موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تعاطي الإمارات مع أزمة خاشقجي.. صمت وترقب وتجميد للزيارات الخارجية

112

أثار خبر إلغاء ولي عهد أبوظبي زيارته إلى كل من فرنسا والأردن الأسبوع الماضي التساؤلات عن سبب تراجع النشاط الدبلوماسي لقادة الإمارات وارتباط ذلك بالأزمة التي تواجهها السعودية حول قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي والتي وجهت فيها أصابع الاتهام مباشرة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الحليف الأقرب لمحمد بن زايد.

وتميزت الإمارات بالتدخل في الكثير من القضايا الدولية وخاصة العربية منها مثل تمويل الثورة المضادة للربيع العربي والانخراط مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الكثير من المغامرات.

ومن أبرز الأسباب التي تجعل الإمارات العربية تتراجع هو الإشارة الى دور ما لها بسبب استقبال طائرة من الطائرتين اللتين أقلتا الفريق الذي قام باغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول يوم 2 أكتوبر الجاري. وبالتالي، كل تحقيق دولي سيركز على الطائرة.

في الوقت ذاته، يعتبر محمد بن زايد شريكا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بل هناك من يقول أنه بوصلته السياسية في الكثير من الملفات الاقليمية، وتجنب وبن زايد حضور مؤتمر الاستثمار في السعودية حتى لا يأخذ صورا مع بن سلمان.

واكتشفت الإمارات كيف تحولت السعودية بكل قوتها ونفطها إلى دولة منبوذة من طرف العالم، وبالتالي فكل انفلات من الإمارات بتسببها في فضيحة دولية قد يسبب لها مشاكل مع المنتظم الدولي لا طاقة لها على مواجهتها.

تعاطي أبوظبي مع الأزمة

في البداية، صمتت الرياض طويلًا وصمتت معها أبو ظبي، بل تمادت وسائل الإعلام الإماراتية في الدفاع عن الاتهامات التي تكال إلى جارتها، لكن حين أنكرت الأولى قتل خاشقجي في قنصليتها، وأصر مسؤولوها على أنه غادرها بعد وقت وجيز من دخوله، وجدت الثانية نفسها – ومعها مصر والأردن والبحرين – تدور في فلك السياسة السعودية لإصدار بيانات تنديد باستهداف السعودية.

وبعد 18 يومًا من اختفاء الصحفي السعودي اشتدت الضغوط العالمية على الرياض، ما اضطرها للاعتراف بمقتل خاشقجي في رواية “هزيلة” أثارت استنكار العالم، ومثل ما حدث في المرة السابقة، كانت الإمارات جاهزة في مقدمة عدة دول عربية لإصدار بيانات دعم وتأييد وإشادة بالموقف السعودي الجديد وقرارات العاهل السعودي التي تضمن تشكيل لجنة برئاسة ولي العهد لإعادة هيكلة جهاز الاستخبارات.

بعد إعلان السعودية مسؤوليتها عن مقتل خاشقجي في رواية ثانية جاءت متناقضة في تفاصيلها مع الرواية الأولى، خيِّم الصمت على موقف الإمارات ومقتل جمال خاشقجي، وخاصة الأمر الذي يعتبره محللون هربًا من ورطة دولية أوقعت السعودية نفسها فيها.

مع اشتداد الأزمة وتزايد الضغوط على محمد بن سلمان بضرورة كشف وقائع جريمة الاغتيال، اتجهت الأنظار بشكل خاص إلى ولي عهد أبو ظبي للمساهمة في إنقاذ الحليف السعودي من ورطته، فهي ترتبط بعلاقات وثيقة مع عدد من جماعات الضغط في الولايات المتحدة التي يأتي من مشرعيها النصيب الأكبر حاليًّا من الضغوط على ولي العهد.

لكن على عكس المتوقع، التزم ابن زايد الصمت رغم أن تصرفات ابن سلمان في أغلبيتها تتم بمعرفته وربما بتحريض منه، وكذلك فعل الحليف الثاني عبد الفتاح السيسي، بينما حاولت واشنطن امتصاص ما جرى خوفًا من إسدال الستار على صفقة الأسلحة التي وقّعها ترامب مع السعودية وبلغت 110 مليارات دولار.

