كشفت وثائق مسربة عن هوية صحافيين أوروبيين جندتهم دولة الإمارات للتحريض والتشهير من خلال وكالة الاستخبارات الخاصة ALP Services ، التي يترأسها ماريو بريرو.
وأظهرت الوثائق الداخلية لشركة Alp Services أنها نجحت في إنشاء شبكة سرية من الصحافيين الموالين، وفي بعض الأحيان يتم دفع أجور لهم، في دول أوروبية.
وُصف 4 صحافيين محترفين بـ”وكلاء فرعيين” من قبل وكالة الاستخبارات الخاصة ALP Services ، التي يترأسها ماريو بريرو، وتعمل على تقديم “خدمات” للإمارات.
من بين هؤلاء الصحافي لوي دي راغونيل (أوروبا 1، سابقاً في فالور أكتويل) وإيان هامل (ماريان ولو بوان)، وعلى رغم وجود وثائق ماليّة وتقارير تذكر مقالاتهم، إلا أنهم أنكروا تلقي أي أموال من الوكالة السويسريّة، التي لم ينكروا تواطؤهم معها.
كان لوي دي راغونيل أول اسم ذو ثقل انتقل من مجلة “فالور أكتويل-Valeurs Actuelles” التي تميل لليمين المتطرف، إلى إمبراطورية الصحافة التابعة لفينسنت بولوريه -Vincent Bolloré.
ففي أيلول/ سبتمبر 2020، أُعلن عن انتقاله من قسم “شرطة/ عدالة ” في المجلة السابقة، إلى رئاسة قسم السياسة في إذاعة “أوروبا 1″، الأمر الذي أثار ضجة واحتجاجات من قبل الصحافيين.
تكرر السيناريو ذاته اليوم مع رئيسه السابق جيوفروا لوجون، مدير التحرير السابق في “فالور أكتويل”، الذي تسبب تعيينه في رئاسة “جورنال دو ديمانش” في إضراب للصحافيين دام 19 يوماً.
ساهم لوي دي راجونيل في تحويل وسائل الإعلام التابعة لمجموعة بولوريه نحو اليمين، كما تمكن عام 2019، حين كان متعاوناً مع كلود جينان، وزير الداخلية في عهد نيكولا ساركوزي، من إجراء مقابلة طويلة مع إيمانويل ماكرون حول الإسلام والهجرة.
كما حاول كشف مصادر صحافيين اثنين من جريدة “لوموند” بهدف إظهار مؤامرة مزعومة، تهدف إلى إلحاق الضرر بنيكولا ساركوزي.
مؤخراً في قناة “أوروبا 1″، كان هو من كشف في 28 حزيران/ يونيو الماضي، وفق “مصادر من الشرطة الفرنسية”، عن السجل العدلي للشاب نائل الذي قتله ضابط شرطة في نانتير – وهو سيناريو كلاسيكي يهدف إلى محاولة تجريم الضحية.
لكن هناك جانب في سيرة لوي دي راغونيل المهنية لم يكشف عنه حتى الآن، إذ ذكر أنه تلقى 5000 يورو بصفة “متعهّد” ووكيل فرعي لشركة Alp Services السويسرية للاستخبارات الخاصة التي تعمل لصالح جهاز المخابرات في دولة الإمارات.
هذا ما كشفه تحقيق “أسرار أبوظبي”، الذي يعتمد على وثائق سرية حصلت عليها ميديابارت وتمت مشاركتها مع EIC بناءً على مقال نشرته مجلة “نيويوركر“.
وقد دفعت الإمارات بين عامي 2017 و2021 مبلغ 5.7 مليون يورو لشركة الاستخبارات السويسرية، لتنفيذ مهام استخباراتية وتشويه سمعة أعداء أبوظبي: قطر وجماعة الإخوان المسلمين.
تمثلت إحدى مهام شركة الاستخبارات في التلاعب بالرأي العام عن طريق التأثير على وسائل الإعلام وتعديل صفحات ويكيبيديا: “سنستخدم مجموعة من الصحف الرئيسية (للمقالات الرئيسية) ووسائل الإعلام المؤثرة والمنصات حيث يمكننا نشر ما نريد/ عندما نريد فيها.
