موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: الإمارات تحولت إلى مركز عالمي للتجسس

150

سلط تقرير نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية الضوء أن الإمارات تحولت إلى مركز عالمي للتجسس.

الأسبوع الماضي حول كيف أصبحت الإمارات مركزا استخباراتيا، والاعتماد هلى  كاميرات المراقبة المزروعة في “مركز أبو ظبي الوطني للمعارض”، لمراقبة مداخل السفارة الإيرانية ومخارجها، سلط الضوء على استمرار الإمارات في عمليات التجسس سواء داخل الدولة وخارجها.

ولعل قضية الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور المعتقل منذ مارس/آذار 2017، وما تكشف من عمليات التجسس على هاتفه النقال باستخدام برنامج تجسس لشركة إسرائيلية، تمثل أبرز مثال على عمليات التجسس على مواطني الدولة والمقيمين فيها.

قصة منصور هي جزء بسيط من قصص أكبر، فأبو ظبي تنفق ملايين الدولارات لشراء برامج التجسس على المواطنين والمقيمين على أراضيها، وتتنوع مصادر البرامج التي تسعى وراءها أبو ظبي، فكما تشتري برامج إسرائيلية فإنها تتعاون مع شركات بريطانية وألمانية وأمريكية مختصة في هذا المجال بحسب ما أورده تقرير لموقع ” نون بوست”.

وجاء تصريح نائب مدير مكافحة الجرائم الالكترونية في إدارة البحث الجنائي في دبي الرائد سالم عبيد سالمين، تحت ذريعة منع جرائم الإساءة والتشهير أن فريق من مكافحي الجرائم الالكتروني سيقوم بمراقبة كل من موقع تويتر وفيسبوك لمنع جرائم الإساءة والتشهير” ليرسخ ممارسة التجسس لدى الدولة تحت ذريعة الأمن.

هذا التصريح “المبطن”جعل الوجه الباسم للمواطن الإماراتي أحد أوجه الحقيقة على السطح، لكن في عمق آخر هناك وجه مغاير للسياسة الإماراتية تجاه مواطنيها، فالدستور الإماراتي يخلو من أي مادة تنص على حرية الرأي والتعبير، لكن الممارسات الواقعية ذهبت أبعد من ذلك بكثير.

فالنظام الإماراتي بات يتفنن في اصطناع كافة الوسائل التي تعطيه الحق – وهو ليس بحق – في فكرة تتبع النشطاء والحقوقيين والسياسيين للقضاء على حرية الرأي والتعبير، حتى وصل الأمر إلى التعاقد مع شركات إسرائيلية لتتبع هؤلاء المعارضين باستخدام برامج تجسس من قبل هذه الشركات.

لكن الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور كسر هذا الصمت، وعبر عن رأيه، وفضح تجسس النظام الإماراتي على مواطنيه، فما كان من النظام إلا أن أكد على اتهامه من خلال اعتقاله وإخفائه قسريًا، غير عابئ بالمناشدات الدلولية لإطلاق سراح منصور غير الحاصل على جوائز دولية حقوقية.

خيوط اللعبة – وإن بدت غامضة – تتكشف يومًا بعد يوم، فعدم ثقة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في ولاء جيشه لآل نهيان دفعه للبحث عمَّن يحفظ أمن البلاد، فعمل على تجنيد مرتزقة من دول عدة، وليس هناك دلالة على ذلك أكثر من تعيين الجنزال الأسترالي مارك هندمارش كرئيس للحرس الرئاسي الإماراتي، ناهيك عن كونها من أكثر دول المنطقة إنفاقًا على التسلح.

لعله هوسها الأمني إذًا هو ما جعلها تسعى لإنشاء وكالة مخابرات مركزية إماراتية، يتولى التدريب والقيادة فيها مدراء سابقون في “سي آي إيه” مقابل 30 ألف ددولار شهريًا، أبرزهم لاري سانشير المسئول السابق عن برنامج التجسس على مسلمي نيويورك، وريتشارد كلارك، مستشار بن زايد والرئيس التنفيذي لشركة “غود هاربور” لإدارة المخاطر الأمنية.

