موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

“طحنون بن زايد”.. أمير الظل في الإمارات

499

لم تكن المهمة التي تسلمها أفراد اللواء الرابع من الحرس الرئاسي اليمني، بداية الأسبوع الثاني من فبراير/شباط للعام الماضي ٢٠١٧، سهلة بحال.

كان على أولئك المقاتلين أن ينتقلوا من معاركهم مع الحوثيين بمعقل الأخيرين في مدينة صعدة الحدودية، وبأوامر من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إلى استلام مطار عدن الاستراتيجي من القوة العسكرية المسيطرة عليه، والمسماة بقوات “الحزام الأمني” الموالية للإمارات.

وعلى الأرجح، فقد توقع اللواء الرابع رفضا روتينيا بلا قتال، وتعسفا لفترة لا بأس بها قبيل تسليم المطار من قوات الحزام لسلطة اليمن الشرعية والآتية برضا ما يسمى بـ “التحالف العربي”، لكن ما حدث كان معاكسا لذلك بكل المقاييس.

حالما وصل اللواء -المشكل حديثا بأوامر من هادي أيضا- إلى مدينة عدن، استُهدفت قواته بشكل مباشر واندلعت الاشتباكات بينه وبين قوات الحزام رافضة تسليم المطار، وبينما افتقر اللواء إلى قوة جوية، تمتعت قوات الحزام بغطاء جوي من مقاتلات رُجح أنها إماراتية، ولم تكن المعركة، التي تم حلها لاحقا، أكثر من مؤشر شديد الوضوح على صراع النفوذ الخامد بين الرياض، ممثلة في رجلها هادي، وبين أبوظبي ممثلة في قوات الحزام، للسيطرة على رقعة الجنوب اليمني.

لم ينهِ حل أزمة المطار حينها هذا الصراع ليتصاعد بعد شهرين من المعركة بإقالة هادي لرجلي الإمارات الأهم في اليمن، حيث أطاح بـ “عيدروس الزبيدي” من منصبه محافظا لعدن، وبنائبه “هاني بن بريك” من منصبه وزيرا للدولة.

كان ذلك بمنزلة اللمسة النهائية للقضاء على أي تعاون مشترك بين القوتين الكبريين في “التحالف”، خاصة بعد أن ألقت أبوظبي بثقلها وراء رجليها داعمة إياهما للانطلاق بحراك انفصالي تزعمه “الزبيدي” بعد بضعة أيام من الإقالة.

كانت تلك أول دعوة انفصالية ذات ثقل وخطر بعد موجات الربيع العربي في اليمن السعيد سابقا، واضعة هادي والسعوديين في مأزق حقيقي، ولأن عجلة الأمور دارت في طريق حرب بالوكالة بين العاصمتين الخليجيتين هددت بتفكيك كل شيء، كان على شخص ما أن يتدخل لحل الوضع شديد التعقيد، ولم يكن هناك أنسب من الرجل الذي بدأ كل شيء، مستشار الأمن القومي الإماراتي ومنسق العمليات العسكرية الإماراتية في “عاصفة الحزم”: طحنون بن زايد.

لا يعرف أحد على وجه التحديد كيف أقنع “طحنون” نائب وزير الدفاع وقتها “محمد بن سلمان” بما ستعرفه الأوساط السياسية بـ “صفقة طحنون”، وهي اتفاق تضمن بشكل رئيس تهدئة الإمارات للأوضاع جنوب اليمن وتجميد المحاولة الانفصالية، مقابل رفع السعودية لدعمها عن هادي حليفها الأول والمُخلص، تمهيدا للإطاحة به واستبداله برجل الإمارات ونائب هادي السابق “خالد بحاح” حالما يصبح “ابن سلمان” وليا للعهد.

ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل امتد لقبول إماراتي بعودة حزب الإصلاح فرع جماعة الإخوان المسلمين اليمني المقرب من الرياض، قبول تجسد في لقاء مشترك بين ابن سلمان ومحمد بن زايد -حاكم الإمارات الفعلي- وطحنون نفسه مع رئيس الحزب نهاية العام الماضي، بينما كانت الصفقة دليلا حقيقيا على قدرات الأمير الغامض.

يضع منصب طحنون الرجل في المرتبة الرابعة بشكل رسمي في هيكل السلطة الإماراتي، بعد خليفة بن زايد رئيس الدولة، وحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، لكنه الثاني بشكل عملي بعد محمد بن زايد مباشرة وذراعه اليمنى.

