موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: مشاريع اقتصادية للإمارات في العراق بحثا عن النفوذ السياسي

147

تسعى الإمارات إلى أن يطال العراق خططها الإجرامية والعدوانية سعيا لكسب النفوذ السياسي من بوابة الاقتصاد في البلاد التي تحاول التقط أنفاسها من حرب طويلة وأزمة مالية خانقة وتشرذم سياسي مرير.

وبدأ الحديث يتصاعد عن دور إماراتي تشهده الساحة العراقية، يطل من نافذة الاقتصاد والتعاون المشترك، إلا أن أذرعه تتحرك شمالا وجنوبا، كما يرى كثيرون.

ورغم أن هذا التواجد كان مصحوبا بكثير من الوعود منذ اليوم الأول؛ فإن معظم هذه المشاريع لم تر النور حتى اللحظة.

كما أن ذلك لم يمنع البعض من البحث عن بصمات إماراتية في العديد من الأحداث التي تدور رحاها في العراق اليوم، فبعد تأييد “استفتاء إقليم كردستان” لم يعد الحديث سرا عن تحول دبي –وفقا لتقارير أمنية واقتصادية- إلى وجهة مفضلة للسياسيين العراقيين ورجال الأعمال الذين تدور حولهم شبهات الفساد.

خارطة مصالح اقتصادية تمتد من الشمال حتى الجنوب، وتتنوع بين مشاريع رسمية في قطاعي النفط والعقارات، وأخرى خارج نطاق القانون تتمثل في عمليات تهريب للنفط والآثار والسيارات، وعرقلة مشاريع حيوية كان يمكن أن تستفيد منها ميزانية العراق المرهقة بالديون والأزمات.

مساعدات “صورية”

رغم أن الإمارات أعلنت في فبراير/شباط الماضي عن تقديم خمسمئة مليون دولار للمساهمة في جهود إعادة الإعمار، في “مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق”، ثم تقدمت بعد ذلك بمبادرة لإعادة بناء وترميم المسجد النوري ومنارة الحدباء؛ فإن شيئا من ذلك لم يتحقق على أرض الواقع.

ويرى الخبير الاقتصادي ماجد جواد أن مؤتمر الكويت كان “صوريا”، ولا توجد أي مبالغ دفعت للعراق لإعادة إعمار المحافظات التي دمرتها الحرب حتى الآن.

وبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات والعراق خلال عام 2015 نحو 13 مليار دولار، وانخفض إلى 11 مليار دولار في عام 2016، منها 2.6 مليار دولار صادرات إماراتية، و6.7 مليارات دولار حجم تجارة إعادة التصدير، و1.8 مليار دولار واردات من العراق.

ووفقا لجواد، فإن الاقتصاد العراقي ريعي والصناعة والزراعة شبه متوقفة، مما يجعل الحاجة مستمرة لاستيراد البضائع لتلبية حاجة المستهلك، وسياسة الإمارات تقوم على الإغراق السلعي للسوق العراقية، مما يلحق أضرارا بالغة بالصناعة المحلية ويمنع تطورها.

كما أن الاستيراد العشوائي ضمن سياسة الإغراق السلعي هذه يمكن أن تكون رافدا لعمليات تبييض أموال، بحسب قوله.

ويضيف أنه لا توجد مؤشرات على وجود استثمارات إماراتية حقيقية في العراق، وما يجري من تسويق لقضية دعم الاقتصاد العراقي هو ليس أكثر من “دعاية إعلامية”.

ويقدر خبراء اقتصاديون حجم الاستثمارات الإماراتية في العراق بنحو سبعة مليارات دولار، معظمها في القطاع العقاري، وأغلبها ما زال طور التخطيط.

تهريب وتبييض

الخبير العسكري والمتحدث السابق باسم وزارة الداخلية العراقية اللواء الركن عبد الكريم خلف ألقى بعض الضوء على سياسة أبو ظبي وتوجهاتها في العراق، وأكد أن تهريب النفط من البصرة يجري بشكل رسمي، وأن علاقات وثيقة تجمع بين أطراف إماراتية ومهربين عراقيين.