ومنذ مطلع القرن الحالي، تفردت إمارة أبو ظبي بربط شبكات تجسس رقمية لتعقب تحركات الجميع، فأنشأت أنظمة مراقبة لا تستثني أحداً من أفراد ومؤسسات ومبان وشوارع، أشهرها نظام “عين الصقر” الذي أعلنت عنه أبوظبي العام الماضين والذي أنفقت عليه بسخاء لترسيخ العبارة المتداولة “الإمارات بلد الأمن والأمان”، لكنه في الحقيقة يعني أنها باتت تملك بنية تحتية للتجسس في جميع أنحاء البلاد.

وفي هذا الشأن، تقول سو وليان المحامية المتخصصة في حقوق الإنسان والحريات العامة: “علمنا مؤخرًا من خلال فيلم وثائقي صدر مؤخرا عن “بي بي سي” أن مواطني الإمارات يخضعون لرقابة مباشرة، فالسلطات تمتلك تكنولوجيا متطورة للغاية تستطيع من خلالها تحديد مكان كل شخص بدقة متناهية كما تستطيع تحديد الأصوات عبر الهاتف واختراق البريد الإلكتروني لأي شخص”.

لا يأتي ذلك من فراغ، فموقع الإمارات الجيوسياسي يساعدها على الدخول في متاهة “التجسس”، فالأرضية الخصبة هناك جعلتها تتمتع بحركة أموال ووجود دائم لرؤوس الأموال فيها، فضلاً عن كونها تمثّل محور النقل العالمي، ووجهة سياحية جذابة، بالإضافة إلى أن دبي تمثل مركزًا ماليًا ومحطة لغسيل الأموال بعد بيروت، وتجعل كل هذه الظروف من الإمارات “منطقة صيد” ملائمة للمخابرات.

تكشف تقارير صحفية وحقوقية ما بدا غامضًا في سياسة الإمارات الجديدة، إذ اعتبرت الصحفية جينا ماكلولين المختصة بالرقابة والأمن القومي، في تقرير بموقع “ذا إنترسبت” أن الإمارات تسعى إلى إنشاء دولة رقابة كاملة، فقد تزامن اهتمام أبوظبي بعمليات التجسس والمراقبة مع إنشاء شركة “دارك ماتر” المتخصصة في الأمن الإلكتروني في أبو ظبي التي تعرف نفسها بأنها حليفة استراتيجية للإمارات.

الشركة تسعى في نطاق عملها لتجنيد خبراء إلكترونيين في مجال القرصنة ومكافحتها لتنفيذ هجمات إلكترونية واسعة والقيام بعمليات اختراق للأفراد والجهات، إذ تسعى لاستغلال أجهزة الرصد الموجودة في المدن الإماراتية في المراقبة من خلال صناعة برامج وزرع برمجيات لتعقب واختراق أي شخص موجود على أراضيها.

كما تقوم “دارك ماتر” بالبحث عن ثغرات في المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل وأجهزة الاتصالات، وتوظفها بهدف اختراق الأجهزة والأنظمة الإلكترونية، كما يمكنها السيطرة على كاميرات المراقبة أو الهواتف النقالة، وهو ما دفع الباحث في مجال الأمن الإلكتروني سيمون مارجاريتليلرفض للعمل مع الشركة التي سعت لتوظيفه لعمله على أداة مفتوحة المصدر للتنصت على الاتصالات عبر الإنترنت.

وكشف مارجاريتلي في مدونته الإلكترونية عن أن “دارك ماتر” شركة أمنية متجذرة داخل المخابرات الإماراتية، وذكر كيف حاولت الاستخبارات الإماراتية توظيفه للتجسس على شعبها، إذ أخبرته الشركة أنها ستوصل مراصد تسمح باختراق الاتصالات اللاسلكية بين الأجهزة الشخصية والشبكات الرقمية مثل نقاط الدخول لاسلكية والطائرات بدون طيار وكاميرات المراقبة وغيرها.

كما جلبت أبو ظبي شركات أمن أجنبية واعتمدت على خبراء من مختلف أنحاء العالم؛ مختصين في أمن المعلومات وتكوين جيوش إلكترونية بارعة في قرصنة المواقع التابعة لدول أخرى، لذلك تجد الشركات الغربية لمراقبة الانترنت كل ترحاب في الشرق الأوسط، حيث يمكنهم بيع الكثير من معدات التجسس على المواطنين على الانترنت، وهو ما فعلته دولة الإمارات تمامًا.