ولا تقتصر بصمات طحنون على ترتيب الفوضى اليمنية فقط وربما صناعتها بالأساس، وإنما تمتد لإحكام القبضة الأمنية داخل الإمارات كما ظهر اسمه بشكل مباشر في حادثة الاختراق العام لهواتف الناشطين الإماراتيين المعارضين، مرورا بالسيطرة على قواعد جوية ليبية، وليس انتهاء ببصماته التي بدت في مسار الانتخابات الأميركية نفسها، تحت غطاء إضافي لامبراطوريته الاقتصادية الضخمة، واضعة الرجل في قائمة محدودة جدا تشكل الشرق الأوسط بأكمله في الوقت الحالي.

الصعود

في عام ١٩٩٥ دخل طالب جامعي يُدعى “بين” إلى نادي رياضات قتالية يُسمى “جراسي بارا” في مدينة سان دييجو بولاية كاليفورنيا الأميركية، والتقى هناك معلما يُدعى “نيلسون مونتيرو” طالبا الانضمام بحماس بعد مشاهدته للـ “UFC”، وهي أهم بطولة رياضات قتالية مختلطة عالمية، وبالفعل بدأ “بين” دروسه بحماس منقطع النظير، وبشكل مشابه للأفلام السينمائية التقليدية كان الشاب أول من يأتي للنادي وآخر من يغادر، حتى إنه كان يعرض تنظيف أرضية التدريب قبل البدء كل مرة، وهو عمل يُترك للمبتدئين وأصحاب الحزام الأبيض عادة.

ومع تفاني الشاب لم يهتم “جراسي” كثيرا بالتحقق من هويته، لكنه بعد شهور من التدريب والثقة كشف “بين” هويته الحقيقية لمدربه؛ لقد كان طحنون نفسه.

عاد طحنون إلى أبوظبي عام ١٩٩٨، وبدأ في ذلك الوقت بتأسيس رؤيته لتطبيق الفنون القتالية، لا في الإمارات وحدها وحسب، بل لكل الرياضات القتالية في العالم بوضع مقاييس جديدة لها، مؤسسا نادي قتال “أبوظبي” الذي يستضيف واحدة من أكبر البطولات القتالية في العالم، قبل أن يحصل على حزامه الأسود مطلع الألفية، وهي المسيرة الرياضية التي ستنطبع على تحركات الشاب فيما بعد في صعوده بالشرق الأوسط.

نهاية التسعينيات، وقبل حصوله على الحزام الأسود بقليل، أطلق طحنون مجموعة اقتصادية كبرى تُدعى “رويال جروب”، وهي مجموعة توظف الآن أكثر من ٢٠ ألف عامل في أكثر من سبعين شركة، ما بين وكالة مطاعم “بوبايز” وصولا إلى التصنيع العسكري والروبوتات، وتتربع على رأس مشروعات المجموعة “جزيرة الريم”، المشروع ذو الستين مليار دولار، وأحد أكبر مشروعات الإمارات على الإطلاق.

ولإدارة كل ذلك؛ عُيّن الأمير الشاب رئيسا لمجلس إدارة بنك “الخليج الأول”، ثالث أكبر البنوك الإماراتية من حيث الأصول، ممتلكا 5.40% من أسهمه، أي ما قيمته مليار دولار تقريبا، واضعا إياه في مصاف قائمة أغنى العرب لعامين متتاليين.

وكعادة طحنون، قرر تحويل بنك الخليج إلى البنك الأول في الشرق الأوسط، فقام بإدارة عملية دمجه مع بنك “أبوظبي الوطني” ليشكلا “بنك أبوظبي الأول”، أحد أكبر المؤسسات المصرفية في العالم، بإجمالي أصول يصل إلى ١٧٥ مليار دولار 12، ليساهم ذلك جوار المجموعة العملاقة “رويال” في دفع مسيرة طحنون السياسية إلى حدودها القصوى حتى الآن.

إمبراطورية طحنون

على مساحة تقترب من 150 ألف م2، وفي قلب أبوظبي بجانب مسجدها الكبير ومدينتها الرياضية؛ تجتمع كل عام أكثر من ألف شركة عسكرية ومختصة بالتقانة الدفاعية في معرض “IDEX” السنوي والوحيد من نوعه في الشرق الأوسط، مستعرضة آخر التقنيات العسكرية لديها بشكل مباشر لأكثر من مئة ألف زائر، والأهم، لأكثر من مئة وسبعين وفدا رسميا في ١٢ قاعة مع مساحات مخصصة للتقنيات البحرية والطائرات بدون طيار.