وأضاف أن العملية كانت تجري أيام الحصار الاقتصادي على العراق في تسعينيات القرن الماضي، لكنها تحولت بعد 2003 إلى تعامل مع أحزاب لديها أذرع مسلحة، ونفوذ كبير تستغله في هذه العملية.

ويشير خلف إلى أنه يجري يوميا تهريب ما بين 200 و300 ألف برميل نفط من البصرة، تستقبلها الموانئ الإماراتية بشكل رسمي، وعلى وزارة الداخلية العراقية أن تقوم بجهود مضاعفة لمنع ذلك.

ويصف الدور الإماراتي في العراق بأنه “عملية تخريب ممنهجة ومنظمة”، لافتا إلى أنه ترأس وفدا أمنيا عراقيا عام 2009 زار الإمارات وأبلغهم بكافة التفاصيل، وعقد مذكرة تفاهم مع وزير البحث الجنائي، لكنهم لم يتحركوا لمنع هذه العمليات المخالفة للقانون.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن عمليات واسعة لتبييض الأموال العراقية تدور رحاها في دبي ومدن إماراتية أخرى، بحسب اللواء الركن، وذلك عن طريق شراء عقارات باهظة الأثمان، خاصة في مشاريع عملاقة يحتفظ عراقيون متهمون بالفساد فيها بأسهم وحصص كبيرة، مثل مشروع النخلة وغيره.

ويشير خلف إلى أن السفير الإماراتي في العراق حسن الشحي شجع إقليم كردستان على الانفصال، كما فعل ذلك القنصل في أربيل رشيد المنصوري، وشهد الإقليم زيارات لمسؤولين إماراتيين بارزين، من أجل حثهم على إقامة الاستفتاء في موعده، لتكون النتيجة الكارثية التي يدفع ثمنها الشعب الكردي اليوم، على حد قوله.

عالم العقارات

وجريا على سيرتها في عدد من البلدان الأخرى؛ اجتذب قطاع العقارات رؤوس أموال إماراتية كبيرة، خاصة في إقليم كردستان وبعض المحافظات الجنوبية، التي تشهد زيارات من قبل أعداد كبيرة من العراقيين والأجانب لأداء طقوس دينية شيعية، كالنجف وكربلاء.

وسبق أن اتفقت مجموعة شركات “الحمرا” الإماراتية الاستثمارية مع مجلس محافظة كربلاء على إنشاء قرى سياحية ومجمعات سكنية وفنادق سبعة نجوم في المدينة.

والتقى الوفد رئيس مجلس المحافظة نصيف الخطابي، الذي وعد بتقديم كافة التسهيلات لهم، كما تم الاتفاق أيضا مع شركة “بلوم العقارية” على تنفيذ مشروع مدينة “ضفاف كربلاء” السكنية، بمساحة عشرين كيلومترا على شواطئ بحيرة الرزازة في المحافظة، على أن يتم تنفيذها خلال ثماني سنوات.

أما في بغداد، فقد أعلنت شركة “إعمار العقارية” عن شروعها في تنفيذ مشروع “مدينة الرشيد السكنية”، ومنحت الحكومة مشروع مدينة “المستقبل” السكنية إلى شركة بلوم ومجموعة الحنظل الإماراتية، كما أسندت إلى شركة “داماك” تطوير وترميم العديد من الأسواق القديمة.

وسعت أبو ظبي إلى الاستفادة من الاستقرار الأمني لإقليم كردستان من أجل استقدام مزيد من رؤوس الأموال الإماراتية إلى هناك، وعبر عن ذلك السفير الإماراتي في بغداد بالقول إن في نية بلاده جلب أكثر من مئتي شركة من أجل المساهمة في “إعمار الإقليم”.

وفي مقدمة هذه المشاريع، مشروع “داون تاون” في أربيل عاصمة الإقليم، التي شهدت أيضا افتتاح فرع لبنك أبو ظبي الإسلامي وغرفة دبي التجارية.