إضافة إلى مدونات ومنتديات أخرى لزيادة الظهور في محرك البحث غوغل”، هذا ما وعدت به شركة Alp Services عميلها الإماراتي عام 2018.
استخدمت الوكالة السويسريّة الأساليب ذاتها التي استخدمتها وكالة “أفيزا بارتنرز” الفرنسية، والتي تم تفصيلها في تحقيقاتنا “عملية التضليل“.
إذ كانت Alp Services تستخدم أشخاصاً وهميين لاختراق المساحات التشاركية في وسائل الإعلام (مساحات تعليق القرّاء)، بما في ذلك نادي “ميديابارت”، حيث كان يعمل مدونان مزيفان باسمي “تانيا كلاين” و “المرصد المستقل لقطر”، وقد قمنا بإغلاق تعليقاتهما بمجرد اكتشافنا للأمر.
هناك حدود لفعالية هذه الطريقة، “المدونات بأسماء مستعارة قد تعمل لفترة معينة. ما يجعل الفارق هو الحصول على مقالات حقيقية. يمكنك من خلال ذلك التأثير على سيرة شخص وإلحاق ضرر فعلي به”، يروي خبير في هذا المجال.
ففور الحصول على مقال حقيقي، يقوم ماريو بريرو بإبلاغ وكيله داخل المخابرات الإماراتية عنه على الفور، وأعداً بأن فريقه :”سيعمل بجد لجعله ينتشر بشكل واسع”.
كشفت الوثائق الداخلية لشركة Alp Services أنها نجحت في إنشاء شبكة سرية من الصحافيين الموالين، وفي بعض الأحيان يتم دفع أجور لهم، في دول أوروبية.
لوي دو راغونيل “متعهّد” لآلب سيرفيس
أحد الأشخاص الأكثر شهرة الذين ذكروا في الوثائق، هو لوي دي راغونيل. تشير الوثائق الداخلية إلى أنه شارك في عملية “أرنيكا” التي تهدف بشكل رئيسي، إلى رسم خريطة لشبكات جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا.
كشف الجزء الأول من التحقيق أن عملية أرنيكا تسببت في تسجيل أكثر من 1000 مواطن أوروبي، بمن فيهم 200 فرنسي، في قواعد البيانات، غالباً من دون أسباب مشروعة.
يذكر في وثيقة مالية لعملية أرنيكا دفعة مالية قدرها 5000 يورو وصلت إلى لوي دي راغونيل، بصفته “متعهداً للأبحاث”.
وتوضح وثيقة ثانية أن الصحفي، في ذلك الوقت في “فالور أكتويل”، كان “متعهداً / صلة وصل”، وقام بـ”بحوث حول جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا (مشروع أرنيكا)”. حتى تم تقييمه من قبل Alp Services التي قالت، “تقرير متوسط ولكنه صلة وصل جيدة”.
تركت العلاقات الجيدة بين الصحافي وشركة الاستخبارات السويسرية آثاراً وأدلةً، تبدأ من منتصف عام 2020 .
هناك أولاً رسائل “واتساب” تظهر قربه من رئيس Alp، ماريو بريرو ، إذ يكتب لأحد الموظفين في ALP Services “كيف حالك حبيبنا ماريو؟”، كما سأل بريرو في رسالة “ما الذي يجب أن نفكر فيه؟”، مشيراً إلى مهمة قائمة، أنهى بعدها سؤاله بودّ الأصدقاء.
وفقاً لوثيقة داخلية، فإن رئيس التحرير في فالور أكتويل ساعد استشاريي Alp في توسيع شبكتهم، من خلال تقديم صحافي من مجلة باري ماتش –Paris Match، وآخر من مجلة كوزور-Causeur.
في رسائل البريد الإلكتروني التي وجهت إلى الشيخ مطر في دولة الإمارات، ذكر ماريو بريرو أن فالور أكتويل هي واحدة من أوراقه المهمة: “طوال مدة المهمات، يتم نشر مقالات تركز بدقة على الأهداف المحددة من قبل الوكالة”.
وجرى رصد 6 مقالات نشرت بين نهاية عام 2017 وعام 2020، تفتخر Alp Services بأنها أثارتها، ومحتواها مشابه جداً للتقارير التي أعدتها الوكالة.