وفي أبريل/نيسان 2018، نشر تلفزيون “CBC News” الكندي تقريراً أبرز فيه أن دولة الإمارات تستخدم برامج تجسس كندية لمراقبة الناشطين الحقوقيين، وسط مطالبات حقوقية بوقف تصدير تلك التكنولوجيا لأبو ظبي في ظل سجلها سيئ السمعة في حقوق الإنسان، ونبّه التلفزيون الكندي إلى قضية أحمد منصور الناشط في مجال حقوق الإنسان المعتقل منذ أكثر من عام في سجن إماراتي، ويحاكم الآن بتهمة تتعلق بقانون الجرائم الالكترونية “سيئ السمعة”.

وبعد شهرين فقط، وتحديدًا في الـ25 من مايو/أيار 2018، أعربت مؤسسة سكاي لاين الدولية عن قلقها إزاء معلومات وصلتها عن قيام كل من الحكومة البريطانية وشركة كندية بتزويد أنظمة من الشرق الأوسط – على رأسها الإمارات – بأدوات تجسس على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكنها مراقبة تستطيع من خلالها التنصت واختراق الأجهزة الإلكترونية بسهولة، ودون معرفة من المستخدمين.

وكانت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” كشفت في يونيو/حزيران العام الماضي ما قالت إنه صفقات بين شركة “بي ايه إي سيتمز” البريطانية ودول عربية، تم بموجبها بيع أنظمة تجسس وفك شيفرات لكل من السعودية والإمارات؛ لذلك تصف منظمة الخصوصية الدولية خطط المراقبة التي تطبقها الدولتان بالمخيفة للغاية، وأن البنية التحتية مصممة لمراقبة جميع الأشخاص والأجهزة في البلاد.

لم تكتف الإمارات باقتناء أجهزة التجسس، بل كانت وسيلتها للتقرب من النظام المصري، حيث أثبت تحقيق صحفي أجراه “أوليفييه تيسكيه” في صحيفة “تيليراما” الفرنسية أن الإمارات أهدت عبد الفتاح السيسي بعد تنفيذه الانقلاب العسكري عام 2013 نظامًا متطورا للمراقبة، الهدف منه تعقب ومطاردة المعارضين، وبينهم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.

وكشف تيسكيه أن الإمارات قامت بدفع مبلغ عشرة ملايين يورو لاقتناء البرنامج من شركة “نيكسا تكنولوجي” الفرنسية، عبر شركتين، إحداهما في دبي. وأفاد تيسكيه بأنه تم توقيع الصفقة في مارس/آذار 2014، وتم إطلاق اسم “تولبيرون” على برنامج التجسس.

لم يكن لدى الإمارات أي خبرة في مجال التجسس في السابق لكنها بنت مراكز مجهزة بكل المعدات والتقنيات الحديثة وبدأت باستقطاب ضباط استخبار ذوي خبرة في مجال التجسس لتأهيل كوادر إماراتية في هذا المجال، ملتحفة برداء الحداثة والتجارة والأمن لتخفي وراءه دولة بوليسية تراقب الجميع وتقمع كل من سولت له نفسه الخروج عن السرب.

وبحسب تقرير لمجلة  “فورين بوليسي”، يقوم بعض الغربيين بتدريب الإماراتيين على استخدام أدوات التجسس الحديثة، في بقعة تقع إلى الشمال الشرقي من ميناء زايد في أبوظبي، كجزء من مساعي الإمارات لإنشاء أطر استخباراتية محترفة على شاكلة المخابرات الغربية، وبناء بناء إمبراطوريّة تجسس في منطقة الخليج.

وقالت المجلة إن اعتماد الإمارات على الأجانب لتشكيل مؤسساتها الأمنية ليس جديدا، لكنها كانت تسعى إلى إخفاء ذلك بعيدًا عن الناس، كما أن توظيف عناصر المخابرات الأميركية السابقين يعتبر أمرًا جديدًا. وكل هذا من أجل محاولة ضبط إيقاع المجتمع الإماراتي بالتجسس على المواطنين والمقيمين، وحماية نظام الحكم في الدولة.

ومن بين الأشخاص الذين يقومون بعمليات التدريب هذه، لاري سانشيز، الذي يعد واحدًا من كثير من المسؤولين الأمنيين الغربيين الذين شقوا طريقهم إلى الخليج لتقديم التدريب الأمني، وهو يعمل حالياً لدى ولي عهد أبوظبي في الإمارات على مدى السنوات الست الماضية لبناء منظومة استخباراتية كاملة من الألف إلى الياء، وفقاً لستة مصادر تحدثت إلى مجلة “فورين بوليسي”.