تجارة الآثار

أثار ظهور قطع أثرية عراقية في متحف اللوفر بأبو ظبي غضبا عراقيا واسعا على الصعيدين الرسمي والشعبي، خاصة بعدما تم الكشف عن شراء متاجر “هوبي لوبي” الأميركية أكثر من 5500 قطعة أثرية عراقية مسروقة من وسطاء إسرائيليين وتاجر مقيم في الإمارات بقيمة 1.6 مليون دولار في يوليو/تموز من العام الحالي.

ويتهم القضاء العراقي نحو تسعين وزيرا ونائبا ومسؤولا حكوميا عراقيا، يقيم بعضهم في الإمارات، بالتورط في قضايا فساد، من بينها سرقات آثار وصل بعضها إلى الولايات المتحدة، لكن القضاء أغلق ملفاتها بسبب ضغوط سياسية، وفقا لمصادر في مجلس القضاء الأعلى العراقي.

وقال مصدر في المتحف العراقي  إن لدى السلطات العراقية دلائل ثابتة على تورط جهات إماراتية في تهريب قطع أثرية عراقية من عدة مدن، لا سيما الموصل.

وأكد أن عمليات البيع والشراء كانت تتم بالتعاون مع وسطاء محليين استغلوا نفوذهم وصلاتهم ببعض منتسبي القوات الأمنية من أجل الحصول على قطع يعود تاريخها إلى حقبتي الآشوريين ومملكة الحضر، ووصلت قيمة بعضها إلى عشرات آلاف الدولارات.

ووفقا للمصدر، فإن أوامر عليا وصلتهم منعت التحدث في هذه القضية أو الإشارة إلى تورط هذه الجهات الإماراتية، وتم التعتيم على القضية ومنع جميع موظفي المتحف وهيئة الآثار العراقية من الإدلاء بأي تصريح رسمي دون الرجوع إلى إدارتيهما.

ودفعت هذه الفضيحة مئات المدونين العراقيين في مواقع التواصل إلى الاحتجاج على هذا “التواطؤ” الإماراتي، مطالبين أبو ظبي بإعادة القطع المسروقة، ومحاسبة المتورطين في هذا العمل، إلا أن السلطات الإماراتية لم تعلن اتخاذها أي إجراء بحق المتهمين هؤلاء.

لكن إعلان السلطات الأميركية إعادة 3800 قطعة -من بينها قطع سومرية وآشورية وبابلية- إلى العراق في مايو/أيار المنصرم؛ خفف حدة هذه المطالبات، لتخفت الحملات، وتظل القطع المتبقية مجهولة المصير.

نفط الإقليم وغازه

ووجدت الإمارات في إقليم كردستان أرضا خصبة للاستثمارات، ربما تكون مدخلا لنفوذ سياسي في المستقبل، لذا سعت إلى توطيد استثماراتها النفطية والغازية في الأماكن الآمنة البعيدة عن المناطق المتنازع عليها، كما يقول الصحفي أحمد الطائي.

وفي مقدمة الشركات التي ولجت إلى استثمارات النفط والغاز هناك مجموعة “بيرل بتروليوم”، التي تمتلك عدة شركات إماراتية حصصا كبيرة فيها، مثل شركة دانة غاز التي تمتلك 35% من أسهمها، وشركة طاقة التي تستحوذ على 20% من أسهم شركة ويسترن زاكروس الكندية، وغيرها.

ويشير الطائي إلى أن استثمارات دانة غاز تدر على حكومة الإقليم عائدا يقدر بنحو 2.5 مليار دولار سنويا، في حين تسعى طاقة لإنتاج ما بين ألفين وثلاثة آلاف ميغاواط من الكهرباء خلال السنوات القادمة في الإقليم.

وبرزت إلى الواجهة مؤخرا شركة “الهلال” الإماراتية التي يرأسها العراقي حميد جعفر، وتعمل في قطاع استكشاف وإنتاج النفط والغاز بمنطقة الشرق الأوسط.

وبسبب حظر الحكومة العراقية نشاط “دانة غاز” لتوقيعها عقودا لمعالجة الغاز مع حكومة الإقليم اعتبرتها بغداد غير شرعية، لتحوز شركة “الهلال” بدلا منها على ثلاثة عقود لتطوير حقول عراقية في محافظتي البصرة وديالى، رغم أن الشركتين أكبر مساهمتين في مجموعة في “الكونسرتيوم” الإماراتية التي تضم شركات من دول مختلفة.