من بين كل هذه الشركات توجد ١٤٠ شركة مقرها الإمارات، أهمها شركة “الإمارات للصناعات العسكرية” (EDIC) المملوكة من الدولة بتأسيس وإدارة محمد بن زايد، والشهيرة بعربتها القتالية “إنيجما” المستخدمة بكثرة في اليمن وليبيا والتي تُصدّر إلى دول أخرى، مقابل شركة جديدة ظهرت للمرة الأولى عام ٢٠١٥ تحت اسم “مجموعة تراست العالمية” -“هيدرا” سابقا- لتكون واحدة من عدد من الشركات الإماراتية الدفاعية النادرة التي لا تملكها “EDIC”، بما يجعلها شريكا مفضلا للشركات التي تسعى للفوز بعقود مع قوات الأمن الإماراتية، وهي الشركة الأساسية في مجموعة طحنون الاقتصادية “رويال”.

أثناء المعرض، قالت الشركة إنها توفر قطع الغيار والمنتجات والأنظمة العسكرية المختلفة بجانب الخدمات اللوجستية، وهي تعمل بشكل مبدئي على تمكين الإمارات من الحصول على التكنولوجيا الحساسة التي تستخدم للدفاع عن الأمن القومي، ضمن اتجاه استراتيجي هندسه طحنون للشركة بشراكة استراتيجية مع شركة “بلايتر سورفينانس سيستمز” البريطانية، لكنها أيضا تقوم بشراء الأسلحة لحلفاء الإمارات من المليشيات المختلفة، وعلى رأسها قوات الحزام الأمني وقوات النخبة في اليمن، وقوات “عملية الكرامة” في ليبيا، إضافة إلى عملها الطويل مع مستشار مصري يُدعى تامر حنفي “لدعم الاختراق التجاري الإماراتي في مصر”.

نجحت شركة طحنون أيضا بالنفاذ إلى قلب بعض الشركات العسكرية العالمية المهمة، إذ باتت الموفر الأول للوازم وقطع غيار للمركبات المدرعة التشيكية “تاترا”، وعربات “همفي” العسكرية الأميركية، إضافة إلى شركة “نكستر ليكلريك” الفرنسية للدبابات، ضمن تعاونها الواسع مع الفرنسيين، المتمثلة بكونها أول شريك تجاري مشارك في برنامج “استخبارات الجغرافيا المكانية”، وهو برنامج أدى في نهاية المطاف إلى صفقة متعلقة بنظام “عين الصقر” حصلت بها الإمارات على قمرين فضائيين ضوئيين، وهو نظام المراقبة المحلي الذي حول الإمارات إلى معرض آلات من الأضخم عالميا ترصد وتراقب كل حركة لكل مواطن إماراتي تقريبا.

بجانب “تراست إنترناشيونال غروب”، وفي إمبراطورية “رويال” الاقتصادية؛ طور طحنون صندوقا آخر مخصصا للاستثمار والشراكة مع شركات التكنولوجيا الجديدة مطلقا عليه “شركة العلوم المتقدمة والإبداع”، وهو صندوق يدير حاضنات لتشجيع التقنية الجديدة في أبوظبي، واستثمر في شركة أسترالية لتكنولوجيا الليزر، وأيضا في مشروع للطاقة الشمسية في سيراليون افتتحه رئيس البلاد “إرنست باي كوروما” بنفسه، إضافة إلى شركة “بال” التقنية الرائدة إقليميا لتطوير الروبوتات، ضمن الشبكة الممتدة للأمير الإماراتي، التي تجعله حد وصف “إنتلجنس أون لاين” “مديرا لإمبراطورية استثمارات وأمن”.

لا يبدو وصف الدورية الاستخباراتية الفرنسية منافيا للواقع بحال، ففي عام ٢٠١٢، وبينما كان الناشط الحقوقي الإماراتي ذائع الصيت أحمد منصور يحاول إطلاق سراح رفاقه المتهمين في قضية “الإمارات ٩٤” بعد أن أطلق سراحه من القضية الشهيرة باسم “الإمارات ٥” كانت أجهزته الإلكترونية دائما رازخة تحت وطأة محاولات لا تنقطع لاختراقها عن طريق النظام الإماراتي، حسب ما كشفته المجموعة التقنية الشهيرة “سيتيزن لاب”، محاولات كان أبرزها اختراق حاسوبه وبريده الإلكتروني عن طريق مستند نصي.