أدرك ولي عهد أبو ظبي أن ابن سلمان دخل في ورطة غير محسوبة النتائج، فبدأ في الابتعاد عن صديقه المقرب وحليفه الأوثق ابن سلمان، خاصة بعد أن تضافرت المواقف الدولية على الإشارة إليه وتحميله مسؤولية مقتل خاشقجي، وبعد تصاعد الدعوات الغربية لإبعاده عن ولاية العهد في السعودية.

توارى ابن زايد عن الأنظار العالمية، بل ألغى زيارتين خارجيتين إحداهما إلى فرنسا، كان بالإمكان أن يستغلهما في تخفيف الضغط الدولي عن رفيقه بل “تلميذه”، كما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن الروابط التي تجمع هي علاقة المعلم بالتلميذ.

يفسر المحلل السعودي مرزوق بن مشعان العتيبي صمت ولي عهد أبو ظبي بأنه يرجع إلى عدم رغبة ابن زايد في توريط نفسه بعملية الاغتيال، ووضع نفسه في خانة الاتهام، فالأخير – بحسب العتيبي – ورط “تلميذه” في الكثير من الملفات الدائرة في المنطقة، ولكن هذا لا يعني أنه سيورّط نفسه في جريمة اهتم بها العالم.

وبالتالي باتت حادثة اغتيال خاشقجي أكبر كثيرًا من تصورات البعض، فبينما ألقت الإمارات بثقلها إلى جانب السعودية في حصار قطر ودعم انقلاب مصر وحرب اليمن لتحقيق مآرب خاصة، كان صوتها أكثر خفوتًا هذه المرة، رغم أنها تتوافق في منهجيتها وسياستها مع الرياض، خاصة فيما يتعلق بطريقة التعامل مع الناشطين والمعارضين السياسيين، وما يتعرضون له من اعتقالات وملاحقات متكررة.

إذًا زاد ولي عهد أبو ظبي من تعقيد المسألة التي تتعلق بالمصير المجهول الذي ينتظر محمد بن سلمان في المرحلة المقبلة، بعد أن كان ولي العهد السعودي يعوّل على “معلمه” في الوقوف الحازم إلى جانبه في أزمة ثقيلة كهذه، لكن الواضح أن الإمارات لم تلق بثقلها في هذه الأزمة إلى جانب السعودية.

محاولات خجولة للتبرير

لم تقم الإمارات في هذه الأزمة دون غيرها بتحركات لافتة لتخفيف الضغط على الحليف السعودي، ولم يقم ابن زايد حتى بزيارة دعم للرياض، ولم تخرج المواقف الإماراتية المعلنة من قضية خاشقجي عن دائرة التضامن العام الذي استوت فيه مع دول عربية أخرى أضعف صوتًا وأقل تأثيرًا في المشهد الدولي.

يُرجع المحللون ذلك إلى خوف أبو ظبي من التورط في الواقعة، فهناك أيادٍ إماراتية لعبت دورًا فيما حدث مع خاشقجي، والدليل على ذلك – بحسب ما كشفته التحقيقات التركية – توجه إحدى الطائرتين بعد عودتها من عملية تصفية خاشقجي إلى الإمارات التي يُعتبر فيها ابن زايد رأس الهرم وعراب السياسات السعودية، وهو بمثابة المهندس الأساسي لسياسات المملكة.

والواقع أن القيادة الإماراتية تتابع مجريات قضية خاشقجي وردود فعلها بشكل سري، لكنها لا تبرزها في وسائل الإعلام، وتراعي بشكل كبير إمكانية تورط السعودية فعليًا بالدليل القطعي في قتل خاشقجي، الأمر الذي يجعلها تحفظ خط الرجعة أمام المجتمع الدولي.

ومن خلال بعض المواقف والتصريحات يبدو واضحًا أن الإمارات سعت من خلف الكواليس في قضية إخراج السعودية من ورطتها في قضية خاشقجي، لكن ذلك جرى بعيدًا عن الصفة الرسمية للدولة، وهو ما يتمثل حاليًّا بابتعاد وزيرها للشؤون الخارجية أنور قرقاش عن المشهد السياسي والإعلامي.

وقد عمل أبن زايد على مساعدة صديقه بطرق غير مباشرة، أبرزها تصدير قائد شرطة دبي السابق ضاحي خلفان المعروف بالتصريحات المثيرة للجدل وغير المحسوبة، لوضعه كواجهة للدفاع عن السعودية، ففي غمرة الإنكار السعودي لأي معرفة بمصير خاشقجي، ظهر خلفان ليحث السعودية بشكل غير مباشر على تجاوز حالة الإنكار وليقدم لها في الوقت ذاته وصفة للحل.