قام لوي دي راجونيل بكتابة مقالين على الأقل من هذه المقالات. في 5 يونيو 2019، كتب ليونيل بي، مسؤول مشروع الإمارات في Alp، لوي دي راجونيل قائلاً: “لدينا بعض المعلومات عن مدرس في مدرسة إسلامية في فرنسا يبدو أنه غير مستنير تماماً… هل يمكن أن يثير اهتمامك/ فالور أكتويل؟”.
وقد رد لوي دي راجونيل “شكراً جزيلاً! بكل سرور!”، ثم قام بتضمين هذه المعلومات في مقال نشر بعد خمسة عشر يوماً عن “ارتفاع نسبة الجماعات المغلقة في فرنسا بشكل مقلق”.
ذكر مقال آخر من لوي دي راجونيل ( تمت إعادة نشره لاحقاً من دون توقيعه)، الإمام حسن إكيوسين Hassan Iquioussen، الذي يظهر اسمه في اثنين من وثائق Alp، بما في ذلك واحدة تخص “الهجمات الإعلامية”.
مقال آخر بعنوان “مسجد مولهاوس العملاق يثير الجدل” وصف كنجاح في أحد التقارير التي أرسلت إلى جواسيس أبو ظبي: “في حزيران/ يونيو 2019، تمكنا من نشر مقال نقدي عن جماعة الإخوان المسلمين في مجلة فالور أكتويل، التي وأنتجت أيضاً فيديو قصير وشعبي لوسائل التواصل الاجتماعي”، الفيديو يتم تقديمه بواسطة لوي دي راغونيل.
دفعت الإمارات بين عامي 2017 و2021 مبلغ 5.7 مليون يورو لشركة الاستخبارات السويسرية، لتنفيذ مهام استخباراتية وتشويه سمعة أعداء أبوظبي: قطر وجماعة الإخوان المسلمين.
قضية مجدي نعمة
أكثر الأعمال الجنونية التي تورط فيها لوي دي راغونيل تتعلق بمجدي نعمة. ففي 29 كانون الثاني/ يناير 2020، تم اعتقال هذا السوري البالغ من العمر 31 سنة في مرسيليا وتم توجيه اتهامات له بـ”جرائم الحرب” و”التعذيب” و “المساهمة في الاخفاء القسري”.
يشتبه بأن نعمة ارتكب أفعالاً بشعة خلال الحرب الأهلية السورية عندما كان، بين عامي 2011 و2016، يعمل تحت اسم “إسلام علوش” ناطقاً باسم جماعة متمردة إسلامية تسيطر على ريف دمشق، ليتحول لاحقاً إلى العمل كباحث في تركيا.
هذه القضية محرجة، لأنه منذ عام 2019، حصل مجدي نعمة على تأشيرة إيراسموس فرنسية، وكان طالباً في معهد البحوث حول العالم العربي والإسلامي (Iremam) في جامعة إكس مارسيليا، والتابعة للمركز الوطني للبحوث العلمية.
أكد ريتشارد جاكموند، مدير Iremam، لوكالة الصحافة الفرنسية (AFP) أنه لا يعرف ماضي مجدي نعمة، وأن وصوله تمت الموافقة عليه من قبل السلطات.
أكدت وزارة الشؤون الخارجية أن التأشيرة منحت له “بناءً على ملف كامل، بعد التحقيق من قبل الخدمات الوزارية المختصة”.
اتضح لاحقاً أن فرانسوا بورغا أحد الباحثين والمدير السابق لـIremam، ، يحمل مواقف داعمة لجماعة الإخوان المسلمين ويترأس مركز بحوث في باريس يتلقى تمويلاً من قطر.
استغل باحثان معارضان لفرانسوا بورغا ومهاجمان لـ”الإسلام اليساري” هذه القضية على “تويتر”، واتهما بشكل ضمني مركز Iremam، بأنه كان على علم بماضي مجدي نعمة المشين، وبالتالي المركز “شريك” في دعم الإسلام السياسي.
ومع ذلك، كانت الأدلة التي قدمها أحد الباحثين في تغريدات (تم حذفها فيما بعد) قليلة جداً: أشار إلى أن أحد الباحثين في إيريمام نشر، قبل ثلاث سنوات، مقالة مع عضو في المركز البحثي التركي الذي انضم إليه نعمة حديثاً. ومن المنطقي أن لا تناقش وسائل الإعلام هذا الموضوع، باستثناء موقع ألماني.
