن المواقف الشعبية في الإمارات والبحرين، كانت منقسمة في نظرتها إلى الاتفاق بين الإيجابي والسلبي.
وذلك دون تبيين لشكل العيّنة، أو عدد المشاركين فيها، أو فترة الاستفتاء، أو طريقة التقييم وتأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية، وطريقة أخذ الاستطلاع.
ويضيف الاستطلاع لاحقًا، أنه و”بصرف النظر عن شعوب الدول الموقِّعة (على الاتفاقيات)، أيَّد 40 في المئة من السعوديين والقطريين الاتفاقات”.
ويتضح من لغة نشر التقرير الانحياز، إذ إنه يؤكد أن 40% من الشعبين السعودي والقطري يرون الاتفاقيات في ضوء إيجابي، بدلًا من الإشارة إلى أن نسبة الـ40% تمثّل جزءا من العينة المُستطلعة آراؤها، وليست من الشعبين بعمومهما وباختلاف تركيبتهما.
ومرة أخرى، يفشل التقرير، والموقع المتخصص للبيانات في تقديم أي معلومات عن طبيعة الفئة المستطلعة في منطقة الخليج أو في خارجها.
ويشير الباحث ديفيد بولوك في صيغة تفصيلية عند الإتيان على الصبغة السلبية التي اكتسبتها “اتفاقيات أبراهام” بعد عامين على توقيعها.
ويقول: “تتراوح نسبة أولئك الذين ينظرون إلى الاتفاق في ضوء إيجابي بين 19% و25% في المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات، دون تناولٍ لشكل الضوء الإيجابي، ما إذا كان إيجابيا للغاية، أو إيجابيا إلى حدٍّ ما، إذ إنه لجأ إلى الدمج بين النتائج.
كما يشير الباحث في المقالة المنشورة عبر موقع معهد واشنطن عند تغيير السؤال بين الرأي بشأن “اتفاقيات أبراهام” إلى السؤال حول حرية العلاقات التجارية والرياضية غير الحكومية مع إسرائيل، فإن الآراء العربية “صارت أكثر تنوعا” بعد عامين من الاتفاقيات.
ويظهر مرة أخرى استخدام الباحث للغة التعميمية في سياقات محددة، واستخدام اللغة التجزيئية في سياقات أخرى بما يخدم إظهار الزيادة في “قبول العرب” للعلاقات التجارية والرياضية دون الحكومية مع إسرائيل.
لكن عند الاطلاع على البيانات في الموقع، يظهر أن الفرق في نسبة القبول لا يُذكر، ويأتي هذا في ضوء أن الدول المستطلعة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، لم تكن مستطلعة بكاملها في آذار/ مارس 2022.
والاستطلاع الذي نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، لا يُقدّم أيّ معلومات عن العينة المستطلعة، ويستخدم لغة مختلفة في تحويل البيانات من شكلها الصوريّ إلى شكلها المكتوب.
كما أنه وعند العودة إلى قائمة الأسئلة المطروحة، يظهر أن طريقة طرحها تؤثر على تفاعل العينة المُستطلعة معها، ولا تقدم أي أشكال متحورة للأسئلة ذاتها، ولا تأتي على ذِكر كلمة “فلسطين” إطلاقًا (استُخدمت كلمة ’الفلسطينيين’ مرّة واحدة).
واستُخدمت كلمة إسرائيل في معرض السؤال عن وجهات النظر حول “اتفاقيات أبراهام”، واستُخدِمت كلمة “الإسرائيليين” مرّة، في معرض السؤال عن السماح بالعلاقات التجارية والرياضية غير الحكومية مع “الإسرائيليين”، وهو ما يظهر انحيازًا وتقسيمًا للسياق الأوسع.
استطلاع المركز العربي:
نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات استطلاع المؤشر العربي للفترة بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 وتموز/ يوليو 2020، أي قبل الإعلان عن “اتفاقيات أبراهام”.
ويشمل الاستطلاع 13 دولة عربية هي: السعودية والكويت وقطر والعراق والأردن وفلسطين ولبنان ومصر والسودان وتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا.