ويشير الطائي إلى أن حجم الاستثمارات المتوقعة لشركة الهلال في هذه الحقول يتجاوز 12 مليار دولار، سيجري تنفيذها خلال مدة تصل إلى عشرين عاما، وفقا لبيانات رسمية.

عرقلة ميناء الفاو

ثمة ملفات عراقية أخرى على طاولة الإمارات أيضا، من بينها ميناء الفاو الكبير، وهو المشروع الذي كان من الممكن أن يهدد ميناء جبل علي في دبي.

ويطل ميناء الفاو الكبير على الخليج العربي، ويمكنه استيعاب نحو 99 مليون طن سنوياً؛ ليكون واحداً من أكبر الموانئ في المنطقة، ووضع حجر الأساس لهذا المشروع في أبريل/نيسان 2010، إلا أن العمل توقف فيه لأسباب ما زالت غامضة.

المحلل السياسي عباس العرداوي يقول إن الإمارات قامت بتوجيه ضربة للاقتصاد العراقي عن طريق عرقلة مشروع ميناء الفاو الكبير، لمنع وصول القوافل الصينية وغيرها، كي تبقى دبي المحطة الأكبر والأهم لمرور البضائع في المنطقة.

ويضيف أن أبو ظبي استعملت أذرعها السياسية والاقتصادية في العراق لوقف المشروع، كما منعت إعادة تشكيل القوة البحرية العراقية، على حد قوله.

ويرى العرداوي أن تحركات الإمارات جزء من مشروع يرمي إلى إدارة الخليج وتهيئة المنطقة لما يعرف “بصفقة القرن”، وهي تقوم بعدد من المهام لتكون “شرطي المنطقة”.

ووفقا للمحلل السياسي، فإن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان يسعى لفرض وجود الإمارات في العراق، وإضعاف الدور السعودي فيه، رغم الحلف الظاهر بينهما، مستفيدا من الحضور الاقتصادي للإمارات، الذي يتزايد يوما بعد آخر.

نفوذ متزايد

ويقول الصحفي أسعد الزلزلي إن الإمارات قوة اقتصادية سريعة النمو في الشرق الأوسط، وبدأت في السنوات الأخيرة السعي للسيطرة على الأسواق الناشئة، والعمل على جعل الإمارات القوة الاقتصادية البرية والبحرية الوحيدة في المنطقة، وهي تتدخل في الشؤون الداخلية للعديد من البلدان بحجة المساعدة، لكنها تقوم فعليا بالاستحواذ على مقاليد الأمور تدريجيا.

ويشبّه دور الإمارات في العراق حاليا بدورها في جزيرة سقطرى اليمنية، حيث تحاول اليوم الدخول واستمالة السياسيين للسيطرة على الموانئ والمطارات، وتسعى للسيطرة على الحدود العراقية مع تركيا، وتدعم إقليم كردستان لكي يبقى “شوكة عالقة” في فم أنقرة، وفق تعبيره.

ومن الوسائل التي تستخدمها الإمارات لإضعاف النفوذ التركي دعم مقاتلي حزب العمال الكردستاني، المصنف تركيًّا منظمة إرهابية، وتتبنى مشروع انفصال الإقليم عن العراق.

وتربط بين محمد بن زايد والكثير من السياسيين والشخصيات العامة في العراق علاقات وثيقة، لذا باتت دبي الوجهة الأولى للأموال العراقية المسروقة، التي تذهب إلى شركات إماراتية لإعادة تدويرها، كما أن شخصيات عراقية بارزة لديها شركات واستثمارات كبيرة في الإمارات.

ويؤكد الزلزلي أن أغلب الأموال “المشبوهة” في العراق تذهب إلى هناك ليتم تبييضها في مشاريع خارجة عن السيطرة، ولا قدرة للحكومة العراقية على محاسبة هؤلاء الأشخاص الذي اشتركوا في سرقتها.