ماذا عن Alp services؟
هنا يأتي دور شركة Alp Services، إذ تسعى الشركة لجعل اتهامات أعداء بورغا تنتشر في فرنسا.
وهنا أتى دور ليونيل ب، رئيس مشروع الإمارات في آلب، الذي فكر بلوي دي راغونيل، إذ أرسل إلى زميلة له باسم أرينا أ، في 5 شباط/ فبراير عام 2020 الرسالة التالية: “يمكن أن ينتقد لوي Iremam، والأكاديميين اليساريين المؤيدين للإسلام السياسي؟” […] سيكون من الجيد ذكر صلة مع جماعة الإخوان المسلمين”.
في اليوم، تكتب هذه الموظفة في آلب إلى الصحفي في “فالور أكتويل” التالي: “طلب مني ماريو [بريرو] أن أرسل لك رابطاً لمقال بالألمانية قد يهمك.”، يرد لوي دي راجونيل “شكراً جزيلاً!”.
أخبرت Alp Services على الفور الجاسوس الإماراتي مطر حول هذا العمليّة: “تواصلنا مع صحافيين من وسائل الإعلام الرئيسية في فرنسا / سويسرا وأبلغناهم بأنه من المشين أن يقبل هذا المركز البحثي بمتدرب يحمل ماضياً إجرامياً واضحاً. كما أبلغنا الصحافيين أن المركز (Iremam) يتعرض لاتهامات بقربه من جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها مثل فرانسوا بورغا-François Burgat“.
زودت أرينا أ. لوي دي راغونيل ببعض المعلومات الإضافية. “شكراً على كل شيء. أنا أتابع!” ، يرد في 7 شباط الساعة 16:33. “ها هو ما فعلناه” ، يكتب له بعد ساعة واحدة، ويشارك راب المقالة التي نشرتها “فالور أكتويل” للتو. عنوانها: “الجامعة الفرنسية شريكة في جرائم حرب الجهاديين؟”.
المقالة، التي تستند تماماً إلى المعلومات المقدمة من قبل ألب، تتوافق تماماً مع زاوية الوكالة المطلوبة. تهنئ أرينا أ. لوي دي راجونيل: “رائع، تحقيق جميل. سيكون ماريو في باريس قريباً وسيكون سعيداً برؤيتك”. يرد راجونيل “أنا أيضاً”.
بالنسبة للشركة السويسرية، هذا النجاح فرصة ذهبية. لأن المخابرات الإماراتية كانت تؤخر دفع فاتورة كبيرة. يقترح ليونيل ب. إرسال هذه “المقالة الممتازة” إلى الشيخ مطر والاستفادة من الفرصة لـ “تذكيره بلطف بالدفع”.
تم إرسال البريد الإلكتروني، الذي تمت الموافقة عليه من قبل ماريو بريرو، إلى الجاسوس الإماراتي بعد ثلاثة أيام. “يزيد هذا المقال من الضغط على فرنسا وسلطات الاتحاد الأوروبي لأنه يظهر كيف تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من الدخول إلى مراكز البحوث التي تحظى بتمويل من الدولة”.
تشير Alp Services إلى أن المقالة تمت مشاركتها على تويتر من قبل النائب في حزب الجبهة الوطنية لويس أليوت-Louis Aliot. وفيما يتعلق بـ “الدفع المعلق”، يختم بالقول: “هل يمكنكم […] أن تخبرونا إذا كان هناك مشكلة؟”.
أثمر البريد الإلكتروني، ورد الشيخ مطر، “شكراً جزيلاً. يتم إرسال دفعة قيمتها 1.318 مليون يورو إلى حسابك”.
عندما سئل لوي دي راغونيل عن هذه القضية، أجاب أن “لا علاقة له بكل هذه القصص”، أما رئيس تحرير “فالور اكتويل”، توغادول دينيس، فلم يجب. وماريو بريرو رفض الرد علينا بدوره، وتأسف لأننا نستخدم “بيانات مسروقة”، رفض أيضاً ليونيل .ب وأريانا .أ الإجابة والتعليق ممارسين واجبهما باحترام سريّة مديرهما السابق.