ويقدم الاستطلاع معلومات تفصيلية عن طبيعة العينة والدول التي جُمعت منها البيانات، وكيفية جمعها، وكيفية تقسيمها وتصنيفها، وتُطرح الأسئلة فيه بطرق متنوعة، كما يقدّم الاستطلاع الأسباب خلف اختيارات العينة المُستطلعة.
وفي ما يأتي نستعرض بعض بيانات المؤشر العربي، المتعلقة بطريقة تعامُل المواطن العربي مع القضية الفلسطينية في نقطتين: موقف الرأي العام من المسؤولية تجاه القضية الفلسطينية، وموقفه من اعتراف بلده بإسرائيل.
وتُجمع نسبة 78% من الرأي العام العربي على أن القضية الفلسطينية هي قضية جميع العرب، لا الفلسطينيين وحدهم، ويجمع على الأمر نفسه ما نسبته 89% من السعوديين المُستطلعة آراؤهم في العينة، وكان الرأي العام الخليجي هو الأعلى من وجهة النظر هذه، وبعده تأتي دول المغرب العربي.
وبحسب بيانات المؤشر العربي حتى تموز/ يوليو 2020، يرفض 88% من المستجيبين أن تعترف دُوَلُهم بإسرائيل، وكانت أعلى نسبة رفض في الجزائر بنسبة 99%، وتليها في ذلك لبنان بنسبة 94%، ثم تونس والأردن بنسبة 93% لكل منهما.
وقد سجل الخليج أعلى معدلات الرفض من ناحية الأقاليم، حيث أشار 90% من مستجيبي قطر والكويت برفض اعتراف بلدانهم بإسرائيل، وعبّر 65% من السعوديين المُستطلعة آراؤهم عن رفضهم.
يُذكر أن استطلاع معهد واشنطن يتناول الفترة السابقة في منطقة الخليج، بأسئلة مُختلفة مثل: “ما رأيكم بخطة ترامب للسلام للقضية الفلسطينية – الإسرائيلية؟”، وعند التوجه إلى بيانات السعودية، نجد أن 44% من المستطلعة آراؤهم.
قد أشاروا برأي سلبي للغاية (إزاء خطة ترامب) و31% برأي سلبي إلى حدٍ ما، و11% برأي إيجابي إلى حد ما، و3% برأي إيجابي للغاية، في حين أعرض 5% عن الإجابة لعدم اطلاعهم على الموضوع، وأعرض 6% عن الإجابة، بدون تفسير سبب إعراضهم عن ذلك.
أُخذت بيانات استطلاع المؤشر العربي قبل “اتفاقيات أبراهام”، ونُشرت بيانات استطلاع معهد واشنطن بشكل مجتزأ، ولم تكن واضحة، كما أنها لم تحلِّل العوامل وراء اختلاف وجهات النظر، حيال الاتفاقيات بعد عامين على مرورها.
ولم تسأل المُستطلعة آراؤهم في عينتها، عن أسباب اختياراتهم (أو أنها لم تعرضها ضمن ما نشرته على الأقلّ)، وأتت هذه القراءة للموازنة بين الاستطلاعات المُختلفة، وتأثير توقيتها وانحيازها على طريقة طرح الأسئلة، وشكل العينة، وحجمها، ومدى شمولها، خصوصًا مع صعوبة إجراء استطلاع عربي شامل، نظرًا للاستقطابات المُختلفة وتقييد الحرّيّات، وعدد من الظروف والأسباب الأخرى.
وتشير الأرقام في استطلاع معهد واشنطن إلى تغير سلبي في تأييد “اتفاقيات أبراهام”، والتي صاحبها صخب كبير لحظة توقيعها قبل عامين.
وبالاعتماد على أرقام الأعوام السابقة للاتفاقيات وبالاعتماد على أرقام المؤشر العربي، والتي تشير أغلبها إلى رفض عام لدى العرب للاعتراف بإسرائيل وفشل استراتيجية الإمارات في فرض التطبيع كأمر واقع.