لم تتوقف عمليات أبو ظبي عند التجسس ومراقبة من يقيم على أراضيها بل سعت لقرصنة مواقع خارج حدودها

كما انتقل إريك برنس مؤسس “بلاك ووتر” إلى الإمارات لإنشاء كتيبة من القوات الأجنبية التي تخدم ولي العهد، والتي كشفت عنها صحيفة “نيويورك تايمز” لأول مرة في عام 2011، كما أن “ريتشارد كلارك” يعمل هو الآخر كمستشار كبير لولي عهد أبوظبي بصفته الرئيس التنفيذي لشركة “غود هاربور” لإدارة المخاطر الأمنية.

لم تتوقف عمليات أبو ظبي عند التجسس ومراقبة من يقيم على أراضيها بل سعت لقرصنة مواقع خارج حدودها، فسانشيز وفريقه يهدفون لتشكيل جهاز استخبارات يركز على التهديدات خارج حدود الإمارات، في دول مثل اليمن وإيران وليبيا وقطر وسوريا وإرتيريا.

حدث ذلك مؤخرًا في اختراق وكالة الأنباء القطرية ومواقع حكومية أخرى، ونشر تصريحات مفبركة منسوبة إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني استخدمت ذريعة لحصار قطر. هذا الاختراق أدى إلى أزمة الخليج الحالية التي كشفت النقاب عن دور للجان الالكترونية التي تعبت بالرأي العام وتوجهه في اتجاه ضيق أو ترهبه لإسكات الرأي المعارض.

خليجيًا أيضًا، كشفت السلطات العمانية أكثر من شبكة تجسس إماراتية قالت إنها تعمل لقلب نظام الحكم على مدى سنوات، وتخطط لضم سلطنة عمان بعد وفاة سلطانها قابوس بن سعيد مع العلم أن أراضي الإمارات كانت تابعة لساحل عمان، وكانت الشبكة التجسسية بمثابة الصدمة لدى العمانيين.

وفي يناير 2018، كشفت وثائق ومراسلات مسربة من دولة الإمارات عن وجود شبكة تجسس عملاقة لحساب جهاز أمن الدولة الإماراتي تعمل بنشاط بالغ في تونس وتحاول التأثير في كافة مناحي الحياة السياسية في البلاد، وصولاً إلى التجسس على رئيس الدولة الباجي قايد السبسي وحركة نداء تونس التي يتزعمها، إضافة إلى حركة النهضة التي تعمل الشبكة على التجسس عليها وتوجيه ضربات سياسية لها.

كذلك لم تسلم تركيا من محاولات التجسس الإماراتية خارج حدودها، ففي وقت سابق نشر وسائل إعلام مختلفة تقاريرًا تؤكد أن الإمارات كان لها دور في الانقلاب الفاشل الذي حصل  في تركيا العام الماضي، كما أعربت صحيفة “ميدل ايست آي” البريطانية أن “محمد دحلان” القيادي الفلسطيني التابع لحركة “فتح” الفلسطينية والذي يعيش في الإمارات منذ فترة طويلة كان يقوم بدور الوسيط بين الحكومة الإماراتية وجماعة الداعية “فتح الله غولن” المتهم الرئيسي في عملية الانقلاب الفاشلة.

وبنهاية كلمة “عدو الدولة” لم يحدد عضو الكونجرس  هامرسلى – الذي أراد إدخال نظام مراقبة جديد – الحد الفاصل بين حماية الأمن القومي والحريات الشخصية وكذلك فعلت أبو ظبي، “فلو كان حاكمها صريحًا أكثر مما ينبغي في بعض المواضيع لرجمه الإماراتيون بالحجارة”، كما نسب  لمحمد بن زايد بحسب وثيقة مسربة من ويكيليكس عام 2017.

والعام الماضي نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريرا، كشفت من خلاله عن سعي دولة الإمارات لبناء شبكة تجسس ضخمة في الخليج، وذلك عبر التعاقد مع موظفين سابقين في أجهزة استخبارات أجنبية، وإغرائهم بالمال للقدوم إلى أبو ظبي، وجعل خبراتهم تحت تصرفها.