“العلاقات الخطيرة” لصحفي في مجلتي “لو بوان” و”ماريان”
ثاني صحفي فرنسي ربطته علاقات وثيقة مع الوكالة السويسريّة هو إيان هامل-Ian Hamel، المتخصص في الإسلام السياسيّ وجماعة الإخوان المسلمين، وكتب بشكل خاص عن طارق رمضان، الأكاديمي الإسلامي المشهور، المتهم بـ”الاغتصاب”.
يقع مكتب هامل في جنيف، وهو مراسل لمجلة “لو بوان-Le Point” ويتعاون مع مجلة “ماريان-Marianne” وموقع “أمة.كوم-Oumma.com”، وهو أحد المواقع الرئيسية للمعلومات الموجهة للمجتمع المسلم الفرنسي.
عندما تم الاتصال بإيان هامل من قِبَل ميديابارت، أشار إلى أنه “مثل معظم الصحفيين في سويسرا”، يعرف ماريو بريرو منذ فترة طويلة، ويعتبره أحد مصادره فقط. ومع ذلك، تشير وثائق داخلية إلى أن إيان هامل تلقى أجراً من الشركة السويسرية، وعمل كمصدر معلومات لها.
في 28 تموز/ يوليو 2017، دعا ماريو بريرو إيان هامل واثنين من موظفيه، بمن فيهم ليونيل ب.، رئيس مشروع الإمارات، لتناول الغداء. سجّل رئيس آلب الحديث سراً وأطلق عليه اسم “ارنيكا-مصدر-إيان هامل”، يؤكد التسجيل أن الأدوار التقليديّة انعكست: موظفو الوكالة السويسريّة الذين يطرحون الأسئلة الآن، والصحفي يجيب.
يستجوب ماريو بريرو إيان هامل بشكل رئيسي حول طارق رمضان وقطر، يقول له بريرو إنه يسأله نيابةً عن “عميل” مستقبلي، ولكنه يكذب عندما يقول إنه لا يعرف هويته: “لسنا متأكدين من الشخص الذي طلب ذلك بالضبط، […] المعلومات تمر عبر مكتب إنكليزي طلب منا إعداد نوع من الخريطة حول جماعة الإخوان المسلمين وقطر وأخبرني ليونيل، أن الخبير الأشهر أنت’”.
بعد ساعتين من الحديث، حان الوقت الوداع، تمنى إيان هامل “حظاً سعيداً” لماريو بريرو في مهمته المستقبلية، ويشير الأخير إلى احتمال التعاون: “استمع، إذا حصلنا على التكليف، سنتواصل ونرى كيف يمكننا… […] سنبقيك على اطلاع”.
وفقاً لوثيقة داخلية، تم دفع 5000 يورو و1500 يورو كمصاريف، لمراسل “لو بوان” كجزء من عملية “ارنيكا” للقيام بـ “أبحاث حول جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا”. ووفقاً لتقييمهم الداخلي، إيان هامل ليس “رائعاً في إعداد التقارير”، ولكنه “مصدر جيد”.
التقرير هو وثيقة بعنوان “ارنيكا إيان هامل – مذكرة”، وهو مسح ضوئيّ لمذكرة غير موقعة بعنوان “تقرير مبدئي” مخصص لقطر وطارق رمضان – المواضيع ذاتها التي نوقشت أثناء الغداء.
تشير الوثيقة إلى أن إيان هامل عمل لحساب ALP services تحت غطاء نشاطات صحفية: “خلال أربعة أيام، تمكنت من مقابلة متخصصين مختلفين أعرفهم منذ سنوات عديدة جداً. استفاد مسؤول موقع “أمة.كوم” من ذلك […] لإجراء مقابلة معي حول “علماء الإسلام”، وهو ما قد يوفر مبرراً لمقابلاتي”.
يذكر إيان هامل أنه سافر على نفقته الشخصية إلى باريس لحديث صحفي تجريه معه وسيلة الإعلام أمة.كوم، حيث يعمل كـ”متطوع”. ويؤكد أنه قد استغل الفرصة لمقابلة “خبراء في الإرهاب” وأنه أبلغ ماريو بريرو بتفاصيل هذه المقابلات “عبر الهاتف وعبر البريد الإلكتروني”، يقول “كلامي لم يكن مختلفاً عما أكتبه بانتظام في الصحافة”.
