حذرت أوساط حقوقية في دولة الإمارات من انتهاك واسع للخصوصية تحت غطاء التوعية من مخاطر فيروس كورونا المستجد.
وأعلنت السلطات في الإمارات عن إطلاق منصة “وقاية”، الهادفة إلى تعزيز الوعي بالصحة وسلامة المجتمع، الأمر الذي يثير شكاوى جماعات حقوقية بشأن انتهاك الخصوصية.
وحذرت الأوساط حقوقية من لجوء المنصة إلى جمع المعلومات والبيانات الشخصية عن مواطني الدولة والوافدين إليها تحت ستار تقديم نصائح التوعية والمتابعة الطبية.
وبحسب زعم السلطات الإماراتية تهدف منصة “وقاية” إلى التعريف بالإجراءات الصحية والوقائية التي يجب اتباعها لسلامة وصحة الأفراد من أي أمراض أو أوبئة، بما في ذلك فيروس كورونا.
وما زاد من المخاوف أن إطلاق منصة جاء بعد إعلان السلطات تخفيّف القيود التي تفرضها على خدمة الاتصال المجاني عبر الإنترنت، إذ أضافت مجموعةً من التطبيقات التي يمكن أن تستخدم لهذا الغرض، لكن من دون أن ترفع الحظر عن تطبيقات أخرى أكثر شعبية.
وأعلنت هيئة تنظيم الاتصالات، في تغريدة “إتاحة مجموعة إضافية من التطبيقات على كافة الشبكات في الإمارات” بالتنسيق مع المشغلين الرئيسيين “دو” و”اتصالات”، من بينها “سكايب للأعمال” و”غوغل هانغ آوتس” و”سيسكو ويب آكس” و”مايكروسوفت تيمز”.
وكانت الهيئة أضافت في وقت سابق تطبيقات أخرى إلى اللائحة، لكنّها أبقت الحظر على الاتصال الصوتي والاتصال بالفيديو عبر تطبيقات أخرى أكثر شعبية أبرزها “واتساب” و”فيستايم”.
وتستضيف دبي المكاتب الإقليمية لعدد من مجموعات الإنترنت العملاقة مثل “غوغل” و”يوتيوب”، ويمكن الوصول إلى معظم الخدمات العامة عبر الإنترنت.
كما تزامن إطلاق المنصة مع إسرائيل استخدام برنامج كمبيوتر يحلل بيانات تُجمع من هواتف محمولة تقول وسائل إعلام إسرائيلية إنها من إنتاج شركة برامج التجسس (إن.إس.أو) للمساعدة في تحديد أماكن من يحتمل إصابتهم بفيروس كورونا المستجد لفحصهم.
ولدى الإمارات سجلا كبيرا في التعاون مع شركة (إن.إس.أو) الإسرائيلية في تطوير برامج مراقبة وتجسس الكتروني.
ولمساعدتها في تحديد من يجب فحصهم، تستخدم إسرائيل مراقبة على مستوى عسكري لتتبع تحركات المدنيين، الأمر الذي يثير شكاوى جماعات حقوقية بشأن انتهاك الخصوصية.
وقبل أسابيع لاحقت فضيحة تجسس جديدة دولة الإمارات التي ورد اسمها ضمن قائمة دول تستخدم برمجية خبيثة للتجسس على المستخدمين عبر الخدمات السحابية.
وكشف باحثو الأمن السيبراني في شركة “سيسكو تالوس”، أن برمجية خبيثة تحمل اسم JhoneRAT قد انتشرت عبر الخدمات السحابية وتتجسس على المستخدمين في العالم العربي.
وتم تصميم البرمجية لتستهدف فقط الدول الناطقة باللغة العربية. وتقول المؤسسة إن البرمجية تستهدف عدة دول عربية في مقدمتها الإمارات والسعودية، حيث تنتشر البرمجية بنشاط من خلال مستندات Microsoft Office، وتحتوي على وحدات ماكرو ضارة.