حينها، تعقب “مختبر المواطن” -الذي ساعد منصور على تجاوز الاختراق- مصدره، ليجد أنه يرجع إلى عنوان إلكتروني مألوف في أبوظبي: مجموعة رويال جروب المملوكة لطحنون، وعن طريق شركة الاختراق المثيرة للجدل المعروفة بـ “هاكنج تيم” والتي شهدت تسريبات واسعة لرسائلها الإلكترونية الخاصة عام ٢٠١٦، وهي تسريبات كشفت عن مساعدتها لعدد من الأنظمة القمعية العربية والعالمية للتجسس المحلي غير القانوني على نطاق واسع، وعلى رأسهم الإمارات، من قامت بإحياء “هاكنج تيم” مرة أخرى، وأنشأت من أنقاضها “دارك ماتر”، الإمبراطورية الإلكترونية الجديدة الموجهة تحديدا للمراقبة الشاملة والتجسس على الإماراتيين.

قد يبدو هذا مثيرا للجدل رغم الإثباتات المعلوماتية المتوالية؛ لكن القليل من تتبع تاريخ الأمن الإماراتي يوضح استخدام النظام باستمرار للأموال الطائلة لبناء تلك الشبكات الأمنية كجزء رئيس من استراتيجية أمنه، استخدام كان أبرزه شراء خدمات مؤسس شركة المرتزقة الأولى عالميا “بلاك ووتر” ومديرها السابق، إريك برنس، الذي دفعت له الإمارات ما يصل إلى ٥٢٩ مليون دولار لجلب المرتزقة لتشكيل قوات مسلحة موازية، ولم تقف تلك الإمبراطورية الأمنية الإماراتية عند التوظيف، بل حشدت موظفي الاستخبارات المركزية السابقين، بتنسيق من موظف السي آي إيه السابق لاري سانشيز، المؤسس السابق لعلاقة مثيرة للجدل بين شرطة نيويورك والسي آي إيه (يُمنع عمل المخابرات المركزية الأميركية داخل الولايات المتحدة)، ومن يشرف الآن بالأموال الإماراتية على تدريب عدد من رجال النظام على أعمال الاستخبارات والمراقبة في فيلا خليجية فارهة قرب ميناء زايد في أبوظبي.

على رأس هذه الإمبراطورية الأمنية من المرتزقة والعملاء يتربع محمد بن زايد، من أحكم قبضته عليها بدفعة التغييرات الأخيرة التي أجراها في مارس/آذار عام ٢٠١٦، عندما عيّن ابنه “خالد” رئيسا لجهاز أمن الدولة، وهو المسؤول عن الأمن الداخلي والمتهم الأول بالانتهاكات الحقوقية والتعذيب والاعتقالات التعسفية داخل السجون ومطاردة الناشطين والإصلاحيين والمنتسبين إلى الجماعات الإخوانية، لكن التعيين الأهم كان لشقيقه الأصغر “طحنون” مستشارا للأمن الوطني، المنصب الذي جعله “الجاسوس الأول”، المسؤول عن إدارة هذه الشبكات وعن العمليات الخارجية، متوليا الملفات الخارجية للإمارات.

الجاسوس الأول

كان ملف طحنون الخارجي الأضخم حتى الآن هو تنسيق العمليات الجوية من الجانب الإماراتي مع الرياض في ما يسمى بـ “عاصفة الحزم”، وهو أول دور إقليمي كبير له خارج البلاد، بعد أن تولى في عامه الحادي والعشرين منصب رئيس الدائرة الخاصة بوالده الشيخ زايد، ثم أصبح رئيس هيئة طيران الرئاسة، قبل أن نشهد صعوده السريع والمفاجئ عام ٢٠١٣ ليصبح نائب مستشار الأمن الوطني، ثم بعدها بثلاثة أعوام، وإثر نجاحه في ترتيبات عمليته الخارجية الأولى “عاصفة الحزم”، عُيّن مستشارا للأمن الوطني ليكون مسؤولا عن العمليات الاستخباراتية الإماراتية الخارجية كما ذكرنا. وفتح نجاحه الباب أمامه للعمليات الخارجية الموسعة، مستندا إلى إمبراطوريته الاقتصادية وشبكة علاقاته الممتدة، ليصبح طحنون مسؤولا عن مصير اليمن السياسي كاملا، وهو دور سيتكرر نسبيا خلال الفترة ذاتها وفي منطقة أخرى تعمها الفوضى أيضا.