يشير إيان هامل إلى أنه لم يكن يعلم أن آلب سيرفيس تعمل لصالح الإمارات. يقر بأنه تلقى أموالاً من الشركة السويسرية، ولكن فقط لتغطية نفقاته: “بعد عودتي، اقترح ماريو بريرو تغْطية تكاليف الرحلة (القطار، الفندق، الطعام)، ووافقت على ذلك. ومع ذلك، لم يكن هناك أي نقاش حول الأجر”.
بالإضافة إلى مهمة “ارنيكا”، تشير وثائق تحمل عبارة “مذكرة إيان”، إلى أن الصحافي ربما كتب تقارير لـAlp Services، يروي فيها مقابلة مع أحد مصادره أو كواليس بعض تحقيقاته. وعندما سئل عن ذلك، لم يجب.
الهجوم على النائب العام في قطر
تؤكد Alp Services في النهاية أنها ألهمت العديد من المقالات التي نشرها إيان هامل في مجلة “لو بوانت” و”ماريان”.
ناقش الصحفي الأمثلة التي طرحناها عليه بدقة، مثل مقاله الذي نُشر في مجلة “لو بوان” في مايو 2019 حول تمويل الإسلام في سويسرا من قبل قطر، الذي كان “مرتبطاً مباشرة بزيارة جورج مالبرونو، المؤلف المشارك لكتاب “قطر بيبرز/ Qatar Papers“.
من الممكن أن يكون ماريو بريرو يحاول تضخيم تأثيره لدى عميله، ومع ذلك، فإن بعض الحالات مثيرة للقلق. في 23 ديسمبر 2017، أعلن ماريو بريرو لعميله، الشيخ مطر، أنه على وشك الحصول على مقالة سلبية عن أحد الأهداف: النائب العام في قطر، علي المري.
كتب بريرو فرحاً في رسالة: “لدينا أخبار جيدة بشأن المقالة عن النائب العام. بعد عدة اجتماعات في باريس، علمنا أن المقالة السلبية (التي تستند إلى تحقيقنا) تمت الموافقة عليها من قبل رؤساء التحرير في المجلة الفرنسية الراقية “لو بوان” (المعادلة الفرنسية لـ Time أو Newsweek، والتي تحظى بشعبية كبيرة بين الجمهور والنخب الأوروبية)”.
يبدو أن ماريو بريرو على معرفة دقيقة بتقدم عمل إيان هامل: “بالنسبة للمقالة القادمة في “لو بوان”، تم التواصل مع النائب العام من قبل الصحفي الذي طرح عليه العديد من الأسئلة حول مركز “مكافحة الفساد” وطلب منه توضيح لماذا ابنه الأمين العام للمركز”، كتب بريرو للجاسوس الإماراتي في 2 يناير 2018.
بعد أسابيع، تتحقق النبؤات: نشر إيان هامل في 26 شباط في مجلة “لو بوان” مقالاً حصرياً بعنوان “سيد مكافحة الفساد في قطر وفندقه الخاص”. كان ماريو بريرو سعيد جداً، حتى إنه تعاقد مع مترجم لإرسال نسخة باللغة الإنكليزية من المقال إلى الشيخ مطر.
وفي “تقرير التأثر” الذي أرسله يضيف أنهم نجحوا بفضل المقال، في “استعادة صفحات ويكيبيديا [النائب العام] باللغتين الإنكليزية والفرنسية بالأشكال السلبية التي أنشأت بها”.
مثال آخر يتعلق بمدرسة الكندي في ديسين-شاربيو في ضواحي ليون. في 5 فبراير 2019، أعد أحد موظفي ALP Services تقريراً عن تحقيق يتهم المؤسسة بأنها تحت تأثير الإسلاميين، جاء فيه: “يبدو لي موضوعاً مثيراً للاهتمام جداً، ربما لـ ماريان أو لو بوان”، يعلق ليونيل ب.، مدير مشروع الإمارات.
بعد ثلاثة أسابيع، في 28 فبراير، تقوم ALP Services بإعداد نسخة جديدة من التقرير مخصصةٌ لإيان هامل، بعنوان “أبحاث-الكندي-إيان هامل نسخة”. وفي 5 أبريل 2019، ينشر الصحفي مقالاً حول الموضوع في مجلة ماريان: “بالقرب من ليون، مدرسة إسلامية مقلقة …”.