وتم رصد المستندات الأولى من خلال حملات خداع تحمل اسم Urgent.docx تطلب من المستلم السماح بالتحرير باللغتين العربية والإنكليزية.
وحملت الثانية اسم fb.docx وتدعي أنها تحتوي على بيانات عن تسرب لمعلومات “فيسبوك”، والثالثة تدعي أنها من مؤسسة إماراتية.
وفي كل الحالات السابقة، إذا منح المستخدم إمكانية التحرير، يتم تحميل مستند Office إضافي وتنفيذه. وهذا المستند يحتوي على البرمجية الضارة.
ويقول الفريق إن هذه المستندات مستضافة على منصة التخزين السحابي Google Drive “لتجنب إدراج عناوين URL في القائمة السوداء”.
وتستضيف JhoneRAT صوراً، بمجرد تحميلها على جهاز تنشر البرمجية وتبدأ على الفور في جمع المعلومات من جهاز الضحية بما في ذلك النصوص والأرقام التسلسلية ونظام التشغيل المستخدم، وغيرها.
وتتم السرقة الفعلية للبيانات من خلال موفري الخدمات السحابية ImgBB وGoogle Drive وForms. ويقول الباحثون: “بدأت هذه الحملة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وما زالت مستمرة”، “في هذا الوقت، تم إلغاء مفتاح API وتعليق حساب “تويتر”. ومع ذلك، يمكن للمهاجم إنشاء حسابات جديدة وتحديث الملفات الضارة بسهولة حتى تظل يعمل”.
وكرست سلسلة تحقيقات صحفية تم نشرها على مدار العام 2019 المنصرم متضمنة فضائح غير مسبوقة واقع دولة الإمارات كدولة تجسس من الطراز الأول.
إذ بشكل متوالي انتشرت التحقيقات والتسريبات التي تؤكد أن الإمارات أصبحت دولة قمعية وبوليسية بامتياز تمارس انتهاكات جسيمة في التجسس والمراقبة.
وأنظمة المراقبة في الدولة متنوعة تشمل شبكات التواصل الاجتماعي ومراقبة السكان، والاتصالات والمحادثات، وأدق التفاصيل.
ولم تسخر السلطة هذه التقنية لحماية الأمن القومي للدولة بقدر تحويلها إلى مطاردة الناشطين الحقوقيين والمثقفين على طول البلاد وعرضها. ولم تكتف بذلك بل ذهب الأمر إلى أبعد من ذلك بالتجسس على حكومات أخرى ومسؤولين وقيادات في تلك الدول.
وحسب ما كشفه تحقيق رويترز على جزأين خلال عام 2019 تم الكشف عن الكثير من خفايا هذا المشروع الذي تأسس عام 2009 عبر شركة أمريكية وعملاء المخابرات، لكن بعد 2012 تحولت إلى شركة إماراتية خالصة تُسمى “دارك ماتر”.
والشركة أنشأها فيصل البناي، مؤسس شركة أكسيوم إحدى أكبر شركات بيع أجهزة الهاتف المحمول في الشرق الأوسط. ونشر موقع “ذي إنترسبت” تقريرًا عام 2016 يربط بين “دارك ماتر” وعمليات التجسس التي تقوم بها الإمارات.
لكن ما كشفته رويترز كان واسعاً حيث غاص طوال العام بين آلاف الوثائق والتسريبات التي تؤكد ذلك، وصل حد أن السلطات الفيدرالية الأميركية تحقق بالمشروع الاستخباري الإماراتي، حسبما ذكرت “رويترز”، موضحة أن المشروع الاستخباراتي عمل على اختراق عناوين البريد الإلكتروني في “جوجل” و”هوتميل” و”ياهو”.