في ليبيا عام ٢٠١٦، وافق قائد ما يسمى بـ “عملية الكرامة” خليفة حفتر على منح أبوظبي أرضا زراعية جنوب مدينة المرج لإنشاء مهبط وقاعدة عسكرية للطائرات الإماراتية تحت إشراف طحنون، لكنه بعد عامين فقط، وفي أبريل/نيسان الماضي، تولى الأمير الإماراتي مهمة التخطيط لمرحلة ما بعد حفتر، بالتنسيق مع الجانب المصري متمثلا في رئيس اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا اللواء “محمد الكشكي”.

توسعت علاقات طحنون وصلاحياته مع الوقت، وامتدت أذرعه خارج الإمارات والعالم العربي لتصل إلى شواطئ الأطلسي؛ ففي لقاء شبيه بلقائه السري مع “ابن سلمان” لتحديد مصير اليمن، أو لقائه مع اللواء الكشكي لتحديد مصير ليبيا؛ رتب الجاسوس الأول لقاء سريا في جزر سيشل الاستوائية في المحيط الهندي قبل تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتسعة أيام فقط، جمع اللقاء “إريك برنس” ممثلا للجانب الأميركي، مع ممثل موسكو “كيريل ديمتريف”، مدير “صندوق الاستثمار المباشر” الروسي، وهو صندوق تتلخص مهمته في جمع واستثمار الأموال الأجنبية في المشاريع الروسية للبنى التحتية، وتستثمر به الإمارات ملياري دولار عن طريق شركة “مبادلة” للتنمية التي يترأسها محمد بن زايد، وبوساطة من جورج نادر، الأميركي من أصل لبناني والمدان بقضايا جنسية مطلع التسعينيات ممثلا للجانب الإماراتي، سعيا لتأسيس قنوات خلفية للتواصل بين واشنطن وموسكو، ولتضع الإمارات قدما لها في البيت الأبيض الجديد.

لم يدّخر طحنون جهدا لحماية مصالح الإمارات ومواجهة أعدائها؛ بدءا من الحرب المالية التي يشنها مصرفه “أبوظبي الأول” ضد الدوحة إثر الأزمة الخليجية، وليس انتهاء بتنسيق وتنظيم تحالف أبوظبي مع واشنطن والرياض ضد طهران وجماعة “الإخوان المسلمين”؛ وهو تحالف اكتمل بناؤه في شهر مارس/آذار الماضي -أثناء زيارة “ابن سلمان” لواشنطن- في حفل خاص حضره كل من بول رايان، الزعيم الجمهوري في مجلس النواب الأميركي الذي يقود الحملة التشريعية ضد طهران، وبالطبع بوجود طحنون أيضا.

تعكس هذه الصورة التي تجمع ابن سلمان وطحنون أوجه شبه كثيرة مشتركة بينهما، فيدين كل منهما للآخر بصفقة هنا في اليمن أو تسيير للمصالح هناك مع الأميركيين، لا بالغترة الحمراء التي يرتديها طحنون وحده من بين الإماراتيين مشابها غترة السعوديين، ولا بامتلاك ابن سلمان لأرامكو مقابل امتلاك طحنون لـ “رويال جروب” اللتين تدفعان مشاريعهما المحلية والإقليمية والدولية، ولكن بالطموح الذي دفع الأمير السعودي إلى الصعود نحو العرش والإمساك بكل الصلاحيات السياسية والعسكرية والأمنية داخل المملكة، بطريقة لقب بها بـ “أمير الفوضى”، وهو الطموح نفسه الذي دفع جاسوس الإمارات الأول إلى صعود شبيه، ولكن بشكل أكثر أناقة وهدوءا كما يليق بمسؤول استخباراتي لا أمير “هائج”، صعود وطموح لا يُعرف إن كان سيقف عند حاجز شقيقه القوي محمد بن زايد، الذي كان قد عزل من قبله شقيقهما هزاع من منصب طحنون الجديد لقلق مشابه، أم أنه طموح سيتجاوز في مرحلة ما ابن زايد نفسه.