بعد أسبوع واحد، قدم جيلبرت كولار، النائب في ذلك الوقت عن حزب الجبهة الوطنية، مقترح قانون يذكر المعلومات المذكورة في المقال، يهدف إلى إطلاق تحقيق برلماني حول “تمويل الدعوة الإسلامية والدعاية السلفية من قبل دولة أجنبية”.
ما سبق أسعد ماريو بريرو الذي حذِّر عميله الإماراتي: “لقد نشرنا مقالاً في مجلة ماريان حول دعم مدير مدرسة م.ب.، التي تم تمويلها من قبل قطر، أيضاً للإرهابيين في تنظيم القاعدة في سوريا.
كما أرسلناه سراً إلى سياسيين فرنسيين، مثل النائب جيلبرت كولار-Gilbert Collard، المستشار المقرب من مارين لوبان-Marine Le Pen، الذي شاركه على “فيسبوك”. وما يهم، أن النائب استخدم المقال كأحد المصادر الرئيسية في مقترح قانون جديد”.
نفى إيان هامل بشكل قاطع أنه تم التلاعب به من قبل ALP Services.
وأشار إلى أن ماريو بريرو “هو مصدر معلومات بين آخرين” بالنسبة له، ويشير مدير التحرير في مجلة “لو بوانت”، إتيان غيرنيل Etienne Gernelle، إلى أنه لا يمتلك “أي دليل يدعم بشكل صارم” أن العلاقات بين آلب وإيان هامل قد تؤثر على عمله.
تورط صحافي سويسري مشهور
تُظهِر وثائق ALP Services الداخلية تورُطُ صحافيين آخرين في إسبانيا، لكن المفاجأة الكبرى تأتي من ورود شخصية مهمة في عالم الصحافة السويسرية في ملفات الوكالة: كورت بيلدا-Kurt Pelda، صحافي حربي ومتخصص في الإسلام المتطرف، حائز جائزة أفضل صحافي سويسري (ما يعادل جائزة ألبرت لوندر في فرنسا) أكثر من مرة.
بيلدا صحافي مستقل، وكان يعمل بشكل رئيسي حتى كانون الثاني/ يناير 2022 لصحف مجموعة Tamedia، أكبر مجموعة إعلامية في سويسرا، بالإضافة إلى المجلة الألمانية الرائدة دير شبيغل.
كما الحال مع لويس دي راغونيل وإيان هامل، فهو مُدرج كـ “مُتعاقد” وقد تلقى 3500 فرنك سويسري (نحو المبلغ ذاته باليورو) من آلب سيرفيس لكتابة ما مجمله ثمانية تقارير تحقيقية عن الإخوان المسلمين في سويسرا.
وقد قام بإنشاء قائمة تتضمن أسماء، استخدمتها ALP Services لإعداد ملف عن الأفراد المفترض أنهم على صلة بالإخوان، ثم إرسِالَه إلى أبوظبي.
أقر كورت بيلدا حين تواصلنا معه بأنه تلقى أجراً مقابل هذه التقارير، لكنه يعتقد أن “استقلاله الصحفي لم يتأثر أبداً”، لأن لم يتم دفعه لإعداد مقالات صحافية. وأضاف قائلاً: “لم أكن أعلم أبداً أن ALP Services تعمل لصالح الإمارات. لو كنت أعرف ذلك، لرفضت”.
لم يُبلِغ بيلدا مجموعة Tamedia، التي تنشر 80 في المئة من عمله، عن تعاونه مع ALP Services كونه يرى أن “لا تضارب في المصالح” مع نشاطه الصحفي.
عندما تم التواصل مع مجموعة Tamedia، أشارت إلى أنها لم يكن لديها “أي معلومات حول أنشطة كورت بيلدا لصالح ALP Services”، مشيرة إلى أن قواعد السلوك المهني في المجموعة تنص على أن الصحفيين يجب أن يحصلوا على موافقة الإدارة قبل أن يشاركوا في أنشطة مع الشركات الخاصة التي يمكن أن تؤثر “في استقلالية الصحافة”.