كتب خلفان على صفحته على “تويتر” تغريدة دعا فيها السعودية مبكرًا للتحلي بالشجاعة الأخلاقية والإقرار بفرضية وفاة خاشقجي إثر الاعتداء عليه من موظفي القنصلية السعودية في تركيا، وكانت المفارقة أن السلطات السعودية تبنت “المقترح” ذاته، وأقرت للمرة الأولى بمقتل خاشقجي في سفارتها، وأرجعته إلى حصول خلاف بين خاشقجي والفريق المفاوض.

التوجيه الإماراتي لم يقف عند هذا الحد، فقد استبق المغرد الإماراتي الشهير حمد المزروعي – القريب من دوائر صنع القرار في أبو ظبي – القرارات الملكية السعودية التي خرجت ليلًا بإعفاء مسؤولين، وقبل أن يعلم أحد بأن هناك قرارات ستصدر بالتغريد “ترقبوا.. لا حد يرقد”.

أبعد من ذلك قد يأتي عبر سفير الإمارات الحاليّ في واشنطن يوسف العتيبة، الرجل المسؤول عن رفع مكانة محمد بن سلمان كولي للعهد، فبعد نجاة الإمارات من التدقيق الذي تعرضت له السعودية، تعود مرة أخرى للعبة التأثير في واشنطن وكأن شيئًا لم يحدث.

وبحسب تقرير للكاتب ريان غريم في موقع “إنترسيبت”، فإن العتيبة سيكون – عبر مآدبه المتعددة – طرفًا في إخراج السعودية من ورطتها على المستوى الدولي، عبر لوبيات الإمارات في أمريكا التي استخدمها ابن زايد سرًا من أجل إخراج ابن سلمان من الأزمة، وخاصة فيما يتعلق بالتأثير على الموقف الأمريكي تجاه قضية خاشقجي وانعكاساتها على كل المستويات.

كان واضحًا مما سبق ذكره أن ابن زايد يريد الابتعاد عن الواجهة الإعلامية فيما يخص الدفاع عن ابن سلمان لكونه يعلم مدى خطورة ما جرى، وكذلك فعل شركاء المملكة في حرب اليمن وحصار قطر، حيث تسبب الضرر الذي لحق بسمعة السعودية بجعلها شريكًا أقل جاذبية.

ولعل ما يؤكد حجم “الورطة” التي وقع فيها ابن سلمان مواقف الكثير من الجهات التي أصبح شعارها الآن الصمت بعد أن أخذت على عاتقها محاباة ولي العهد على حساب الصحفي المغدور، فالقاهرة والمنامة وعمان لا تجد ما تقوله، فتقهقرت الرياض التي طالما تولت زمام التحكم في الخليج اليوم إلى المقعد الخلفي.

وكما تخلى هؤلاء عن قضية خاشقجي قد يتخلوا أكثر خلال الأيام القادمة عن صديقهم ابن سلمان، ففي الجامعة العربية – التي لم يُسمع لها صوتًا الآن – كانت الصورة تقول إن اجتماعًا استضافه البرلمان العربي، بالأحرى هو اجتماع للجنة الحريات في هذا البرلمان، لكن البرلمان شأنه شأن الجامعة لا يُحسن حديثًا أو بيانًا في موضوع قوي الصلة بحريات وحقوق الإنسان العربي في أن يكون حرًا لا أكثر.

وعلى الصفحة الرسمية للاتحاد العام للصحفيين العرب تغير الوضع كثيرًا، فهؤلاء كانوا أجدر بهم منذ البداية أن يشعروا بفداحة ما حدث لجمال الذي لم يكن يمتهن مهنة غير مهنتهم، فبعد أن كنت لا تجد خبرًا عن جمال خاشقجي ولا صورة له في الموقع، تجد الآن الاتحاد يطالب بكشف غموض الواقعة.

ومنذ 2016 وحتى 2018 وضعت الإمارات كل بيضها الإقليمي في سلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي تعاني بلاده وهو شخصياً من أسوأ أزمة دبلوماسية بسبب قَتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في اسطنبول. وهي الأزمة الأسوأ للمملكة منذ عام 2001 عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.