والتجسس الذي طال عدد من الناشطين الحقوقيين المعتقلين الآن في سجون جهاز أمن الدولة مثل الناشط البارز الحاصل على جوائز أحمد منصور والخبير التربوي أحمد بن غيث السويدي، استهدف مسؤولين مثل أمير قطر، ونقلت الوثائق أن الإماراتيين حاولوا التجسس على مسئولي الاتحاد الدولي لكرة القدم، فيفا، بعد فوز قطر باستضافة كأس العالم لكرة القدم 2020. الخطة كانت تقتضي سرقة بيانات من شأنها إلحاق ضرر بسمعة قطر مما يؤدي لحرمانها من استضافة البطولة.
العاملون في شركة “دارك ماتر” هم إما رجال مخابرات باعوا ضمائرهم أو مخترقين يعملون كمرتزقة. ومعظم هؤلاء “صهاينة”، حيث كشفت صحيفة هآرتس العبرية، أن الدولة تعاقدت مع ضباط سابقين في الجيش الإسرائيلي، للعمل في “دار ماتر” مشيرة إلى أن هؤلاء يتقاضون رواتب “فلكية” تصل إلى مليون دولار سنويا، بهدف ملاحقة الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان الغربيين.
ولا يشمل ذلك الناشطين الحقوقيين أو المعارضين للدولة بل يمتد إلى مراقبة كل شيء داخل الدولة بما فيها الاتصالات والمحادثات. أوقفت الدولة الاتصالات الصوتية والمرئية عبر الانترنت بواسطة التطبيقات وسمحت بطريق واحد عبر تطبيق “تو توك”.
كانت تقارير تشير إلى احتمالية التجسس من قِبل السلطات، لكن ما كشفته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، بحلول نهاية العام بأن الإمارات استخدمت تطبيق “تو توك” للتجسس على مستخدميه، كان صدماً لشركات التطبيقات أدى إلى حذف التطبيق من المتاجر.
ونشر خلال العام أن استطلاعات الرأي تقول إن 55% من الإماراتيين يؤمنون أن هواتفهم الذكية مخترقة، وأن حواسيبهم المحمولة خاضعة للتجسس المباشر. ويتفقون جميعًا في عدم شعورهم بالأمان لرفع صورهم الشخصية على البريد الإلكتروني أو النظم السحابية الأخرى لإدراكهم أنها مخترقة من قبل الحكومة.
أما فيما يتعلق بأجهزة الحاسوب، والحواسيب المحمولة، فإن 57 بالمائة من مستخدمي الحاسوب يعتقدون أن الحكومة الإماراتية تتجسس عليهم، فيما أصحاب الحواسيب المحمولة بنسبة 36 بالمائة.
الاستطلاع لم يقف عند هذا الحد بل قال بعض أصحاب الكاميرات الأمنية المستخدمة لمراقبة المنازل إنهم يظنون أنها تستخدم للتجسس عليهم، وقال عدد أقل إن المساعد الصوتي على الأجهزة الذكية يتيح التجسس أيضا.
وقال البحث إن سكان الإمارات متخوفون بشأن خصوصيتهم على شبكة الإنترنت، وحوالي نصفهم اكتشفوا أن مستنداتهم وصورهم الشخصية تم تحميلها تلقائيا على السيرفرات السحابية للشركات، والبعض تخوف من التعبئة التلقائية لمعلوماتهم عند تقديم بعض الطلبات على الإنترنت.
وخلال العام الماضي أيضاً، أكد “فاير فوكس” المتصفح الشهير مخاوف الإماراتيين فقد رفضت شركة موزّيلا مالكة المتصفح جعل الإمارات واحدة من حراسها في مجال أمن الإنترنت. شركة دارك ماتر كان من المفترض أن تقوم بهذا الدور لذلك رفضت موزّيلا الأمر لارتباط اسم الشركة بالكثير من قضايا التجسس.
وفي نفس العام تزايدت المطالبات بإخراج تويتر الشرق الأوسط من الإمارات. وتزايدت الحملات على المنصة التفاعلية الشهيرة لنقل مقر الشركة إلى خارج الإمارات متهمين الإمارات بسرقة البيانات. وإيقاف حسابات معارضيها.